الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1613 14 شوال 1445 هـ - الموافق 23 نيسان 2024 م

غزوةُ أُحد يومُ بلاءٍ وتمحيص

خيرُ القلوبِللحرّيّة قيودٌ من القِيَممراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
واقعة كربلاء ودوافع يزيد الانتقامية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

لقد تستّر ابن هند والحزب الأموي في اخفاء غرضه تحت مخابيء السياسة المطلية بدهائهم، لكن من أخلاقهم ـ أمثال يزيد والوليد ـ كشفوا القناع بأفعالهم وأقوالهم عن كل ما أُجني وأُخفي على الملأ، فتجلى كالشمس أنّهم يبتغون التشفي والانتقام من محمّد وأهل بيته بكل معاني التشفي، إذ لم يسكت عن الحسين كما سكت عن ابن الزبير، وخالف في ذلك وصاية أبيه وبرنامجه ثم لم يسالم الحسين كما سالمه ولم يقنع بخروجه عن مناطق نفوذه وحدود سلطانه ـ كما اقترح عليه الحسين نفسه ـ ولم يجالدوا ابن النبي مجالدة عربي لعربي، بل ضيّقوا عليه سبل الحياة، ومنعوه من ورود الفرات، وحاصروه بنسائه وأطفاله في الفلاة، ومثَّلوا به وبصحبه بعد القتل شرّ مثلة، وجرّدوهم تاركين أشلاءهم عراة على العراء تسفي عليهم الرياح، وقطعوا رؤوسهم واداروا بها على فوق الرماح، وسبوا صبية الحسين ونساءه يطاف بهن في الآفاق وفي الأزقة والأسواق، موثقين بالحبال كالأغنام وحولهم طبول وأبواق، يضع أميرهم الرأس الشريف بين يديه وينكت برأس الخيزران ثناياه وشفتيه ويقول شامتاً: يا حبذا لونك يا حسين كحمرة الوردة في الخدين.. الخ

ويسبّون الحسين وأباه وأخاه سراً وجهراً، وينتحلون الأحاديث القادحة في عليّ وصحابته، ويهتكون حُرَم الله ورسوله وحُرُمات الدين، ويفعل يزيدهم طغياناً في مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) ما فعله فرعون، ويزيد يقتل أبناءهم ويستحيي نساءهم فراثت خيلهم في روضه النبي (صلى الله عليه وآله) واستباح عسكره المدينة ثلاثة أيام وافتضت بها اثنى عشر ألف عذراء، ولم تسلم حُرّة في واقعة الحرّة، إلاّ من لذن ببيت السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) وهنّ ستمائة من الهاشميات وغيرهن، فقد استثنى يزيد بيته وشخصه من الاضطهاد والاستعباد إذ أمر قائده أن يجدد مبايعة اليثاربة له على أنّهم عبيده إن شاء باعهم وإن شاء أعتقهم.
وروى الجاحظ: «إنّهم وسموا العباد، ووشموا الأجساد» ـ كما يفعل بالأنعام والكلاب ـ علامة انّهم خول لبني أمية، ورأوا أنس بن مالك ـ خادم رسول الله وصاحبه ـ وفي عنقه قلادة مختوم عليها بالرصاص علامة عبوديته لهم، وأحرقوا ستار الكعبة، ورموها بالمنجنيق، وقتلوا الطائفين والعاكفين، وسفكوا الدم الحرام، في البلد الحرام، وفي الشهر الحرام، وحولوا قبلة واسط الى الشام.

معاوية وتعقيباته:

ناصب معاوية وحزبه علياً وصحبه وكان ما كان من أيام البصرة وصفين والنهروان وعلي (عليه السلام) في كلّها غير مخذول، ولا يزداد معاوية إلا حقداً عليه وموجدة، وتعقب الضغائن إثر الضغائن، وكان معاوية رجل الغدر وحليماً إلاّ على علي (عليه السلام) وخاصته.

فلما توفي علي (عليه السلام) سنة 40 بسيف ابن ملجم الخارجي ساجداً في محرابه، زال من بين عيني معاوية ذلك الشبح الرهيب الذي كان يخيفه في منامه وفي خلواته، وقويت عزائمه وتوجهت شطره أكثر النفوس التي كانت رهن سجايا علي (عليه السلام) وعلومه ومنقادة لصوته وسوطه وصيت شجاعته وسماحته، لا سيما وأنّ الآثار النبوية المشهورة فيه كانت لا تقاس كثرة وشهرة بما ورد في شأن غيره، والخدمات التي قام علي بها كانت قاطعة الألسن فضلاً عن طول عهد الإمارة لمعاوية وانتشار حزبه الفعال وتوزيعه الأموال.

هذه العوامل وغيرها ضيّقت دائرة النفوذ على الحسن بن علي (عليه السلام) وخليفته ووسعت المجال لمعاوية وحزبه، فانتقم من علي بعد وفاته وسبَّ علياً على المنابر، والمنائر، والألسن، والكتب.
ويا بؤسها من حيلة ووسيلة لاستئصال مجد بني هاشم بثلب كبيرهم وقد قال ابن عباس: «إنّهم يريدون بسب علي سبّ رسول الله» ثم لم يقنع بذلك فأخذ يتتبع خاصة علي (عليه السلام) بالسم والعسل ويقول: «إن لله جنوداً من عسل» يعني السم المرسل إلى أعدائه، ولم يسع حلمه أصحاب علي وبنيه قط فدس سماً ذريعاً إلى زوجة الحسن السبط فقتلته اغتراراً بموعد زواجها من يزيد.

تأثرات الحسين الروحية:

هنا حري بنا أن ندرس حالة الحسين (عليه السلام) ذلك المتفاني في حب شقيقه الحسن ماذا يجري على قلبه وهو يرى أحشاء أخيه مقذوفة في الطست من سم معاوية، ثم تمنع بدسيسة مروانيه جنازة أخيه من زيارة جدّه ـ وهما ريحانتاه ـ ويسمع سبّ أبيه وأخيه في المعابر وعلى المنابر وتنعى إليه صحابة أبيه من فتك معاوية بهم، وسحق العهود الشريفة، ومحق شعائر الإسلام، وتبديل سنن جدّه بالبدع، وتحويل الإسلام من روح دينيه عالمية إلى روح قومية ملكية، وتمهيد أُسس للرجعة إلى الجاهلية.

هذا كلّه عدا ما سبق من أمر معاوية وعلي (عليه السلام) في حروب وفتن أوجدها معاوية لأغراض ذاتية، وفتّ في عضد الدين، وشتت بها شمل المسلمين. أضف عليها ما جرى على جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) من الحزب السفياني أثناء البعثة وبعد الهجرة. أفلا يكون بعد ذلك كله قلب الحسين دفتراً ملؤه المؤلمات؟! ولابد وأن تكون هذه الموجدات في الحسين (عليه السلام) وفي صدره بركاناً قوياً مشرفاً على الانفجار، وحسين الشهامة لم يكن بالذي يقيم على الضيم لولا أنّ الوصيّة تتلو الوصيّة من أخيه وجدّه وأبيه وخاصة مواليه بالصبر، «والصبر أمرّ من الصبر».

كيف يبايع الحسين:

غريب والله أنّ يزيد المشهور بالسفاسف والفجور يريد التقمص بخلافة النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) المبعوث لتكميل مكارم الأخلاق، وذلك في حياة الحسين (عليه السلام) ابن ذاك النبي وحبيبه. فيزيد يعلم نفسية الحسين ويعلم أنّ صدر الحسين (عليه السلام) أصبح بركاناً قريب الانفجار، ومع ذلك لا يقنع بسكونه وسكوته عما هو فيه، بل يريد منه فوق ذلك كلّه أن يعترف له بالخلافة عن الرسول، وهل ذاك إلاّ رابع المستحيلات؟ فإنّ اعتراف الحسين (عليه السلام) بخلافة يزيد عبارة أخرى عن أنّ الحسين ليس بالحسين «أي إنّ معنى قبوله البيعة ليزيد بيع دين جدّه، وكل مجده، وكل شعور شريف للعرب، وكل حق للمسلمين، وكل آمال لقومه يبيعها جمعاء برضى يزيد عليه» وهذا محال على الحسين (عليه السلام) وعلى كل أبطال الفضائل، فإنّ قبوله بيعة يزيد عبارة أخرى عن اعترافه بتساوي الفضيلة والرذيلة، واستواء العدل والظلم، واتحاد الحق والباطل، وتماثل النور والظلام، وأنّ العلم والجهل مستويان، وأنّ الخفيف والثقيل سيان في الميزان، فهل يسوغ بعد هذا كله سكوته وسكونه؟!

وقد يزعم البسطاء أنّ الحسين (عليه السلام) لو استعمل التقية وصافح يزيد لاتّقى ببيعته شرّ أمية، ونجا من مكرها، وصان حرمته، وحفظ مهجته، لكن ذلك وهم بعيد...
فإن يزيد المتجاهر بالفسق لا يقاس بمعاوية الداهية المتحفظ، فبيعة مثل الحسين (عليه السلام) لمثل يزيد غير جائزة بظاهر الشريعة، ولذلك تخلّف عن بيعته سعد بن بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن الزبير أيضاً فأنكروا على معاوية استخلاف يزيد وامتنعوا عن بيعته حتى فارقوا الحياة، وكان سيدنا الحسين (عليه السلام) أولى بهذا الامتناع والإنكار.

وأمّا مع غضّ النظر عن التكليف الشرعي ومطالبة وجه غير التمسك بظواهر الكتاب والسنة فنقول: إنّ التحري في الوثائق التاريخية والكتب المعتبرة يؤدي إلى الاعتقاد بأنّ سيدنا الحسين (عليه السلام) كان يعلم بانطواء خصومه على نية التشفّي من قتله، وقد صرح في مواطن عدّة بأنّ بني أمية غير تاركيه حتى لو كان في جحر ضب لاستخرجوه وقتلوه، وقال (عليه السلام) للعكرمي في بطن عقبة: «ليس يخفى عليّ الرأي ولكنهم لا يدعونني حتى يخرجوا هذه العلقة من جوفي» وأكد ابن زياد نية التشفّي من قتل الحسين (عليه السلام) في كتابه لابن سعد قائلاً: «حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة، كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان». وأعلم يزيد نفسه بما يضمره من الانتقام من آل محمّد كما قال: لست من خندف إن لم انتقم من بني أحمد ما كان فعل

الى غير ذلك من الشواهد التي نستنتج منها ما قصده الأمويون من الانتقام من آل الرسول (صلى الله عليه وآله) علم ابن النبي (صلى الله عليه وآله) من كل هذا تصميم آل حرب على انتقامهم من آل علي مهما تظاهر هؤلاء بمسالمتهم ومطاوعتهم ومهما تظاهر آل حرب لهم بالأمان والإيمان، وقد أكد هذا العلم غدر ابن زياد بابن عمّه مسلم واعطاؤه الأمان حتى إذا خلع سلاحه قتله شرّ قتلة، وأجلى من ذلك غدر معاوية بأخيه الحسن (عليه السلام) ودسه السم إلى من قتله بعد أن صالحه وصافحه وتنازل له عن خلافته المعقودة له، فهل ترى ابن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك كلّه يعيد الامتحان ويجرب المجرب؟ كلا! إذن فالحسن وجد نفسه مقتولاً إذا لم يبايع ومقتولاً إذا بايع، لكنه إن بايع اشترى مع قتله قتل مجده وقتل آثار جدّه أما إذا لم يبايع فإنّما هي قتلة واحدة تحيا بها آماله، وشعائر الدين، والشرف المؤبد.


السيد هبة الدين الشهرستاني

05-10-2016 | 15-04 د | 1085 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net