(1): الزراعة خير وأطيب الأعمال:
لقد أكدت النصوص الإسلامية الواردة عن النبي (ص) وأهل بيته (ع) على زراعة النباتات
والأشجار، وفي نص أن رجلاً سأل الإمام الصادق (ع) قائلاً له: "جعلت فداك أسمع قومًا
يقولون إنّ الزراعة مكروهة، فقال (ع): ازرعوا واغرسوا فلا والله ما عمل الناس عملاً
أجلّ ولا أطيب منه".
والنص هذا واضح في الحثّ على الزراعة والتشجير إذ جعلته عملاً من أفضل ما يمكن أن
يقوم به إنسان ومثل هذا النصّ ما ورد عن الإمام أبي جعفر (ع) وهو قوله (ع): "كان
أبي يقول خير الأعمال الحرث يزرعه فيأكل منه البر والفاجر". والرواية علّلت كون
الزراعة خير الأعمال بكونه مساهمًا في سدّ الحاجات الغذائيّة للناس بغضّ النظر عن
دينهم وعن تديّنهم وعدمه.
فالزراعة تساهم في تنويع مصادر الغذاء إضافة إلى إيجاد الكفاية منه للبشرية وليس
فقط لأمة المسلمين.
بل إنّ الحثّ على الزرع وخصوصًا ذي الثمر مطلوب لسدّ حاجات الحيوانات والطيور فعن
النبي الأكرم (ص): "ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان أو طير أو
بهيمة إلاّ كانت له به صدقة".
(2) ضرورة العناية بالثروة النباتية:
صحيح أنّ المطلوب هو الزرع لكن الهدف والغاية من الزرع والنبات يتوقّف على حصول
الفائدة منه والتي هي واضحة وضوح الشمس ألا وهي الغاية من تمامها وكمالها ألا وهي
ظهور الزراعة ابتداءً والعناية بالزرع استمرارا بما يناسبها من ري وحماية ورعاية
حتى تشتدّ وتكبر وتفرع وتزهر وتثمر فعن النبي الأكرم (ص): "من نصب شجرة وصبر على
حفظها والقيام عليها حتى تثمر كان له في كل شيء يصاب من ثمرها صدقة عند الله".
وعنه (ص): "ما من رجل يغرس غرسًا إلاّ كتب الله له من الأجر ما يخرج من ثمر ذلك
الغرس".
وهذه الأحاديث ترغب المسلمين بالزرع والعناية به من جهة الأمر الأخرويّ وهو الثواب
حيث جعلت نتاجه صدقا كائنًا من يكون المستفيد منه بل إنّ الرواية الأخيرة جعلت
الثواب على نفس خروج الثمر سواء استفاد منه الخلق أكلاً وتغذية أو لا أي حتى لو لم
يأكله أحد من إنسان أو طير أو بهيمة.
(3) تنويه بالزارعين:
ولقد استخدمت الروايات أسلوبًا آخر للحثّ على الزرع والإنبات ونشر الخضرة بأن
نوهت بنفس الأشخاص الذين يمتهنون هذه المهنة. ولعله إشارة إلى فضلهم على الخلق الذي
يظهر بصورة التنويه من المعصوم بهم إضافة إلى بيان مقامهم الأخرويّ حيث جاء عن
الإمام الصادق (ع): "الزارعون كنوز الأنام يزرعون طيبًا أخرجه الله عزّ وجل وهم يوم
القيامة أحسن الناس مقامًا وأقربهم منزلة ويدعون المباركين".
فقد أعطاهم الإمام (ع) صفة هي أنهم كنوز الأنام أي أنهم ثروة مخبوؤة ومدَّخرة
للبشرية وكونهم يدعون بالمباركين إشارة إلى أنّ عملهم تتوالى ثماره وتستمرّ مددًا
طويلة وقد تبقى إلى ما بعد حياتهم الدنيوية وهذا معنى البركة الذي هو استمرار الأثر
الطيب.
(4) ازرع ما دمت حيًا:
فيما روي عن النبي (ص): "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليخرسها".
وهذه من أبلغ الروايات في الدلالة على محبوبية ومطلوبية الزراعة والاشتغال بالزراعة
وإكمال العمل الزراعيّ الذي بدأه الزارع حتى لو ظهرت إمارات فناء الدنيا. وهذه
الأحاديث وأمثالها تدلّ على دعوة الإسلام الجدية والحثيثة لنشر الخضرة حيث أمكن بل
شددت على ذلك من خلال إعطاء جوائز دنيوية إضافة إلى الثواب الأخروي.
فعن النبي (ص): "من أحيا أرضاً ميتة فهي له". بل في لسان بعض الروايات جعلت لمحي
الأرض الميتة ثوابًا كما جاء عنه (ص): "من أحيا أرضًا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت
العافية منها فهو له صدقة".
(5) ازرع ولا تقطع:
كما حثّت الروايات على الباس الأرض ثوبها الأخضر كذلك حثت على عدم تركها جرداء
قاحلة فما في الروايات الآنفة حول إحياء الأرض الميتة وكذلك نهت عن نزع الخضرة عنها
فما ورد في ذلك عن الإمام الصادق (ع): "لا تقطعوا الثمار فيبعث الله عليكم العذاب
صبًا".
وإن كان لا بد من القطع فلنزرع مكان المقطوع مما ليس ذا ثمر بالمثمر فعن الإمام
الكاظم (ع) وقد سأله محمد بن أبي نصر عن قطع السدر: "سألني رجل من أصحابك فكتبت
إليه: قد قطع أبو الحسن (ع) سدرًا وغرس مكانه عنبًا".
وزادت الرويات بأن نهت عن الدخول في الأراضي المزروعة ووطئها بحيث تتلف قبل جني
محاصيلها فعن النبي الأكرم (ص): "ما من نبت إلا ويحفه ملك موكل به حتى يحصده فأيما
امرئٍ وطئ ذلك النبت يلعنه ذلك الملك".
ولأنّ بعض المناطق قليلة النبات فقد نهى أئمة أهل البيت (ع) عن قطع نباتها حتى ولو
لم تكن مثمرة كما جاء عن صادق أهل البيت (ع): "إنما يكره قطع السدر بالبادية لأنه
بها قليل".
خاتمة:
ونحن في زمن تتهدد كوكبنا جملة من الأخطار جرتها المدينة المتوحشة وفي راسها
مسألة التصحر وزوال المساحات الخضراء نحتاج إلى وقفات تأمل في أمثال هذه النصوص
علنا ننهض بأعباء مسؤولياتنا اتجاه البيئة فنحميها ونحمي أنفسها بحمايتها