الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
أبعاد القيادة الإسلامية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

القيادة الإسلامية لها أبعاد وجوانب عديدة ترجع في البداية إلى بعدين أساسيّين:
1 ـ القيادة الروحيّة المعنوية.
2 ـ القيادة الجسدية المادّية.


وتعني الاُولى حكومة القائد الإسلامي على قلوب الناس وأرواحهم وعقولهم، فيهديهم إلى العقائد السليمة الصحيحة ويسوقهم إلى الأخلاق الحميدة ويقودهم إلى مكارم الفضائل وتهذيب القلوب وتزكية النفوس.

والثانية ترمز إلى إدارة شؤون حياة الناس المعاشية وتمشية أوضاعهم الدنيوية وسيادة العدالة الاجتماعية، وتتشعّب إلى القيادة السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وغير ذلك.

ومن الاُسس الأوّلية في مفاهيم الإسلام ومعارفه أنّه (من لا معاش له لا معاد له) ولا بدّ للمسلم الواعي من مراعاة جوانب حياته المعنوية والمادّية معاً على حدٍّ سواء (رَبَّنا آتِنا في الدُّنْيا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً)[1]، فإنّ الإسلام ذلك الدين القيّم والشريعة السماوية السمحاء كما يأخذ بيد الإنسان في العبادات والروحانيات والأخلاق الفاضلة، كذلك يأخذ بيده في الماديات والجسمانيات والملاذّ والشهوات من دون إفراط وتفريط بل خير الاُمور أوسطها (وَجَعَلـْناكُمْ اُمَّةً وَسَطاً)[2]، وإنّ الهدف والمقصود وسرّ الخلقيّة وفلسفة الحياة هو تكميل الإنسان وعروجه إلى قاب قوسين أو أدنى، ودرك علّة وجوده من خلافته لله سبحانه في أرضه، كما ورد في الآيات والروايات [3].

والقائد الإسلامي إنّما عليه إدارة الناس بحزم وتدبير ناجح كما كان النبيّ الأكرم والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، وكما قال (صلى الله عليه وآله): «اُمرت بمداراة الناس ».

واُولى الخصائص وجذورها الأوّلية في القيادة الإسلامية وولاية الأمر هي أن تكون بيد العالم الفقيه لا الجاهل السفيه، فإنّ شرعيّتها من حكومة الله سبحانه ومن شرعيّة حكومة الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام). فإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّهم اُمناء الرسل وقادة الناس كما ورد في الأخبار.

ثقة الإسلام الكليني بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنّ العلماء ورثة الأنبياء، وذاك أنّ الأنبياء، لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنّما اُورثوا أحاديث من أحاديثهم، فمن أخذ بشيء منها فقد أخذ حظاً وافراً، فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه؟ فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلق عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

وقال (عليه السلام): العلماء اُمناء.

وقال (عليه السلام): العلماء منار[4].

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): ألا اُخبركم بالفقيه حقّ الفقيه؟ من لم يقنّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يرخّص لهم في معاصي الله، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره. ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفكّر[5].

لقد أعطى الأمير (عليه السلام) الخطوط الأوّليّة لمن كان فقيهاً حقّ الفقيه، وقد رسم الوظائف الأساسيّة للقائد الإسلامي، فإنّ الفقيه القائد إنّما يهدف ويفكّر في سلامة المجتمع وصيانته من الانحراف والانحطاط والاعوجاج، وكلّ همّه إنّما هو ترويج الدين الحنيف ونشر المعارف والفضائل، فلا يرخّص الناس في أن يعصوا الله سبحانه، وإنّما ينهج مناهج القرآن الكريم ويطبّق تعاليمه وأحكامه القدسية، ولا يميل إلى القوانين الوضعيّة، وإنّما يجعل الناس دائماً بين الخوف والرجاء.
فإذا صلح العالِم صلح العالَم، وإنّ الناس على دين ملوكهم، فمن يملك زمام أمرهم لو كان صالحاً فإنّه بلا ريب ينشر الصلاح في المجتمع، وإذا كان القائد وقمّة الحكومة ورأس الشكل الهرمي للدولة من أهل الخير والإحسان، فإنّه يؤثّر في صلاح وإصلاح الجهاز الحكومي في كلّ أبعاده.

وإذا كان ربّ البيت في الدفّ ناقراً، فشيمة أهل الدار كلّهم الرقص.

فالأساس والعمدة أن يتولّى الأمر من كان عالماً صالحاً، وفقيهاً ورعاً، ومديراً مدبّراً، عارفاً بأهل زمانه واقفاً على رموز الحياة والسياسات الدولية والعالمية والداخليّة، يداري الناس بالتي هي أحسن، ويفكّر في معادهم ومعاشهم ويقودهم إلى شاطئ السعادة والهناء والعيش الرغيد.

والعالم الفقيه المتصدّي للأمر إنّما يمثّل النبيّ في زمانه، فإنّه وريث الأنبياء والأوصياء، وإن كان « كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته» إلاّ أ نّه هو راعي الحياة والرعاة والدعاة.

والعلماء ورثة الأنبياء، والوراثة لها أصناف مختلفة، فتارةً تعني الوراثة المالية، والعالم لا يرث النبيّ في ماله كما ينصّ على ذلك الخبر الشريف، وإنّما يرثه في المال من كان رحمه طبقاً لأحكام الإرث في كتاب الله والسنّة الشريفة، إنّما العالم يرثه في علومه وأحاديثه فمن أخذ شيئاً من العلوم إنّما أخذ بحظٍّ وافر.

كما يرث العلماء الأنبياء في أخلاقهم السامية وسلوكهم الرفيع، من حبّ المساكين وحسن الخلق والحلم والصبر وتحمّل المشاكل والمصاعب من أجل أداء الرسالة.

كما يرثونهم في الهداية وتبليغ الرسالة، وتعليم الناس وتزكيتهم، وإنذارهم وتبشيرهم، ودعوتهم إلى عبادة الله والإخلاص في العمل والخوف من يوم المعاد.

ويرثونهم في الجهاد والعمل الدؤوب، ومحاربة الجهل والظلم واتّباع الشياطين من الطغاة والجبابرة، وليقوموا بين الناس بالقسط، ولا تأخذهم في الله لومة لائم.

كما يرثونهم في القيادة والحكومة، فإنّ النبوّة رئاسة عامّة في الدين والدنيا، وإنّ الدين نظام ودولة، عبادة وسياسة، فسياستنا ديننا وديننا سياستنا، لا انفصال ولا انفصام بينهما.

والعلماء قادة المجتمع بعد الأنبياء والأوصياء، وبيدهم زمام الاُمور ومقاليد الحكم وسياسة البلاد، وبإشرافهم إدارة الحكومات والسلطات التقنينية والتنفيذية والقضائية.

وينتخبون من بين صلحائهم وليّاً وقائداً، يكون القرار الأخير لإدارة البلاد بيده، ونبغي في هذه العجالة أن نستنبط ونستخرج أهمّ خصائصه ومميّزاته من الآيات القرآنية الشريفة ـ وإن كانت هذه الخصائص تعمّ كلّ العلماء والمبلّغين الرساليين فهي خصائص الأنبياء والرسل، إلاّ أنّ القائد لا بدّ أن يتحلّى بها أكثر من غيره، فهو أولى وأحقّ بها كما لا يخفى ـ ثمّ المقصود بيان ما يتعلّق بالموضوع على نحو الإجمال وفتح آفاق جديدة لمن أراد الغور والتحقيق في مثل هذا الموضوع القيّم، ذي الأهميّة البالغة في عصرنا الراهن، عصر الصحوة الإسلامية والرجوع إلى حكومة القرآن وتطبيق أحكامه ومعارفه في البلاد الإسلامية، ومجامع المسلمين في كلّ ربوع الأرض، فكلّ واحد من المسلمين قد أحسّ بضرورة حكومة العدل الإسلامي المتمثّل بالقرآن الكريم وأهله، وأنّه لا بديل للحكومات المتسلّطة على رقابهم بالبطش والقوّة والتزوير سوى الإسلام الحنيف، ذلك الدين القيّم.

ومن ثمّ كلّ واحد منهم يربو ويتطلّع إلى بحث قرآني، لعلّه يجد ضالّته وينال بغيته، فيقرأ بكلّ شغف وسرور، ويتابع أخبار القرآن الذي لا يأتيه الباطل، وإنّه يهدي للتي هي أقوم، وإنّه غضّ جديد لا يُبلى، وإنّه يتماشى مع كلّ عصر ومصر، ويواكب الحضارات البشرية، والتمدّن والتقدّم بل ويزيد، وتظهر كنوزه ومعادنه العلمية والاجتماعية والثقافية، وتبيان لكلّ شيء، فما من رطب ولا يابس إلاّ في كتاب مبين، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتّقين، وبشرى للمؤمنين، وما يزيد الظالمين إلاّ خساراً.

* آية الله السيد عادل العلوي


[1] طبع موجز هذا الموضوع في مجلّة (نور الإسلام) الصادرة في بيروت، العدد 41 و 42، سنة 1414 هـ.
[2] سفينة البحار 3: 319.
[3] الأنبياء: 73.
[4] آل عمران: 164. الجمعة 2.
[5] آل عمران: 20.

19-07-2016 | 11-45 د | 2143 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net