الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
مقارنةٌ بين سَفَر الحجّ وسفر الحياة الطيّبة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

سفرٌ إلى بيت الله، وسفرٌ إلى لقاء الله
«.. كما يُلاقي ربَّه في الدّنيا (في حال الإحرام) بغير زِيـِّه وعادته، مغبرّاً، حاسرَ الرّأس، حافيَ القدمَين، فكذلك سيُلاقي ملائكةَ ربِّه بعد الموت، فينبغي أن يكون قصدُه عند ارتداء ثوبَي الإحرام تنظيف الرّوح من دَرَن المعاصي، ويعقد ثوبَي الإحرام بقصد التّوبة الصّحيحة..».

في هذه الآفاق المعنويّة السّامية كتبَ المقدّس البهاريّ الهمدانيّ في (تذكرة المتّقين) ما يلي:
في الميقات: عندما يصلُ الحاجّ إلى الميقات، ينزع ثيابَه في الظّاهر ويلبس ثوبَي الإحرام، وأمّا في الباطن فينبغي أن يكون قصدُه أنّه خلعَ عن نفسِه ثيابَ المعصية والكفر والرّياء والنّفاق، ولبسَ ثوبَ الطّاعة والعبوديّة، ويتنبّه كذلك إلى أنّه كما يلاقي ربّه في الدّنيا (في حال الإحرام) بغير زيّه وعادته، مغبرّاً، حاسر الرّأس، حافيَ القدَمين، فكذلك سيُلاقي ملائكة ربّه بعد الموت، فينبغي أن يكون عند ارتداء ثوبَي الإحرام، بمنتهى الذُّلّ والانكسار، وقبل ارتداء ثوبَي الإحرام، أثناء التّنظيف وهو عارٍ، يجب أن يكون قصدُه تنظيف الرّوح من دَرَن المعاصي، ويعقد ثوبَي الإحرام بقصد التّوبة الصّحيحة، أي أن يحَرِّم على نفسه بعزمٍ وإرادةٍ صادقة، كلّ الأمور التي حرّمَها ربُّ العالمين، بحيث يقرّر أنّه من الآن فصاعداً، وبعد رجوعه من مكّة المعظّمة لن يطوفَ حولَ المعاصي.

وعندما يقول «لبّيك»، ينبغي أن يتنبّه إلى أنّ قوله هذا، إجابةٌ للنّداء الذي وُجِّه إليه، فينوي أوّلاً: قبلتُ كلَّ طاعةٍ لله تعالى. وثانياً: يعيش التّردّد بين قبول هذا العمل منه وعدم قبوله «فيكون بين الخوف والرّجاء».

لِيستحضر هنا قضيّة سيّد السّاجدين سلام الله عليه، حيث لم يتمكّن في الإحرام أن يقول: «لبّيك»، وأُغمي عليه، وعندما سُئل عن ذلك قال: «أخافُ أن يقولَ ربّي: لا لبّيك».

وَلْيستحضر بذلك يوم المحشر، حيث يخرج جميع النّاس على هذا الشّكل من قبورهم، شُعث الشّعور غُبر الوجوه، حفاة، في زحام لا نظيرَ له، بعضهم في زُمرة المقبولين، والبعض الآخر في زمرة المردودين، بعضٌ منعَّم، وبعضٌ معذَّب، وبعضٌ متحيّرٌ في الأمر، بعد أن كانوا جميعاً في الورطة الأولى في شكٍّ من أمرهم وترديد.

في الحَرَم:
وعندما يدخلُ الحَرَم يجب أن يكون حالُه حالَ الرّجاء والأمن من السّخط والغضب الإلهيّين، كحال المُذنب الذي وصلَ الى حصنٍ حَصين، والتجأَ الى ملجأ أمين. بمفاد الآية الشّريفة ﴿.. وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا.. آل عمران:97، فإنّ مكانَ زيادة الرّجاء والأمل هو هذا المكان.

ذلك لأنّ شرفَ البيت العظيم وصاحبَه يقتضيان توسعةَ الرّحمة على الرّاجي الكريم.

أنت هناك ضيفٌ خاصٌّ لأَكرم الأكرمين، كان يبحث عن مسوّغٍ ليدعوك ولو مرّةً واحدةً في العمر الى بيتِه، رغم أنّك كنت ضيفَه دائماً، والآن تيسّرَ ذلك، حاشا كرمَه وكلّا، أن يتبرّم بطلبك مهما طلبتَ منه، حيث إنّه يستطيع التّكرّم به. ما هكذا الظّنّ به جلّت عَظَمتُه.

مثل هذا الظّنّ ينبغي أن لا يُظنّ ببعض أسخياء العرب فضلاً عن الجواد المطلق.

أمّا اذا كنتَ أنت لا تستطيع الحصولَ على ما تريد، أو تحصل عليه ولا تستطيع المحافظة عليه، أو أنّك من الأصل لا تعرف ماذا يجب أن تطلب، أو تفعل شيئاً بحيث تكون أنت السّبب في عدم وجود المقتضي لعطائك، فليس الذّنبُ في ذلك ذنبَ أحدٍ [غيرك].

أكثر النّاس الّذين يتشرّفون بمكّة أعظمُ همِّهم أن يؤدّوا ظاهرَ هذه الأعمال، ويُلقوها عن ظهورهم على سبيل الاستعجال، وعند ذلك ينصرفون براحة بالٍ إلى المشتريات، ولا يبذلون جهداً ليتركّز الانتباهُ على التّفكير بمقدار ذرّةٍ على معنى هذه الأعمال.

الاستجداءُ لا ينسجمُ مع الكسل وموتِ الهمّة:

بلى، إنّ الخَلَلَ هنا!
أكثر النّاس الذين يتشرّفون بمكّة أعظمُ همّهم أن يؤدّوا ظاهرَ هذه الأعمال، ويُلقوها عن ظهورهم على سبيل الاستعجال، وعند ذلك ينصرفون براحة بالٍ إلى المشتريات، ولا يبذلون جهداً ليتركّز الانتباهُ على التّفكير بمقدار ذرّةٍ على معنى هذه الأعمال، مع أنّ كلّ حواسّ الضّيف يجب أن تكون متوجّهةً إلى المُضيف، حتّى أنّ الصّوم المستحبّ مذمومٌ بدون إذن المضيف (من النّاس) لأنّك عندما تكون ضيفَ شخصٍ وتصومُ في بيته دون إذنه فقد تجرّأت عليه في بيته، والتّجرّؤ على كرامة سلطان السّلاطين، هو الاشتغالُ بما نهى عنه.

أيّ حاجٍّ من الحجّاج الاعتياديّين، دخل إلى الحَرَم الإلهيّ ولم تصدر منه مائة معصية على الأقلّ من الكَذب، والغِيبة، وأذى الغير، والنّميمة، وتعطيل حقّ الغير، والفُحش للسّائق، والمُعرِّف (الحملدار) وغيره ممّا لا تتّسع الورقة لبيانه، والله أعلم.

الطّواف:
وعندما يبدأ الطّواف، يجب أن تستولي على جميع ذرّات وجوده الهَيبة، والعَظَمة، والخوف، والخشية، والرّجاء، وطلب العفو والرّحمة، واذا لم ترتجف الأعضاء الخارجيّة، فلا أقلّ من أن يرتجفَ القلب، مثل الملائكة الذين يطوفون دائماً حول العرش، كما في الأخبار، إذا أردتَ أن تتشبّه بهم.

يجب أن ينتبهَ إلى أنّ الطّواف ليس منحصراً بالطّواف الجسمانيّ، بل هناك طوافٌ آخر هو أصلُ الطّواف الحقيقيّ، وهو طوافُ القلب حول ذِكر ربِّ البيت، وإنّما هو أصلٌ لأنّ الأعمال الجسديّة جُعلت أمثلةً للأعمال القلبيّة، لينتقلَ الإنسانُ من تلك (الأعمال الجسديّة) إلى هذه (القلبيّة)، كما هو مضمونُ الرّواية.

وأيضاً يجب أن يعلم أنّه كما لا يُمكن الوصول إلى هذا البيت بدون قطع العلاقة بالأشغال الدّنيويّة، والمرأة، والولد وغير ذلك، فكذلك الأمر في الوصول إلى الكعبة الحقيقيّة. إنّ أساس الحُجب المانعة من الوصول إليها العُلقة: «علاقة القلب بالدّنيا».
ليس الطّواف منحصراً بالطّواف الجسمانيّ، بل هناك طوافٌ آخر هو أصلُ الطّواف الحقيقيّ، وهو طواف القلب حول ذِكر ربِّ البيت.

عند الحَجر والمُستَجار، والحَطيم:
عند تقبيل الحجر، والالتصاق بالمستجار، وعند استلام الحَطيم والتّشبّث بأذيال ستار الكعبة يجب أن يكون حالُه حالَ المُذنب الفارّ من خوف الأذى أو خوف أن يُكْوَى، أو يُقتل، فالتجأَ إلى عظيمٍ ليعفوَ عن ذنبه، ولذا فهو تارةً يُقبّل يدَيه ورجلَيه، وتارةً يلوذ به لياذَ العاجز الحقير، تارةً يبكي، تارةً يُقسم عليه بأعزّ الأشخاص عندَه، تارةً يتضرّع، لعلّه يُنقذه من هذه المهلكة، خاصّةً إذا كان مَن التجأ إليه مَن يعرف أنّه لن يجد ملجأً غيرَه، إنّه حين ذلك لا يفكّر بالخروج من عنده إلّا بعد أن يحصلَ على الأمرِ بالعفو عنه.

لا وربِّ الكعبة، إنّ الإنسان بالنّسبة إلى الأمور الدّنيويّة، كما تقدّم، أما بالنّسبة إلى عذاب الآخرة، فلأنّها دَيْن، وليست نقداً، فإنّه لا يفكّر بمثل هذه الأمور «من التّذلّل والالتجاء والتّضرّع».
الحجّاجُ الذين يكون حجَُّهم كاذباً، يركضون قليلاً حول الكعبة ثمّ يذهبون للتّفرّج على الحجارة والأسواق والجدران.

السّعي:
وعندما يأتي إلى السّعي يجب أن يكون سعيُه أن يجعلَ هذا السّعيَ بمنزلة التّردّد في بيتِ السّلطان برجاء عطائه ومَنِّه.

في عرفات:
وأمّا في عرفات، فليَتذكّر المحشر، من خلال ازدحام الخلق، وارتفاع أصواتِهم بأنواع التّضرُّع والنّحيب، والالتماس باختلاف الألسنة، وتوسُّلِ كلّ فئةٍ منهم بأئمّتهم طلباً للشّفاعة.

فَلْيَبذل جهدَه في كمال التّضرُّع والإلحاح هنا [في عرفات] حتّى لا يُبتلى هناك [في المحشر]، ولْيـَقْوَ ظنُّه كثيراً بحصول مراده، لأنّ يوم الموقف الشّريف عظيم، والنّفوسَ مجتمعة، والقلوبَ منقطعةٌ إلى الله، وأيدي الأولياء وغيرهم ممتدّةٌ إلى الله جلَّ شأنُه، والرّقابَ مشرئبّةٌ نحوه. العيون باكيةٌ من خوفه، والمفاصل مرتجفةٌ من هيبتِه، واليوم يومُ إحسان، والأبدال والأوتاد في المحضَر حاضرون، وقد قرّر السّلطان العفوَ والإنعام، وهو أيضاً يومُ تقليدِ الوسام لرئيس وزراء الدّولة العتيدة عجّل الله تعالى فرجَه الشّريف.

في مثل هذا اليوم لا يُستبعَد حصولُ الفيض بأعلى مدارجِه لجميع النّاس والخلائق.

هل تظنّ أنّ خالقَك سيضيّع سعيَك مع أنّك انقطعتَ عن الأهل والأولاد؟! ألا يرحمُ غربتَك؟!

ما هكذا الظّنُّ به ولا المعروفُ من فضلِه.

ومن هنا ورد في الحديث: إنّ من أعظم الذّنوب أن يحضر أَحدٌ عرفات ويظنّ أنّه لا يُغفَرُ له، أللّهمّ ارزقنا.

الإفاضة من عرفات:
وعندما يُفيض من عرفات، ويتوجّه إلى الحَرَم، فَلينتبه إلى أنّ هذا الإذن الثّاني بدخول الحرم سببٌ للتّفاؤل بقبول حجّه، وقُربِه من ربّه، وأمنِه من العذاب الإلهيّ.

وعندما يصل إلى مِنى فليَرمِ الجمار (الحَصَيَات) ملتفتاً إلى أنّ روح هذا العمل في الباطن إبعادُ الشّيطان، فإنْ كان كالخليل فكَالخليل وإلّا فلا. [فإن كان مُوحِّداً كالخليل عليه السّلام، فليتصرّف مثله، ليكون قريباً من الله تعالى، وإلّا فلا].

وَداعُ الحَرَم:
وعندما يودّعُ الحَرَم يجب أن يكون في مُنتَهى التّضرُّع، مشوّشَ الحال، بحيث إنّ كلّ من رآه أدركَ أنّه مثل مَن يتركُ شخصاً عزيزاً، ويرحل عنه، مثل تَرْكِ إبراهيم إسماعيل وهاجر عليهما السّلام.

ويكون قراره أنّه سيرجع في أوّل أزمنةِ التّمكّن من الرّجوع إلى هذا المكان الشّريف.

ويجب أن يكون متوجّهاً إلى المضيف «سبحانه» في كلّ حال، حذراً من أن يودعّه بما ينافي الأدب فيصبح المضيف لا يرضى برجوع هذا الضّيف إلى بيته أبدَ الآبدين، ورغم أنّ هذا المضيف، جَلَّ جلالُه، سريعُ الرّضا، إلّا أنّ على الضّيف مراعاة الأدب إلى أقصى الحدود.

إذا استطاع، فليَحرص بمقدار وُسعه على الذّهاب إلى البقاع التي تعبّدَ فيها رسولُ الله صلّى الله عليه وآله، مثل جبال مكّة المظلمة، يذهب إليها بقصد التّشرّف بمحلّ أقدامه المباركة، لا بقصد التّفرُّج، بل يصلّي فيها ركعتَين بقصد القُربة المطلقة، بل يبقى فيها إذا تمكّن مدّةً أطول من المتعارف، وإذا كان حجُّه هو الأوّل، فلا يترك الدّخولَ إلى الكعبة بالآداب المأثورة في الشّرع المطهَّر، كما ذُكِرَ في محلّه.

المستجار والحطيم:
المستجار المكان المقابل لظَهر باب الكعبة، من الجهة الأخرى، وهو المكان الذي كان في السّابق باب الكعبة قبل تجديد البناء، على ما قيل، أو هو المكان الذي استجارت عنده بالبيت فاطمة بنت أسد أمّ أمير المؤمنين عليه السّلام عند ولادته في الكعبة.

الحطيم بين باب الكعبة والحجر الأسود، أو ما بين الرّكن وزمزم والمقام، وسُمِّيَ بذلك لأنّ النّاس يُظهرون الانكسار والتّواضع هناك، ويلوذون بالدّعاء بخضوعٍ وخشوع؛ وفي الجاهليّة كان مكاناً للقَسم. وحطم بمعنى كَسَر، وقيل: سُمّيَ بذلك لازدحام النّاس عنده يحطمُ بعضُهم بعضاً، أو لأنّه يحطم الذّنوب. وفي بعض الرّوايات أنّه أشرف البقاع، وبعده في الفضل قرب مقام إبراهيم ثمّ حِجر إسماعيل عليهما السّلام.


الفقيه العارف الشّيخ محمّد البهاريّ الهمدانيّ

01-09-2016 | 15-34 د | 1420 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net