قال الله تعالى: (والى ثمود اخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من اله غيره
قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في ارض الله ولا تمسوها
بسوء فياخذكم عذاب اليم، . .. قال الذين استكبروا انا بالذي آمنتم به كافرون،
فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من
المرسلين، فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين...)[1].
من هم ثمود:
في هذه الآيات المباركة وفي غيرها ما جاء في سورة هود، والشعراء، والقمر، والشمس،
وفي سورة هود اكثر تفصيلا.
كل هذه الآيات ذكرت فيها بشكل مختصر قصة صالح (عليه السلام) وقومه قوم هود ومادار
بينهما، وقصة الناقة، وكيف كانت نهايتهم.
واما ثمود: فهم ولد ثمود بن جائر بن ارم بن سام، وكانت مساكن ثمود بالحجر بين
الحجاز والشام، وكانوا بعد عاد قد كثروا وكفروا وعتوا، فبعث الله اليهم صالح بن
عبيد بن اسف بن ماشج بن عبيد بن جادر بن ثمود، ودعاهم الى توحيد الله بالعبادة[2].
وكان الله قد اطال اعمارهم حتى كان احدهم يبني البيت من المدَر فينهدم وهو حي، فلما
راوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتا فنحتوها، وكانوا في سعة من معايشهم، ولم يزال صالح
يدعوهم فلم يتبعه منهم الا قليل من المستضعفين.
وروي ايضا ان ثمود كانت بوادي القرى بين المدينة والشام، وكانت عاد باليمن، وكانت
اعمارهم من الف سنة الى ثلاث مائة سنة، وكانوا قوم النبي صالح (عليه السلام)[3].
ان الله تبارك وتعالى بعث صالحا الى ثمود وهو ابن ست عشر سنة، وكان يدعوهم الى الله
والعمل الصالح فلا يقبلون منه ويعصون امره، وكان لهم سبعون صنما يعبدونها من دون
الله.
فلما رأى ذلك منهم واصرارهم على العصيان، قال لهم: يا قوم بعثت اليكم وانا ابن ست
عشر سنة، وقد بلغت الآن من العمر مائة وعشرون سنة، وانا اعرض عليكم امرين:
ان شئتم فاسألوني حتى اسأل الهي فيجيبكم، وان شئتم سألت آلهتكم فان اجابتني خرجت من
عندكم.
فقالوا له: انصفت فامهلنا، فاقبلوا يتعبدون ثلاثة ايام ويتمسحون بالاصنام، ويذبحون
لها، واخرجوها الى سطح الجبل، واقبلوا يتضرعون اليها، فلما كان يوم الثالث قال لهم
صالح (عليه السلام):
قد طال هذا الأمر فقالوا: اسأل ما شئت، فدنا الى اكبر صنم لهم فقال له: ما اسمك؟
فلم يجبه، فقال لهم: ماله لا يجيبني؟ قالوا له: تنح عنه، فتنحى عنه، فاقبلوا اليه
يتضرعون ووضعوا على رؤوسهم التراب وضجوا وقالوا: فضحتنا ونكست رؤوسنا.
فقال صالح: قد ذهب النهار، فقالوا: سله، فدنا منه فكلمه فلم يجبه، فبكوا وتضرعوا
حتى فعلوا ذلك ثلاث مرات فلم يجبه بشيء.
فقالوا: ان هذا لا يجيبك، ولكنا نسأل الهك، فقال لهم سلوه ما شئتم، فقالوا: سله ان
يخرج لنا من هذه الجبل ناقة حمراء شقراء شعراء، او: عشراء ـ اي حاملة، تضرب منكبيها
طرفي الجبلين، وتلقي فصيلها من ساعتها، وتدر لبنها.
فقال صالح: ان الذي سألتموني عندي عظيم وعند الله هين، فقام فصلى ركعتين ثم سجد
وتضرع الى الله فما رفع رأسه حتى تصدع الجبل وسمعوا له دويا شديدا ففزعوا منه
وكادوا ان يموتوا منه، فطلع رأس الناقة وهي تجتر، فلما خرجت القت فصيلها، ودرت
بلبنها، فبهتوا، وقالوا:
قد علمنا يا صالح ان ربك اعز واقدر من آلهتنا التي نعبدها.
وكان لقريتهم ماء وهي الحِجر التي ذكرها الله تعالى في كتابه وهو قوله: (ولقد كذب
اصحاب الحجر المرسلين)[4] فقال لهم صالح (عليه السلام): لهذه الناقة شرب، اي تشرب
ماءكم يوما وتدر لبنها عليكم يوما، وهو قوله تعالى: (قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب
يوم معلوم، ولا تمسوها بسوء فياخذكم عذاب يوم عظيم)[5] فكانت تشرب ماءهم يوما، واذا
كان من الغد وقفت وسط قريتهم فلا يبقى في القرية احد الا حلب منها حاجته.
وكان فيهم تسعة من رؤسائهم كما ذكر الله في سورة النمل: (وكان في المدينة تسعة رهط
يفسدون في الارض ولا يصلحون)[6] فعقروا الناقة ورموها حتى قتلوها وقتلوا الفصيل،
فلما عقروا الناقة قالوا لصالح (عليه السلام): (فاتنا بما تعدنا ان كنت من
الصادقين)[7] قال صالح: (تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب)[8].
ثم قال لهم: وعلامة هلاككم انه تصفر وجوهكم غدا، وتحمر بعد غد، وتسود يوم الثالث
فلما كان من الغد نظروا الى وجوههم قد ابيضت[9] مثل القطن، فلما كان يوم الثاني
احمرت مثل الدم، فلما كان يوم الثالث اسودت وجوههم، فبعث الله عليهم صيحة وزلزلة
فهلكوا، وهو قوله تعالى: (فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في ديارهم جاثمين)[10] فما تخلص
منهم غير النبي صالح (عليه السلام) وقوم مستضعفين مؤمنين وهو قوله تعالى: (فلما جاء
امرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ ان ربك هو القوي
العزيز، واخذ الذين ظلموا الصيحة فاصبحوا في ديارهم جاثمين. ..)[11].
قصة اخرى:
وقد كان بعث الله تعالى النبي صالحا (عليه السلام) الى قومه بعد ما اكثروا الفساد
وعبدوا الاوثان، فدعاهم الى الله تعالى فلم يجيبوه وعتوا عليه فقالوا له: لن نؤمن
حتى تُخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، وكانت صخرة يعظمونها ويذبحون عندها في رأس
كل سنة ويجتمعون عندها.
فقالوا له: ان كنت كما تزعم نبيا رسولا، فادع الله يخرج لنا ناقة منها، فاخرجها لهم
كما طلبوا منه، بأمر من الله، واوحى الله تعالى الى صالح ان قل لهم: ان الله جعل
لهذه الناقة شرب يوم ولكم شرب يوم، فكانت الناقة اذا شربت يومها، شربت الماء كله،
فيكون شرابهم ذلك اليوم من لبنها، فيحلبونها فلا يبقى صغير ولا كبير الا شرب من
لبنها يومه ذلك، فاذا كان الليل واصبحوا غدوا الى مائهم فشربوا هم ذلك اليوم ولا
تشرب الناقة.
فمكثوا بذلك ما شاء الله حتى عتوا ودبروا في قتلها فبعثوا رجلا احمر اشقر ازرق، لا
يُعرف له اب ـ ولد زنا ـ يقال له قدار ليقتلها، فلما توجهت الناقة الى الماء ضربها
ضربة ثم ضربها اخرى فقتلها، ومر فصيلها حتى صعد الى الجبل فلم يبقى منهم صغير ولا
كبير الا اكل من لحمها.
فقال لهم صالح (عليه السلام): عصيتم ربكم وقتلتم الناقة، ان الله تعالى يقول: ان
تبتم قبلت توبتكم، وان لم ترجعوا بعثت عليكم العذاب في اليوم الثالث، فقالوا: يا
صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين...
فلما كان نصف الليل من اليوم الثالث اتاهم جبرئيل (عليه السلام) فصرخ صرخة خرقت
اسماعهم وشقت قلوبهم فماتوا اجمعين في طرفة عين صغيرهم وكبيرهم، ثم ارسل الله عليهم
نارا من السماء فاحرقتهم[12].
قال رسول الله (ص) لامير المؤمنين علي (عليه السلام): يا علي اتدري من اشقى
الاولين؟ قال: قلت: الله ورسوله اعلم، قال: عاقر الناقة. قال: اتدري من اشقى
الآخرين؟ قال: قلت: الله ورسوله اعلم، قال: قاتلك[13].
وفاته (عليه السلام):
اختلفت الاقوال والروايات في عمر النبي صالح (عليه السلام) وتاريخ وفاته، وقد ذكر
في الكامل:
واما صالح (عليه السلام)، فانه سار الى الشام فنزل فلسطين ثم انتقل الى مكة فاقام
بها يعبد الله حتى مات وهو ابن ثمان وخمسين سنة، وكان قد اقام في قومه يدعوهم عشرين
سنة[14].
والرواية الثانية، عن النبي (ص) انه سأل جبرئيل (عليه السلام) كيف كان مهلك قوم
صالح؟ فقال: يا محمد ان صالحا بعث الى قومه وهو ابن ست عشر سنة، فلبث فيهم حتى بلغ
عشرين ومائة سنة لا يجيبونه الى خير. .. الى آخر القصة.
ويظهر من هذه الرواية انه كان عمر النبي صالح (عليه السلام) مئة وعشرون سنة وهو لا
يزال حي يدعو قومه الى التوحيد ولا يجيبونه.
السيد مرتضى الميلاني
[1] الاعراف 73 ـ 79.
[2] الكامل: ج 1 ص 81.
[3] البحار: ج 11ص 373.
[4] الحجر: 80.
[5] الشعراء: 155 ـ 156.
[6] النمل: 48.
[7] الاعراف: 70.
[8] هود: 65.
[9] قد اصفرت.
[10] الاعراف: 78.
[11] هود: 66 ـ 67.
[12] البحار: ج 11 ص 385.
[13] رواه الثعلبي في العرائس: 43.
[14] الكامل في التاريخ: ج 1 ص 83.