بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
اختلف الباحثون في منشأ تسميتهم بالصوفية، فذهب بعضهم إلى أنها ناشئة من أهل الصفة
الذين كانوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعيشون على الصدقات وإعانة النبي
صلى الله عليه وآله وسلم لهم.
وذهب آخرون إلى أنها نشأت من لباس الصوف، الذي اتخذوه شعارا لهم، وتميزوا به عن
سائر الناس.
بينما ذهب فريق ثالث إلى أنها تحريف لكلمة (سوفيست) اليونانية، والتي تعني الحكمة،
وعلى هذا القول الثالث، يكونون قد سموا أنفسهم بالحكماء منذ البداية، وإن كان هذا
القول ضعيفا في نفسه، إذ لم تتخذ الصوفية بعدا علميا وفلسفيا إلا في القرن السابع
الهجري على يد محي الدين بن عربي، الذي استطاع أن يجعل من التصوف فلسفة وعلما.
ومهما يكن من أمر، فقد بدأت الحركة الصوفية، على شكل زهد في الحياة الدنيا وزخارفها،
وإعراض عن كل ملذاتها، ثم تطورت شيئا فشيئا، حتى صارت فلسفة في الحياة.
ويحاول الصوفيون أن ينسبوا أنفسهم إلى رسول الله’ وأمير المؤمنينعليه السلام ، الذي
يزعمون أنه رئيسهم، وأنه أول متصوف في الإسلام، مع أن هذه النسبة تجافي الحقيقة
كثيرا، بحسب ما هو المتيقن من طريقة عيشهعليه السلام ، ومقارنتها بطريقتهم في
الحياة، فإنهعليه السلام مع زهده الشديد بالدنيا، وعدم اغتراره بها، إلا أنه كان
يؤكد على ضرورة العمل والتزود من الدنيا، كما قال تعالى:
﴿قل من حرم زينة الله التي
أخرج لعباده والطيبات من الرزق1﴾.
وأما الصوفية ففضلوا الاعتزال عن كل ما يرتبط بالحياة، وابتعدوا عن هموم الناس
ومشاكلهم، ونأوا بأنفسهم عن حياة الجد والعمل، وآثروا عيشة الدراويش، كما نبذوا
الجهاد وامتنعوا عنه، بل ومقتوا المجاهدين في سبيل الله، وصار التسول أحد أركان
حياتهم المهمة، لأن فيه هدما لغرور النفس وقهرا لكبريائها حسب زعمهم.
نشأة الصوفية:
يبدو أن الحركة الصوفية قد نشأت وترعرعت، بعيدا عن مدرسة أهل البيت (ع) وعن
تعاليمهم، وتأثرت بحياة الرهبنة التي يعيشها المسيحيون، فأخذ المتصوفة يعيشون كما
يعيش الرهبان في صوامعهم، وهو ما نجده من استعراض سيرة كبارهم، فإن الحسن البصري
كان من أكبر روادها، وهو ابن لأب نصراني، سباه المسلمون في الحرب، وكذلك رابعة
العدوية التي ترجع في أصولها إلى الديانة النصرانية كذلك، وهذا ما دعا بعض الباحثين
إلى الادعاء أن الحركة الصوفية نصرانية المنبت والمنشأ.
والظاهر أن حياة الصوفية برزت كردة فعل داخلية عنيفة، ضد حياة الترف والتهتك
والمجون التي عاشها الصوفيون أنفسهم، قبل أن تحصل عندهم حالة اليقظة الروحية،
والانكفاء على الذات، نتيجة الإحساس الشديد بالذنب، وإدراك الفراغ الروحي الذي كان
يعيشه هؤلاء في بداية حياتهم، وهو ما نراه عند مختلف المتصوفة الأوائل، ومما لا
شبهة فيه أنها نتجت عن فهم خاطئ للدين، فزعموا أن الإسلام يدعو إلى العزلة،
والابتعاد عن هموم الدنيا، ومشاكل الناس.
* سماحة الشيخ حاتم اسماعيل
1- سورة الأعراف، آية: 32