بسم الله الرحمن الرحيم
نبحث في كيفية الوصول إلى العدل في النظرية الإسلامية، عندنا أنّه بدون جعل
المالكية والحق الأوّل لله لن تستتب العدالة بتاتاً في البشر; لأنّ نظام التكوين
يبدأ من الله ثمّ إلى خلقه، فلابدّ أنّ نظام الحقوق ونظام التقنين ونظام التدبير
يتطابق مع نظام التكوين، وإذا تطابق فستكتب العدالة، وتتحقق السعادة للإنسانية،
وإذا تمّ مخالفة هذا الأصل الأصيل الذي ترتكز عليه العدالة فلن تعيش البشرية
السعادة أبداً، وستخسر البشرية السعادة.
الملكيّة الحقيقية لله
والملكيّة بالذات وقبل كلّ شيء لله سبحانه وتعالى، ولذلك قال سيد الشهداء(عليه
السلام): "أعوذ بربّي وربّكم من كلّ متكبّر لا يؤمن بيوم الحساب"[1]، وهنا يشير سيد
الشهداء إلى أنّ الظلم السائد في النظام الاجتماعي آنذاك بسبب عدم تحكيم هذا الأصل
الأصيل، وهو مالكيّة الله للكون وما فيه.
الظاهرة اليزيدية والظاهرة الأموية تمثّلان المدرسة الذاتية التي لا تنطلق من أنّ
مالك الملوك هو الله، وإنّما تضع في هذا الموضع شخصاً آخر، ومنهج أهل البيت(عليهم
السلام) يرتكز على أنّ الملك لله والحق لله لا للفرد، وإذا سلّمنا أنّ الملك للّه
والحقّ للّه فإنّ كلّ قانون وكلّ مبدأ لا ينطلق من التشريع الإلهي فهو فاقد
للمصداقية والشرعية، ولا يمثّل قانوناً عادلا.
لا تتحقق العدالة من خلال المدرسة الذاتية أو الإنسانية
وإذا جعل المحور هو الذاتية أو الإنسانية فلن تكتب العدالة للبشرية، الآن توجد
مافيا المخدّرات ومافيا الجنس ومافيا السلاح التي تنشأ من الإقطاع الدولي الذي يفتح
باب الحروب من أجل أن يسوّق سلاحه، ومن أجل الربح، ومن خلال ممارسة الجنس غير
المشروع يفتح هذا الباب الذي يهدم أخلاقيات الأُسرة والمجتمع، وتربك السلامة
الروحية والصحة البدنية والأمن الاجتماعي، وليكن كلّ ذلك، المهم أن يربحوا من هذا
الفساد الأخلاقي، وكذلك المخدّرات التي تشل الطاقات البشرية والعلمية والعقلية عند
شرائح كبيرة من المجتمع ولتذهب البشرية للجحيم، المهم أن يربحوا، وليكن بعد ذلك ما
يكون.
ملكيّة الله وملكيّة الرسول وذي القربى
إذن الأصل الأوّل في كلّ الحقوق يتبيّن من خلال هذه الآية في سورة الحشر، يقول
الله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ
وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ
كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاَْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ}[2]، الثروات الطبيعية، بل كلّ الثروات هي ملك لله تعالى، واللام
الواردة في الآية الكريمة هي لام الملكيّة، وتصرّف وملكيّة ذي القربى ليست ملكيّة
قيصرية أو كسروية، قال تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى}، ولم يقل
ولليتامى، ليبيّن أنّ المصرف سيكون للطبقات المحرومة توزيعاً عادلا، قال تعالى:
{كَىْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}.
* آية الله الشيخ محمد سند
[1] - الكامل في
التاريخ 4: 63.
[2] - الحشر (59): 7.