الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
في دلالات الشعائر الحسينية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

البكاء وعلاج أمراض الروح والجسد
تَنظر هذه المقالة للعلامة الشيخ محمد السند إلى جانبٍ مهمّ من الشعائر الحسينية المباركة، عنينا بها على وجه الخصوص، ظاهرة الحزن والبكاء على مصاب أبي عبد الله الحسين وأهل بيته الأطهار عليهم السلام.

من نافل القول إنّ الشعائر الحسينيّة دالّة على المعاني والفضائل والقِيم النبيلة والأهداف الإصلاحيّة التي نهض من أجلها الإمام الحسين عليه السلام، حيث كانت ثورته المباركة منعطفاً مهمّاً في التاريخ الإسلامي، وتصحيح مسار الأمّة.

وحيث إنّ أهل البيت عليهم السلام هم عِدلُ القرآن الكريم، وقد أُمرنا بالتمسّك بهما، فلا بدّ أن تكون أقوالهم وأفعالهم وسيرتهم حجّة. ويجب، بالتالي، على الاُمّة أن تحرص في إحيائها الشعائر الحسينيّة استحضار منطلقات الإمام الحسين عليه السلام وأهدافه، لتنهل منها الحلول لقضاياها الراهنة.

أما إذا كان استعراض قضايا الأمة الراهنة بعيداً عن فكر كربلاء وعطاء الحسين عليه السلام، فإنّ الشعائر الحسينيّة لن تؤدّي غرضها كما ينبغي، وكذلك استعراض السيرة الحسينيّة بعيداً عن ربطها بالقضايا الراهنة المعاصرة يقف عائقاً أمام تحقيق هدف الشعائر الحسينيّة، ولا يُمكنها أن تؤدّي غايتها بصورة كاملة إلاّ إذا قمنا بتحليل مواقف سيّد الشهداء وكلماته ومن ثمّ تطبيقها على الواقع، وحينئذٍ نكون قد تمسّكنا بالإمام الحسين عليه السلام الذي هو مصباحُ الهدى وسفينةُ النجاة.

الإمام الحسين عليه السلام قتيلُ العَبرة:
تشير بعض الروايات إلى أنّ من أسرار استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، هو بكاء المؤمنين عليه، باعتبار أنّ البكاء له دورٌ كبيرٌ في البناء الاجتماعي، وتحصينه من الآفات، وحثّه على المكرمات.

ولا يمكن للبكاء أن يفعل مفعوله في النفس إلاّ إذا عرف الإنسان آثاره الإيجابيّة وسعى إليها، وتفاعل مع القضية التي بكى من أجلها، وبكى باعتبار أنّ البكاء بابٌ من أبواب الفضيلة والكمال الإنساني، ومن المعروف أنّ الله تعالى قريبٌ من الخاشعة قلوبهم، وبعيدٌ عن القاسية قلوبهم.

ومن هنا كانت روايات أهل البيت عليهم السلام، تعبّر عن الحسين عليه السلام بأنّه «قتيلُ العَبرة»، والعَبرة هي الدمعة والبكاء المرتبط بالفضائل، والنبيّ صلّى الله عليه وآله، يقول: «إنّما بُعِثتُ لأُتمّم مكارمَ الأخلاق».

إذاً، العَبرة الحسينيّة تصبّ في مصبّ بناء مكارم الأخلاق، وتتناغم مع أهداف الرسالة المحمّديّة، صلّى الله عليه وآله وسلّم.

ومن المعروف أنّ البكاء أحد الاُمور المؤكّدة التي حثّ عليها أهل البيت عليهم السلام، بل هو من أبرز الشعائر الحسينيّة التي تُديم المودّة بين الموالين وأئمّتهم عليهم السلام. ولهذا نجد أنّ من القضايا المثارة حول الشعائر الحسينية هي قضية البكاء والجزع، والتي تثير الاعتراضات من قِبل غير المسلمين، أو غير الشيعة من المذاهب الإسلاميّة الاُخرى، وهذه الاعتراضات تكشف عن عدم إلمام أصحابها وتسرُّعهم؛ لأنّ البكاء ظاهرة تستحقّ البحث والدراسة في حقول علم النفس.
وعلى ذلك يمكن أن نطرح سؤالاً هو: هل أنّ البكاء ظاهرة سلبيّة بما تحمله من حالة الانكسار والضعف وعدم الشجاعة في مواجهة الواقع - كما يزعمون - أم أنّ له آثاراً إيجابيّة عظيمة؟

هل البكاء ظاهرة سلبيّة؟
لا نجد في المصادر الإسلاميّة من القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت عليهم السلام، بل حتّى روايات أهل السنّة المذكورة في صِحاحهم، إلاّ الثناء والمدح للبكاء من خشية الله تعالى والتنويه بآثاره الإيجابيّة.

ونلاحظ أيضاً، أنّ القرآن الكريم قد أثنى على القسّيسين والرهبان لأنّ أعينهم تفيض من الدمع. قال تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ المائدة:82-83.

فالكِبر والعُجب والتعجرف والاستعلاء والعصبيّة أمراض نفسيّة تصيب الإنسان، ويُعتبر البكاء علاجاً لهذه الأمراض، بل يستطيع البكاء أن يقتلع جذور كثيرٍ من الصفات المذمومة في النفس. ولا تنتاب الإنسان - في أغلب الأحيان - حالة البكاء إلاّ متى تفاعل مع الفضائل والقيم النبيلة والمبادئ الإنسانيّة العالية؛ ومردُّ ذلك إلى أنّ الانفعال الذي يحصل حال البكاء إنّما يتولّد بعد إخبات الإنسان لذلك المعنى الرفيع الذي ينفعل به ويتفاعل معه، والإخبات إذعانٌ وانقياد، فلا يتمّ بكاءٌ إلاّ والإيمان بذلك المعنى قد تحقّق.

نعم، قد تعاود الإنسان مقتضياتُ الرذيلة وذلك لوجود أسبابها واستمرارها. ولكنّ البكاء يظلّ ممانعاً ومعانداً لتلك الرذائل. وتكون نتيجة هذا البكاء هو تخلّص الإنسان من الرذائل وابتعاده عن الأفراد والجماعات التي تمارسها، ويدنو عقب ذلك من الفضائل وأهلها.

ويصلح البكاء - إذا ما نجحنا في تفعيله - أن يُبدّد القسوة ونزعة العنف والإرهاب من نفس الإنسان، فمن الخطأ – إذاً - الاستخفاف والاستهزاء بالبكاء؛ لأنّه من أفضل العبادات، والإنسان أقرب ما يكون إلى الله تعالى متى كان في حال الانكسار والتضرّع والضعف.

وقد يتساءل البعض: لِمَ خلق الله حالة البكاء وجعلها مرتبطة بالإنسان؟
والجواب هو أنّ البكاء تقويمٌ وطبّ نفساني فعّال في علاج الأمراض القلبيّة الخطيرة المتجذّرة التي تهدّد مستقبل الفرد والجماعة. ومن ناحية أخرى، فإنّ البكاء يبني منظومة الفضائل والمحاسن في نفس الإنسان بشكلٍ سريع أيضاً.

فعلى سبيل المثال: الخشوع للمولى تبارك وتعالى - وهو من أفضل الكمالات التي يحصل عليها الإنسان – وكذلك رقّة القلب، وصفاء النفس، كلّ ذلك له علاقة وثيقة بالبكاء، حيث يختصر البكاء الطريق إلى الله ويُدني العبد منه تعالى.

وتؤكّد الدراسات الغربية أنّ كثيراً من العُقد والأمراض النفسية والجرائم والاضطرابات الروحيّة إنّما تحصل نتيجة غياب البكاء وفقدانه، وأنّ في البكاء علاجاً لهذه الأمراض الروحيّة والنفسيّة، وقد عمل بعض الأطباء الغربيّين على تهيئة أجواء بكاء لبعض المرضى، أو كما يصطلحون عليه بـ «البكاء الاصطناعي» في مقابل البكاء الطبيعي؛ لأنّ في البكاء علاجاً نفسيّاً.


العلامة الشيخ محمّد السند

13-10-2016 | 15-29 د | 1493 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net