التقوى لها مراتب كثيرة وبأدنى مراتبها تُقبل الأعمال والطاعات، وأدنى مراتبها بل
وما يزيد على المرتبة الدنيا لا يمنع من وقوع المعصية اتفاقًا على انْ تتعقَّبها
توبةٌ نصوح.
وأما تقوى المعصومين (عليه السلام) فهي من أعلى مراتب التقوى، لذلك فهي تمنع من
وقوع صغائر الذنوب فضلاً عن كبائرها.
وعليه فصدور الذنوب اتفاقًا خصوصًا الصغائر منها لا يٌنافي التقوى ولا يمنع من قبول
الطاعات ما لم يكن اصرار من العبد على الذنب وكان كلَّما أذنب آبَ إلى ربه وصدق في
توبته بعقد العزم على عدم العود إلى المعصية والندم الأكيد على ارتكابها.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): "لا واللهِ لا يقبل الله شيئاً من طاعته على
الإصرار على شيء من معاصيه"(2).
ثم إنَّ الروايات الواردة عن أهل البيت (عليه السلام) أفادت انَّ ثمة موارد لا يكون
فيها العمل مقبولاً:
منها: ما ورد عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "لا يقبل الله صدقةً من كسْبٍ حرام"(3).
ومنها: ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "لا يقبل الله عز وجل حجَّاً ولا
عمرة من مالٍ حرام"(4).
ومنها: ما ورد عن أبي عبدالله (عليه السلام) حين سُئل عن شارب الخمر فقال (عليه
السلام): "لا يقبل الله منه صلاة ما دام في عروقه منها شيء"(5).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): ".. ومن أكل الربا ملأ
الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل، وإنْ اكتسب منه مالاً لا يقبل الله منه شيئاً
من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط واحد"(6).
ومنها: ما رود عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: "ثمانية لا يقبل الله منهم صلاة،
وعدَّ منها: الناشز عن زوجها وهو عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية
المدركة تُصلِّي بغير خمار"(7).
ومنها: ما رود عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أحدث حدثاً أو آوى
مُحدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا"(8).
ومن الإحداث الابتداع وإدخال ما ليس من الدين في الدين.
ومنها: ما ورد عن الإمام الرضا (عليه السلام): "لا يقبل الله عمل عبدٍ وهو يُضمر في
قلبه على مؤمن سوءً"(9).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يقبل الله صلاة
خمسة نفرٍ: الآبق من سيده، وامرأة لا يرضى عنها زوجها، ومدمن الخمر، والعاق، وآكل
الربا"(10).
ومنها: ما ورد عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): "والذي بعثني بالحق لا
يقبل الله عز وجل من عبدٍ فريضة إلا بولاية علي (عليه السلام)"(11).
ومنها: ما ورد عن أحد الصادقين (عليه السلام): "نحن أهل البيت لا يقبل اللهُ عمل
عبدٍ وهو يشكُّ فينا"(12).
هذا وقد وردت روايات تفوق حدَّ التواتر مفادها انَّه لا تُقبل الأعمال إلا بولاية
أهل البيت عليهم السلام ولعلَّنا نستعرض بعضها في فرصة لاحقة.
* الشيخ محمد صنقور
1- سورة المائدة آية رقم 27.
2- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 15 ص 337.
3- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 9 ص 206.
4- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 93 ص 163.
5- وسائل الشيعة (الإسلامية) -الحر العاملي- ج 17 ص 243.
6- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 18 ص 122.
7- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 7 ص 253.
8- وسائل الشيعة (آل البيت) -الحر العاملي- ج 29 ص 28.
9- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج 1 ص 97.
10- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج 13 ص 332.
11- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج 1 ص 176.
12- مستدرك الوسائل -الميرزا النوري- ج 1 ص 166.