الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
الحسين (ع) عنوان الفضيلة، ويزيد عنوان الرذيلة
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

الفضيلة محبوبة الجميع والرذيلة مكروة إلاّ لدى صاحبها،وإذا عدّت الفضائل فضيلة، فضيلة: من وفاء، وسخاء، وصدق، وصفاء، وشجاعة، وإباء، وعلم، وعبادة وعفة، وزهد، فحسين التاريخ رجل الفضيلة بجميع مظاهرها; كما أنّ معارضيه رجال الرذائل بكل معانيها لا يتناهون عن منكر فعلوه.

فأتت من أجل ذلك نهضة الحسين (عليه السلام) أُمثولة الحق والعدل، إذ بطل روايتها أقوى مثال للفضيلة، قد كانت حركة يزيد[1] أُمثولة الباطل والظلم، إذ بطل روايتها أقوى مثال للرذيلة والفجور. وما حربهما إلاّ تمثيلاً لصراع الحق والباطل. والحق مهما قلّ مساعده وذلّ ساعده في البداية فإن النصر والفخر حليفاه عند النهاية: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ}.
 
سلسلة عوامل النهضة:
ينمي مؤرخة الغرب معارضة بني أميه لبني علي (عليه السلام) إلى زمن أبعد مدىً مما اشتهر،والى قطيعة حدثت بين هاشم وشقيقه عبد شمس ولدي عبد مناف القرشي. وكانت المعارضة إذ ذاك بينهما فقط، ثم تفشت بعد مائة عام بين حزبين قويين: حزب التوحيد وعميده المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وحزب الشرك وأقطابه أبو سفيان وأبو جهل والحكم والوليدوخمسة عشر أخرون. وبقيت نار الجدال والقتال مستمرة بين الحزبين 19 عاماً حتى اذا جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً ودخل معهم هؤلاء طوعاً أو كرهاً، فخمدت تلك النار الموقدة إلاّ في الأفئدة بضعاً وثلاثين سنة حتى استثارها مروان في إمارة عثمان وأثار مع الحفائظ نيران الفتن والإحن.

وعميد الحزب الهاشمي علي (عليه السلام) رجل الحق وفي أنصاره المهاجرون وأبطال مصر والعراقين وشعارهم الحق، والفضيلة، وحفظ الحرمات، كما أقام الجانب المعارض أمره على دعائم الغدر، والمكر، وطلب الملك، والشهوات هم معاوية وزياد بن أبيه وعمرو بن العاص ومروان والمغيرة بن شعبة وأشباههم. فاستخدموا في سبيل الانتصار كل وسيلة وحيلة زهاء ربع قرن ملؤه الفجائع والفظايع حتى احتجب الحق وتوارى أهله، وفاز ابن أبي سفيان وأهلوه في كل منكر فعلوه حتى في إقامة الجمعة في غير يومها وحتى في استلحاق زياد واستخلاف يزيد[2] وحتى.. وحتى.. استنوقوا الجمل وظنوا موت الحق، ولكن الحق حي لا يموت. هناك دعى طغيان الغرور يزيد الجور والفجور أن يطالب أباه باقتران أُرينب «أم خالد» ربة الخدر والجمال وهي متبعلة بزوجها عبد الله.

قالوا: إنّ يزيد بن معاوية كان يتحرّى أخبار الفتيات الحسان فبلغه من وصف أُرينب بنت إسحاق القرشي وكمال جمالها ما استثار هواه وظلّ يترقّب فرصة إعلام أبيه برغبته اليها فيزوجها منه، فسمع يوماً بزواجها من ابن عمها عبد الله بن سلام فشق عليه ذلك وأبلغ أباه معاوية بما هو فيه وأنّه مشرف على الهلكة من خيبة الأمل، فأمره أبوه أن يكتم رغبته حتى يتمكن من استدراك ما فاته! ثم استدعى عبد الله بن سلام إلى الشام وأكرم ضيافته وأرسل إليه أبا هريرة ليرغبه إلى مصاهرة معاوية وتزويج أخت يزيد إياه، فرحب عبد الله برغبة معاوية ولبّى هذا الطلب بكل شكر وثناء، فرجع أبوهريرة بذلك إلى معاوية، فقال معاوية: سر يا أبا هريرة إلى ابنتي وأعلمها برغبتي إلى زواجها، فإنّ الإقدام على ما فيه رضاؤها أحوط وأقرب إلى رضا الله تعالى.

وكان معاوية قد بيّت الكلام مع ابنته وعلّمها الذي تقوله في الجواب. ولما أتاها أبو هريرة بمقالة أبيها معاوية وامتدح عندها عبد الله بن سلام أجابت بأنّها لا تأبى ما اختاروا لها لولا أنها تخشى وجود زوجته «اُرينب» فيدركها ما يدرك المرأة من ضرّتها ممّا يغضب الله ويغضب أباها، فخرج أبو هريرة إلى عبد الله بن سلام بالخبر واستقر رأيهم على طلاق اُرينب فطلقها عبد الله بن سلام طمعاً في مصاهرة معاوية وجلالة ملكه، وبعد ما توثق معاوية من طلاق اُرينب جهز اليها أبا هريره ليخبرها بأمر زوجها عبد الله وأن يزوجها من ابنه يزيد بما شاءت من صداق.

وظل ابن سلام يطالب معاوية بانجاز ما وعده ومعاوية يماطله، حتى سمع بأنّ مخطوبته تكره قبوله زاعمة أن الذي يطلق ابنة عمه التي فاقت أقرانها مالاً وجمالاً وكمالاً وشرفاً لا يصعب عليه أن يطلق الثانية يوماً ما. وشاعت مكيدة معاوية في الملأ وأنه يبغي وراء حرمان عبد الله بن سلام من زوجته أُرينب أن يزوجها من يزيد، وخرج ابن سلام من الشام غضبان أسِفاً.

أما أبو هريرة فمر بالحسين بن علي (عليه السلام) في طريقه فسلّم عليه فاحتفل به الحسين (عليه السلام) وسأله عما جاء به من الشام فقص عليه خبره فناشده الله أن يذكره عند اُرينب عسى أن ترضى بالحسين زوجاً لها، فقبل ذلك أبو هريرة وجاءاُرينب ؤاخبرها بما فعل زوجها عبد الله بن سلام.. بائنة فبكت اُرينب ولما هدأ روعها واسترجعت قال لها أبو هريرة: «إنّك لا تعدمين طلاباً خيراً من عبد الله بن سلام وقد رغب إلى زواجك يزيد بن معاوية والحسين بن علي (عليه السلام) وهما معروفان لديك بأحسن ما تبتغينه في الرجال، ويبذلان لك ما تشائين من الصداق» ثم لما عاودها على اختيار رأيها في الرجلين قالت: «إنّك خير من استشيره في الأمر فاختر لي» فقال أبو هريرة: «لا اختار فم أحد على فم قبّله رسول الله تضعين شفتيك في موضع شفتي رسول الله». قالت: «فلا اختار على الحسين بن علي أحداً وهو ريحانة النبي وسيد شباب أهل الجنة» فعقد عليها الحسين. ولما بلغ ذلك معاوية سخط سخطاً شديداً وقال:
أنعمي أُم خالد
رب ساع لقاعد[3]

 
حنق يزيد على الحسين بن علي حنقاً لا مزيد عليه، واستوهن الأمر عبد الله بن سلام وخف عليه حزنه وجاء إلى الحسين (عليه السلام) وطلب منه أن يسأل اُرينب رد أمانته التي أودعها لديها عندما سافر إلى الشام وهي خلاصة ما يملكه من دنياه. فجاء الحسين إلى اُرينب وقال لها: «إنّ زوجها عبد الله بن سلام يطالبها بوديعة أودعها لديها» فقالت: «صدق وها هي وديعته» وأخرجت بدراً مختومة، فدعا الحسين عبد الله وقال له: «ادخل عليها واستلم وديعتك من يدها كما استلمتها من يدك». فدخل عبد الله وبكى وبكت معه واستلم الودايع منها سالمة ثم قال لهما الحسين: «ارجعا إلى ما كنتما عليه فإنّي اشهد الله أنها طالقة وأنّي لم ألمسها وما أدخلتها في بيتي وتحت نكاحي إلاّ محافظة لها من يزيد ومن كيد أبيه، فخذ بيدها واذهبا حيث شئتما».

فبكيا من الوجد طويلاً وأرادت اُرينب أن تعيد إلى سيدها الحسين صداقها فوهبها الحسين قائلاً: «إن الذي أرجوه من الله تعالى خير لي من ذلك» ولم يسترجع منها شيئاً كرامة منه وإحساناً.

نعم دفعت سجية الفضيلة حسينها إلى صيانة عرض عبد الله من عدو الله بعد أن عرف من سجاياه هتك الحرمات، وعرف من سجايا أبيه تبديل آثار جدّه وتبديد مجده، وتذكر بعد ذلك سم أخيه وسب أبيه، ومافعلت هند بعمه، وأذى صخر لجدّه، وأنّ الذي أضمروه له ولأسرته ـ أو بالأحرى لأُمته ـ في مستقبل الزمن أسوء من ماضيه. كل هذه الذكريات دفعت حسين الشرف إبراز هذه المآثر التاريخية المتلألئة في سماء الفضائل.

لقد أثّرت عملية الحسين (عليه السلام) تأثيرها الحسن في نفوس بني الضاد رقاة الشرف ودعاة مكارم الأخلاق، كما أنها أثارت من يزيد أحقاداً خمد نارها أو كادت فوق ما ذكرته اندحار أبيه أمام جدال الحسن، وقتال أبيه، ومصرع عتبة وشيبة وحنظلة وسائر أشياخه، والذل الذي لحق جدّه يوم عرض نصرته لعلي (عليه السلام) ويوم عرض إسلامه للنبي (صلى الله عليه وآله) وعند استجارته بهما في المدينة.. فصمّم من فوره على الانتقام من حسين الفضيلة أشدّ الانتقام حينما أصبحت الأمور له متسقة والجماهير به مستوثقة وفيهم عبيد الله بن زياد إن لم يكن زياد.
  
السيد هبة الله الشهرستاني


[1]  طفحت مدونات التاريخ بمظالم يزيد وهتكه لحرمات الدين والحرمين في أيامه القصيرة، ويشترك معه ـ طبعاً ـ في الإثم كل من ساعده عليه أو ساعده على استخلافه، كالمغيرة بن شعبة الذي حمل معاوية على استخلاف يزيد وقصته معروفة، فصار أبوه لا يتريّث في ترشيحه للخلافة فولاه إمارة الحج مرتين بعد أن استتب له الأمر، وولاه الصائفة تارة وقيادة الجيش أخرى ـ والصائفة غزوة الروم، لأنّهم كانوا يغزون صيفاً، وصائفة القوم ميرتهم في الصيف ـ. كما وأخذ له البيعة من المسلمين في حياته طوعاً وكرهاً غير مبال بمن خالفوه وشنعوا عليه حتى مات معاوية سنة ستين ونادى يزيد بنفسه ملكاً على المسلمين وخليفة عن أسلافه.
وقد استمرت ولايته ثلاث سنوات تقريباً فكان عمله في السنة الأولى قتل الحسين ريحانة النبي (صلى الله عليه وآله) والبقية من آله ـ على الوجه المشروح في هذا الكتاب ـ وسبي ذراريه وعياله إلى الشام بأسوء من سبايا المشركين.
ولم تقف سوء نيّته عند هذا الحد حتى ثنى الفاجعة الأولى بالأخرى وتسمى «الحرة» فأخاف مدينة الرسول وجيرانه سنة 63 هـ لأجل إنكارهم عليه منكرات أعماله المخالفة للشريعة، وفي صحيح مسلم عنه (صلى الله عليه وآله): «من أخاف أهل المدينة أخافه الله وكانت عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» وأمر يزيد باباحة حرم النبي (صلى الله عليه وآله) لجيشه ثلاثة أيام فعبثوا بها سلباً ونهباً وقتلاً وبغياً. حتى قيل في سفك دمائها وهتك نسائها ما يقشعر منه الإنسان. فلم يبق بعدها بدري في العرب، وأخذ منهم بالقهر إقرارهم على أنّهم عبيده وإماؤه لا يملكون في جنب أوامره مالاً أو عرضاً أو رقبة، وقتل كل ممتنع عن هذه البيعة القاسية ما عدا علي بن الحسين (عليه السلام)، وختم سني إمرته بحصار الكعبة ورميها بالحجارة من المنجنيق المنصوب على جبل أبي قبيس، وباستباحة القتل في البلد الحرام وفي الشهر الحرام: أي محرم سنة أربعة وستين بفرض إرغام عبيدالله بن الزبير ـ المستجير هو من معه بالمسجد الحرام ـ ورمى الكعبة بالنار يوم السبت ثالث ربيع الأول فأحرق أستارها وسقفها وقرني كبش إسماعيل فيها، وبقيت النار مضطرمة أحد عشر يوماً، في أثناء ذلك كان هلاك يزيد في رابع عشر ربيع الأول الموافق لعاشر نوفمبر سنة 682 م.
[2]  قال الحسن البصري: «أربع خصال في معاوية لو لم تكن إلاّ واحدة منها لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه من بعده سكيراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابر، وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» وقتله حجراً وأصحاب حجر ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر» الكامل لابن الأثير.
[3]  النصائح الكافية ص97، وأم خالد كنت كنية اُرينب.

29-09-2016 | 11-03 د | 1281 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net