الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
«يا لَيتَنا كُنّا مَعهُم»وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَمراقبات

العدد 1636 28 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 02 تشرين الأول 2024 م

والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ

البصيرةمراقباتوَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

العدد 1635 21 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 25 أيلول 2024 م

أثر التوحيد في مواجهة البلاء - السيدة زينب (عليها السلام) نموذجاً-

العدد 1634 14 ربيع الأول 1446 هـ - الموافق 18 أيلول 2024 م

طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّه

المصلحة الإلزاميّة للأمّة هي في الوحدة الإسلاميّة
من نحن

 
 

 

التصنيفات
آثار العبودية لله عز وجل
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

لقد ذكر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) للإنسان الكثير من المواهب والاستعدادات والقابليات الغريبة والعجيبة والمحيّرة، كما أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن أنّ الطريق الصحيح لكسب المعارف العميقة والبعيدة الغور والإصغاء لنداء الحق وكسب الكمالات الأُخرى يكمن في طريق واحد، وهو طريق العبودية للّه سبحانه.

وتوجد في الكتب الأخلاقية والعرفانية جملة معروفة، التي وللأسف غالباً ما تفسر تفسيراً غير صحيح ـ وهي: «اَلْعُبُودِيَّةُ جَوْهَرَهٌ كُنْهُهَا الرُّبُوبِيَّةُ».

وليس المقصود من الربوبية هنا الإلوهية، لأنّ الإنسان الممكن يستحيل عليه أن يتجاوز حدود الإمكان، بل المقصود منها: التوجّه إلى اللّه وكسب الكمالات والقدرات والطاقات العليا والسامية، ونحن هنا نشير إلى الآثار البنّاءة والعجيبة والمحيّرة النابعة من طي طريق العبودية للّه سبحانه وسلوك الصراط المستقيم استناداً إلى الآيات القرآنية، والتي منها هيمنة الإنسان وسيطرته على نفسه وروحه وبدنه والعالم:

1. الهيمنة على النفس:
إنّ النتيجة والثمرة الأُولى للعبودية هي هيمنة الإنسان على الرغبات والميول والنزعات النفسانية، ثم السيطرة على «النفس الأمّارة» وتقييدها وولاية الروح الإنسانية على النفس بحيث يصل الإنسان إلى درجة قصوى من الكمال الروحي يتمكّن من خلاله الإمساك بزمام «النفس الأمّارة» وكبح جماحها،بحيث يكون اختيارها بيده، وانّ هذه المرحلة من مراحل الكمال الإنساني يطلق عليها مصطلح «الولاية على النفس».

ولقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذه المرحلة من مراحل التكامل البشري حيث قال سبحانه: (...إنّ الصَّلوةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ...) [1].

بمعنى أنّ الصلاة تخلق في الإنسان ظاهرة وحالة يمكن للمصلّي من خلالها الابتعاد عن الذنوب والمعاصي.

كذلك يقول سبحانه: (...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتَبِ عَلىَ الّذين مِنْ قَبْلِكُم لَعّلكُم تَتَّقُونَ)[2].

إنّ الصيام نوع من العبودية والطاعة للذات الإلهية المقدّسة والذي يخلق في الإنسان ملكة التقوى والسيطرة والهيمنة على النفس والإمساك بزمامها، وحفظ النفس من السقوط في مهاوي الذنوب والخطايا، ثمّ الولاية على النفس والتغلّب على الهوى وخفّة العقل.

2. البصيرة الخاصة:
من ثمار العبودية للّه سبحانه أن يكتسب الإنسان ـ و في ظل الصفاء الروحي والنور الإلهي ـ رؤية وبصيرة خاصة، يميّز من خلالها الحق عن الباطل وتجنّبه السقوط في المعاصي والذنوب والانحراف.

يقول سبحانه: ( يا أَيُّها الّذِينَ امَنُو إِنْ تَتَّقُوا اللّه يَجعَلْ لَكُمْ فْرقاناً... )[3].

إنّ المراد من (الفرقان) هو هذه البصيرة الخاصة والرؤية النافذة التي تجعل الإنسان يعرف الحق والباطل معرفة جيدة، وفي آية أُخرى يقول سبحانه: ( وَالذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا... )[4].

3. السيطرة على الأفكار المتشتّتة:
من الآمال التي يحلم بها الإنسان هو أن يتمكّن في أثناء أدائه للطقوس العبادية من السيطرة على قواه العقلية وتركيزها في مركز واحد، وهو الالتفات للّه تعالى وطرد ما سواه عن دائرة الفكر والذهن. إنّ الذين يفتقدون الحضور القلبي في أثناء العبادة وتسرح أفكارهم يميناً وشمالاً هؤلاء وبلا ريب تنقصهم الولاية والسيطرة على أفكارهم المتشتّتة والناتجة عن القوّة الخيالية، ولذلك تجدهم يقومون بأداء الصلاة وأفكارهم سارحة في حقول أُخرى وأرواحهم طائرة إلى أماكن بعيدة ومحاور أُخرى غير المحور الذي ينبغي التوجّه إليه، ولذلك تتحوّل أبدانهم أثناء الصلاة إلى مجرد هياكل مادية تتحرك حركات رياضية لا غير. وأمّا السائرون على طريق العبودية والباحثون عن الحقيقة، فإنّهم مهيمنون على كلّ أفكارهم وأحاسيسهم ومشاعرهم من خلال القدرة التكاملية التي حصلوا عليها في ظل العبودية للّه، كذلك هم مسلّطون على قواهم التخيّلية التي لا تستقر في مكان واحد وكأنّها كالطير الذي ينتقل من غصن إلى غصن ومن شجرة إلى شجرة. وانّ زمام تلك القوى بأيديهم وتحت إرادتهم ولذلك تجدهم في أثناء العبادة يتحلّون بدرجة من التمركز الفكري والحضور القلبي إلى درجة لا يغفلون عن اللّه سبحانه طرفة عين ويغرقون في الجمال والكمال الإلهي، حتّى يصلون إلى درجة من الفناء في الذات الإلهية بحيث يُسلّ النصل من بدنهم، أو يسقط ابن عزيز لهم من شاهق ولم يشعروا بألم النصل أو بصراخ النساء والأطفال واستغاثتهم لسقوط الطفل إلاّ بعد الفراغ من الصلاة [5].

يقول الشيخ الرئيس ابن سينا: والعبادة عند العارف رياضة ما لهممه وقوى نفسه المتوهّمة والمتخيّلة ليجرّها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق، فتصير مسالمة للسرّ الباطن حينما يستجلى الحق لا ينازعه، فيخلص السرّ إلى الشروق الساطع، ويصير ذلك ملكة مستقرة، كلّما شاء السر أطلع إلى نور الحقّ غير مزاحم من الهمم، بل مع تشييع منها له فيكون بكلّيّته منخرطاً في تلك القدس[6].

4. خلع لباس البدن عن الروح:
إنّ العلاقة بين الروح والبدن في عالم الطبيعة علاقة وثيقة ومبرمة فكلّ منهما محتاج إلى الآخر، فمن جهة نجد أنّ الروح لها «علاقة تدبيرية» بالنسبة إلى البدن تحفظه من الفساد والخراب والتفسّخ وتحافظ على حيويته، ولكنّها من جهة أُخرى محتاجة إلى البدن في القيام بفعاليتها الخاصة، فالروح في الواقع تسمع وترى وتتحرك و... بواسطة أعضاء البدن المادية كالأُذن والعين والرجل و....

ولكن مع ذلك كلّه نرى تارة أُخرى أنّ الروح تصل إلى درجة من الكمال والقدرة من خلال الطاعات والعبادات والارتباط بالحق تعالى، إلى درجة تستغني عن الحاجة إلى البدن حتّى يكون بإمكانها أن تنزع رداء البدن.

ولا ريب أنّه من الصعب والعسير جداً تصوّر ذلك الأمر وخاصة بالنسبة إلى الشباب الذين ينظرون إلى الأُمور نظرة مادية، ولكن ذلك لا يعسر على الباحثين عن الحق، إذ بإمكانهم متى شاءوا خلعوا رداء البدن المادي.

5. التصرّف في البدن
إنّ العبودية تمنح الإنسان قدرة عجيبة جداً إلى درجة تخضع البدن لإرادة وقدرة الروح وهيمنتها،ولذلك نجد الإنسان يقوم بأعمال خارقة للعادة، سواء في إطار بدنه الخاص أو بالنسبة إلى الآخرين.

ولقد أشار الإمام الصادق(عليه السلام) إلى هذا المعنى في الرواية التي رواها الحرّ العاملي في «وسائل الشيعة» حيث قال(عليه السلام): «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة» [7].

6. التصرّف في العالم
لا تنحصر ثمار العبادة والخضوع للّه سبحانه وتعالى في الهيمنة على البدن وإخضاعه لإرادة الإنسان، بل تمتدّ إلى عالم الطبيعة حيث يخضع ذلك العالم ـ و بإذن اللّه سبحانه ـ لإرادة الإنسان وقدراته الكمالية التي اكتسبها في ظل التقرّب إلى اللّه والاتّصال به والعبودية له. ولذلك يتمكّن الإنسان من القيام بسلسلة من المعجزات والكرامات والأُمور الخارقة للعادة، وفي الواقع يمتلك قدرة التصرف والتسلط على الأُمور التكوينية.

ويرشدنا إلى هذه الحقيقة الناصعة والقدرة العجيبة مطالعة الآيات التي تحدّثت عن العديد من أنبياء اللّه تعالى مثل: يوسف، داود، سليمان و... والأعمال العجيبة التي قاموا بها، ممّا يوضح لنا بجلاء انّ التصرّف في عالم التكوين ليس بالأمر المشكل والمعقّد بحيث نشك في قدرة أولياء اللّه الصالحين على القيام به [8].

* آية الله الشيخ جعفر السبحاني – بتصرف يسير


[1] العنكبوت: 45.
[2] البقرة: 183.
[3] الأنفال: 29.
[4] العنكبوت: 69.
[5] إشارة إلى ما حدث بالنسبة إلى أمير المؤمنين وحفيده السجاد (عليهما السلام) .
[6] الإشارات:2/370، النمط التاسع، تحت عنوان «تنبيه» .
[7] وسائل الشيعة:1/38; والكافي:2/68 الحديث 4.
[8] منشور جاويد:5/172ـ 177.

15-06-2016 | 12-43 د | 2043 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net