إن سفر الرؤيا رؤيا يوحنا اللاهوتي هو السفر النبوي الوحيد في العهد الجديد، وهو سفر يتحدث عن مستقبل الإنسان في هذا الكون، وعن حكومة آخر الزمان، وأشراط الساعة، وبعبارة موجزة: هو رحلة روحية تتحدث عن بعثة نبي الإسلام’ وما يحصل معه من أحداث إلى آخر الدنيا، عبر تجل وحالة كشف وشهود روحي حصلت لدى كاتب السفر بعد ارتفاع السيد المسيح عليه السلام بزمان غير معلوم.
ورغم أهمية هذا السفر
وخطورته، إلا أن الكنيسة المسيحية أهملته، إلى حد أنه يبدو للناظر أنه ليس من
الكتاب المقدس إلا بحسب الصورة، فلم تعمل على دراسته وتحليل مضامينه، تارة بحجة
صعوبة فهمه، وأخرى بحجة اعتماده لغة الرموز والإشارات، من دون بيان المراد من هذه
الرموز لا في داخل السفر ولا في خارجه، وكثيرا ما نجد في توصيفاتهم له عبارات نابية
ومهينة بحقه، مع أن من الأوليات في المسيحية أن وظيفة الكنيسة فك الرموز وبيان
مراداتها، وإيصالها إلى الجمهور واضحة وسلسة، وإلا فقدت الكنيسة معناها ومستند
وجودها.
والظاهر أن السبب الرئيسي الكامن وراء هذا الإهمال هو تخلي الكنيسة عن الإعتقاد
بعودة المسيح عليه السلام ليحكم العالم، ويقيم دولة العدل في آخر الزمان، بعدما كان
ذلك هو ما تعتقده الكنيسة الأولى، الأمر الذي يستلزم، في حال تفسيره والبحث فيه،
ضرورة البحث عن المصداق الواقعي لهذه الأحداث، وهو بمثابة التخلي عن المسيحية وقبول
الإسلام، وهذا ما تأنفه نفوسهم وتأباه قلوبهم.
وكيف كان، فقد ورد فيه قول الكاتب: "ورأيت فإذا وسط العرش الحيوانات الأربعة في وسط
الشيوخ خروف قائم كأنه مذبوح له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة
إلى كل الأرض، فأتى وأخذ السفر من يمين الجالس على العرش، ولما أخذ السفر خرت
الأربعة الحيوانات والأربعة والعشرون شيخا أمام الخروف ولهم كل واحد قيثارات وجامات
من ذهب مملوءة بخورا هي صلوات القديسين وهم يرنمون ترنيمة جديدة قائلين مستحق أنت
أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بذلك من كل قبيلة ولسان وشعب
وأمة، وجعلتنا لإلهنا ملوكا وكهنة، فسنملك على الأرض[1]".
ولا بد من الإشارة قبل كل شيء إلى أن صور الحيوانات ليست نقيصة ولا ذما في مفهوم
أهل الكتاب، بل هي إشارات ورموز تكشف عن الكمالات التي يتمتع بها أصحاب هذه الصور
في ثقافتهم المستوحاة من الحضارات القديمة، وقد تعرضنا لبيان المراد منها في كتاب
"قراءة في سفر الرؤيا".
وما يهمنا في المقام هو بيان المراد من الخروف المذبوح، ولا خلاف بين المسيحيين في
أنه السيد المسيح عليه السلام .
إلا أن مضمون السفر عموما، وهذه الفقرة بالخصوص لا تساعد على ذلك، بل إن إرادته
عليه السلام منها تؤدي إلى التناقض في المضمون، وذلك بملاحظة الأمور التالية:
1- إن السيد المسيح عليه السلام كما يفترضه المسيحيون قد كان مرافقا للرائي في
رحلته تلك، ليدله ويهديه إلى ما سوف يراه، كما تدل عليه بداية السفر أنه شبه ابن
إنسان أخذه معه فهو غير الخروف المذبوح قطعا.
2- إن السيد المسيح عليه السلام قد أرسل إلى خصوص بني إسرائيل كما صرح به نفسه بحسب
الأناجيل الأربعة، وقد أمر تلاميذه أيضا بأن لا يتوجهوا بالوعظ إلى غير بني
إسرائيل، مما يدل على أنه قد صلب لو صح ذلـك فداء لبني إسرائيل وحدهم، وأما المذبوح
فقد اشترى جميع الأمم والألسنة والقبائل والشعوب، كما هو صريح النبوءة.
3- إن السيد المسيح عليه السلام قد صلب صلبا، حسب ما يزعمه المسيحيون، ولم يذبح،
بخلاف ما تتحدث عنه النبوءة، والفرق واضح بين الامرين.
4- قال رشاد فكري: "ومما تجدر ملاحظته أيضا أن كلمة (مذبوح) الواردة هنا تعني في
اللغة اليونانية (مذبوح للتضحية) فهو الذي مات باختياره[2]".
وهذا ما لا ينطبق على السيد المسيح عليه السلام الذي ظل يصلي طوال الليل، ويكتئب
ويتألم لكي يجيز الله عنه كأس الموت، ولما تم الصلب توجه إلى الله معاتبا وغاضبا،
قائلا: "إلهي إلهي لماذا تركتني" وقد صرحت بذلك الأناجيل الأربعة.
5- إن حادثة الرؤيا قد حصلت بعد ارتفاع السيد المسيح عليه السلام ، وهي صريحة في
ذلك حيث أن صاحب السفر إما أن يكون يوحنا بن زبدي حواري المسيح، أو رجل آخر دعي
بهذا الإسم. وأما قصة الرؤيا فإنها صريحة في بدايتها أن شبه ابن الإنسان قد قال
للرائي "اصعد إلى هنا فأريك ما لا بد أن يصير بعد هذا[3]"، أي أنه لم يكن قد حصل
الذبح بعد.
ولما لم يتحقق مثل هذا الذبح بعد السيد المسيح عليه السلام ، ولأجل كل الشعوب
والأمم، بحيث يستحق أن يكون سيد أشراط الساعة، سوى مع الإمام الحسين عليه السلام ،
دل ذلك على أنه هو المراد بهذه النبوءة، وأن سفر الرؤيا يشير إلى الذبيحة التي سوف
تقع على نهر الفرات كما هو ظاهر.
سماحة الشيخ حاتم إسماعيل
[1] سفر الرؤيا:
5-6/10
[2] شرح سفر الرؤيا، ص214.
[3] سفر الرؤيا: 1/13