الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
أنفقوا بعدل
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

باسمه تعالى

قال الله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا، وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا،إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرً [1].
 
مقدمة: النفقة حق القربى:
من الحقوق ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي وكذلك التربوي مسألة الإنفاق وبالخصوص الإنفاق على ذوي القربى والإنفاق هو حكم من سلسلة من الأحكام الإسلامية الأساسية المتعلقة بحقوق القرابة والرحم وكذلك بحقوق الفقراء والمساكين وذوي الحاجات من أبناء المجتمع بشكل عام وبالأخص الإسلامي وبخصوص الآيات التي صدرنا بها الكلام تشير بعض الروايات إلى أنها تتحدث عن قصة فدك، ففي مصادر المسلمين الروائية نقرأ رواية عن الصحابي المعروف أبي سعيد الخدري يقول فيها: "لما نزل قوله تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرً[2] أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فدكاً"[3].

وكذلك ورد أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أثناء سيره إلى الشام بعد واقعة كربلاء استخدم هذه الآية في التعريف بنفسه وبأهل بيته وعيال أبيه الحسين (عليه السلام) وأنهم هم المعنيون بها وأهل الشام  يغمطونهم هذا الحق، ولكن مع ذلك فهذا لا يمنع من تعميم الوارد فيها وحصر مدلولها وجعله مختصاً بمسألة فدك لأن ما بعدها من الآيات إنطلق من الخاص ليتحدث عن أمور عامة كالنهي عن التبذير إضافة إلى مداراة السائل والنهي عن البخل والعدل في الإنفاق فهذه أحكام وأمور عامة ولو كان الخطاب للرسول (صلى الله عليه وآله) فحتى لو كان المقصود بكلمة ذي القربى الأرحام المقربين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذلك لأن أهل البيت هم أوضح مصاديق قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكذلك في طليعة المخاطبين في ما ورد من أحكام هو الرسول (صلى الله عليه وآله) ولكن مع ذلك فالكل مكلفون بإيتاء حقوق ذوي قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدم الاعتداء عليها وغمطها، وكذلك بإيتاء حقوق ذوي قرباهم. لذلك نجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد نزول هذه الآية وهب حقوق ذوي القربى لهم؛ فأعطى فاطمة (عليها السلام) فدكاً وأجرى عليهم الأخماس وغير ذلك حيث إن الزكاة كانت محرمة على أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وقرباه.
 
إستفادات من الآيات:
ويمكن بالتأمل في الآيات موضع الكلام وما روي فيها ومعاني مفرداتها وجملها استخلاص مجموعة من الفوائد نذكر منها:

1- لماذا جاء النهي عن التبذير بعد الأمر بالإنفاق؟
وهذا سؤال يثيره مجيء كلا الأمرين الأمر والنهي في آية واحدة إذ يقول تعالى: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرً[4].
فالواضح الجلي أنه تعالى نهى عن التبذير مباشرة وبدون فصل بعد أن أعطى أمره بأداء حق الأقرباء والمساكين وأبناء السبيل.
ومن وجوه ذلك أن الإنسان بطبعه يتأثر بمجموعة من الأمور تثير عاطفته وتدفعه لتصرفات معينة كالإنفاق مثلاً والمساعدة المالية ومنها القرابة، والحالات الإنسانية كالبؤس والمسكنة وحالات أبناء السبيل الذين انقطعت بهم السبل وهذا ما قد يجعله يعطي ذوي قرابته والمسكين وابن السبيل أكثر مما يستحق، فكأن الآية جاءت لبيان دواعي الإسراف والتبذير وهو العاطفة أو الصداقة أو الحالات الإنسانية.

2- لماذا النهي عن الإسراف والتبذير؟
صحيح أن الله تعالى جعل النعم الموجودة على الأرض للناس ليستعينوا بها على حياتهم لكنه لا يرضى بإنفاقها وإتلافها كيفما اتفق وبلا حكمة، بل أنه عز وجل ليريد منهم أن يستثمروها ضمن حدود العقل دون إفراط ولا تفريط، ومما لا شك فيه أن الإسراف والتبذير في مكان ما أو زمان ما سيؤدي إلى فقر في مكان آخر وكذلك في زمن آخر ولأجيال أخرى.
فالتبذير يعني الصرف الكثير للموارد مما قد يؤدي إلى إتلاف الشيء وتضييعه وحرمان الآخرين من حقوقهم في هذه النعم. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً[5].
ذلك أن المبذر يقارن الشيطان ويشبهه شبه الأخ لأخيه لأن الشيطان أعطاه الله من النعم والعلم والمقام والقدرات فأنفقها في الغواية دون الهداية. وكذلك المبذر ومثله المسرف أعطاه الله النعم فأتلفها ولم يرع حق الآخرين فيها فأتلفها بدون حساب. وتعليل تشبيه المبذرين بإخوان الشياطين ذلك أنه: ﴿ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورً[6]. لكون المبذر كافر بالنعمة كما أن الشيطان كفر بالنعمة في الملكوت الأعلى.

3- ربما يستدل البعض بما ورد في تفسير العياشي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله: ﴿...وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرً[7] قال: "من أنفق شيئاً في غير طاعة الله فهو مبذر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد".[8] على أن الإنفاق في طاعة الله ليس تبذيراً ولكن الحقيقة أن الآيات جاءت لتقول إن المطلوب حتى في الإنفاق في الطاعة أن يكون بعدل أي بلا إفراط ولا تفريط. ويشهد لذلك ما جاء عن أبي بصير عنه (عليه السلام) في الآية قال: "بذل الرجل ماله ويقعد ليس له مال، قال: فيكون تبذير في حلال؟ قال: نعم".[9]

فالإنفاق إذا تجاوز الحد المقرر بحيث يستهلك قدرة الإنسان وطاقته ويستنفذ وسعه فإنه يؤدي إلى أذى نفسي من ظواهره الأسى واللوم والحزن المتولد من عدم إيجاد ما يسد به حاجة  ممن يأتي لاحقا من ذوي الحاجة وهذا ما يجعله يشعر بالضعف عن القدرة على أداء ما يعتبره واجباً بحقه ومن مسؤولياته وقد يدفعه إلى أن ينعزل في فترة عدم إيجاده ما ينفق.

ومما يشير إلى هذه الحالة أنه قد ورد أن سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورً.[10] في الكافي عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: علم الله عز اسمه نبيه كيف ينفق؟ وذلك أنه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن يبيت عنده فتصدق بها فأصبح وليس عنده شيء فجاء من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه فلامه السائل واغتم هو حينما لم يكن عنده شيء وكان رحيماً رفيقاً فأدب الله عز وجل نبيه بأمره فقال: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورً. يقول: "إن الناس قد يسألونك ولا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال قد كنت حسرت من المال"[11].
 
4- ما العمل عندما لا يكون لدينا ما نعطيه للمحتاجين؟
من الطبيعي أن الإنسان أحياناً قد لا يكون لديه ما يسد به حاجة المحتاج ويستجيب فيه لمسألة السائل فالقرآن في الآيات السابقة يأتي ليوجه إلى طريقة التصرف في هذه الحالة وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورً.[12]

فالمقصود هو الإعراض عمن سأله (صلى الله عليه وآله) شيئاً من المال ليسد به خلته دون غيره من أنواع الإعراض، بل هو الإعراض عندما لا يكون عنده شيء من المال ليبذله للمسكين وابن السبيل وذي القربى، مع عدم اليأس من إمكان تحصيل المال، فيصبح المعنى إن كنت تعرض عنهم لفقدك المال غير آيس من حصوله وتطلب رحمة الله لتسدّ بها ما تقضي به الحاجات من الرزق فقل لهم قولاً ليناً سهلاً نظير قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ.[13]
وربما يكون المعنى هو أن يعدهم وعداً جميلاً رحمة لهم تطييباً لهم بالاتكال على رحمة الله تعالى ابتغاء رحمته التي ترجوها برحمتك لهم. ولا تقل لهم ما يؤيسهم من إمكان قضاء حوائجهم. ولعله من القول اللين الدعاء للمحتاج والدعاء من الله بتجدد القدرة على قضاء الحاجة.
 
خاتمة:
إن الآيات أتت لتقول إن على الإنسان أن يكون حكيماً في الإنفاق فلا يتجاوز به الإعتدال فالحاكم هو العدل في النفقة فلا إسراف ولا تبذير ولا بخل ولا تقتير، حتى ولو كنا ننفق في وجوه البر وفي الطاعات وفي هذا رسالة إلى من كان في المواقع والمسؤوليات العامة، فالأمانة تقتضي العدل فيه لا الإحسان إذ بالعدل تحفظ الحقوق وأما الإحسان فقد يؤدي أحياناً إلى القصور عن أداء الواجبات، الذي ربما قد يكون تقصيراً لأن مقدماته جانبت الحكمة والعدل.
 


[1] سورة الإسراء، الآيات: 28-29-30.
[2] سورة الإسراء، الآية: 26.
[3] النص والاجتهاد، السيد شرف الدين، هامش ص:67
[4] سورة الإسراء، الآية:26.
[5] سورة الإسراء، الآية:27.
[6] سورة الإسراء، مقطع من الآية:27.
[7] سورة الإسراء، مقطع من الآية:26.
[8] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج72،ص:302.
[9] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج1، ص:246.
[10] سورة الإسراء، الآية:29.
[11] الكافي،الكليني،ج5،ص:68.
[12] سورة الإسراء، الآية:28.
[13] سورة الضحى، الآية:10.

03-03-2016 | 16-12 د | 1478 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net