الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات
المدرسة المحسنية
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

ربما يتساءل الناس إذا كان لم يعد للدين وزن ولا أثر في النفوس في هذا العصر فمن أين هذه العظمة للأمين المحسن، وهو رجل الدين الأول، ورئيس العلماء الأكبر! وما هذا الدوي الهائل الذي كنا نسمعه خلف جثمانه، وهذا السيل الجارف من الشعب والحكومة في سوريا ولبنان حول الجثمان وخلفه وأمامه، هذا الحشد الذي ضم جميع الهيئات الدينية والسياسية والشعبية كبارها وصغارها من جميع الطوائف والأديان، ولماذا ملأت الصحف في الأقطار الغربية أعمدتها على الصفحات الأولى تشيد بعظمة الفقيد تعدد فضائله ومناقبه! وما سبب هذه الهزة العنيفة التي زلزلت العالم العربي والاسلامي عندما سمع نبأ وفاته! أجل لقد غيرت التطورات الأخيرة كثيرا من الأفكار والاتجاهات، وكشفت الغطاء عن كل مموه زائف، ولكنها عجزت عن مقاومة الحق الذي يتمثل بشخصية الفقيد، فأرغمت على الاعتراف بسلطانه، والنزول على حكمه. اعتمد الفقيد على العمل والإخلاص لا على الرياء والتضليل، ولا على الأنساب والألقاب، وهل يفخر بأكفان الأموات وترابهم غير الحقير الأعزل من سلاح الحياة، انتسب الفقيد إلى حقيقة الدين وجوهره لا إلى اسمه ومظهره، فانتسب إليه العلم والدين فهذي المدرسة المحسنية مضى على خدمتها للعلم والانسانية نصف قرن، وهذي المؤلفات تعد بالعشرات، وهذا كتاب الأعيان من أعظم وأضخم ما تركت أمة من تراث خالد وهذا الجهاد المستمر لتوحيد الكلمة، وجمع الصفوف، وهذا الكفاح لكل مستعمر ومستثمر، خلال اصطفى لها الله أمينه المحسن إن الكثير منا يملك العلم والذكاء، ولكن ماذا يجدي العلم والذكاء إذا أديا إلى لغو لا خير فيه! وماذا يجدي الجاه والمال إذا كانا سببا للتحاسد والتباغض! بل ماذا تجدي الهجرة إلى النجف والأزهر وأكسفورد والسوربون إذا لم تكن لغايات إنسانية ولم تدفع بالحياة إلى التقدم وكيف تتقدم بنا الحياة أو نتقدم بها، إذا كنا نجهل الحياة، وتستعبدنا الشهوات! .

لقد انبعثت نفس الفقيد من صميم العصر الذي عاش فيه، وتجرد عن ذاته وغايته، فكان كفوءا لكل ما ألقي عليه من مسؤوليات، تسعين عاما من حياته قضاها مجاهدا في سبيل العلم والخير مدافعا عن الحق دفاع من لا يبغي حطاما، ولا يخشى سلطانا، فكان في عاملة والعراق ودمشق لا وزن عنده إلا للحق، ولا فضل إلا لعامل على خير الوطن والصالح العام كائنا من كان سنيا أم شيعيا، مسلما أم غير مسلم، وهذه هي السبيل الواضحة التي يصل منها الإنسان إلى العظمة المطلقة التي تتخطى حدود الأمصار والأديان، لأنها كالشمس فوق الحدود جميعا، لقد كان الإنسان إنسانا قبل أن يكون شرقيا أو غريبا، وقبل أن يكون مسلما أو نصرانيا، وهكذا العظمة وحب الخير لا يجنسان جغرافيا ولا تاريخيا ولا دينيا، ولا هوية لهما غير حقيقة الإنسان بمعناه الشامل، إن الزمان والمكان لا يغيران شيئا من حقيقة الإنسان، وإنما هما ظرفان لما يقوم به من أعمال، وأن معنى الدين هو الشعور بالمسؤولية تجاه أخيك الإنسان، ومعنى الإيمان هو إخضاع حياتك لهذا الشعور، أن المسيح لا يريد النصراني الماروني أو الرومي وإنما يريد النصراني الإنساني، ومحمد لا يريد المسلم السني أو الشيعي، وإنما يريد المسلم الإنساني، هكذا فهم الفقيد الإسلام والإيمان فأخضع حياته لهذا الشعور، وبهذا كان عظيما عند المسيحيين كافة والمحمديين كافة.

وربما يتساءل المرء: كيف اجتمعت هذه العظمة مع تلك الحياة المتواضعة التي كان يحياها الفقيد والبساطة في مظاهرة في مأكله وملبسه ومسكنه، فلا بواب ولا حجاب، ولا سيارة فخمة، وبناية ضخمة، وقد رأيته، وأنا جار له في الشياح واقفا في دكان قصاب يشتري اللحم ويحمله بيده إلى أهله، ورأيته منفردا متثاقلا يدفع بجسمه المريض المتهدم يزور العمال البائسين في بيوتهم، فيجلس إليهم ويطايبهم، ويسمع منهم، ويستمعون إليه، قد يتساءل المرء: أهذا حقا هو الذي احتشدت الأمة بقضها وقضيضها خلف جثمانه! أهذا حقا هو الذي كان بالأمس يحمل اللحم بيده! أهذا حقا هو الذي كان يمشي وحيدا في الشارع، ويجلس على الحصير مع البائس والفقير! نعم هو هو! وهذا الرسول الأعظم الذي قرن اسمه باسم الله فيه الصلاة، وعلى المنابر والمآذن، ودانت بأقواله ملايين الملايين في مشارق الأرض ومغاربها هو الذي كان يخصف نعله، ويرقع ثوبه بيده ويعقل البعير، ويقطع اللحم، ويحلب الشاة، ويطحن مع الخادم، ويجلس على الأرض مع الأسود والأبيض، وهكذا كان الرسول الأعظم، وهكذا اقتدى به سليلة المحسن الكبير، وما هذا الاحتقار للمادة إلا مظهر الكمال، والاعتداد بسلامة النفس، الاعتداد بالعلم والنزاهة والعمل والاخلاص وحيثما وجدت الترف والزينة وجدت الاستغلال والخيانة، وحيثما وجدت التواضع وجدت الحق والصدق. كان مسجد الرسول الأعظم في عهده وعهد الخلفاء الراشدين هو البرلمان والسراي الكبير وقصر العدل، ولم يكن هذا الجامع سوى قليل من الطين وسعف النخل ولكن منه انبعثت القوة التي حطمت تاج كسرى وقيصر، ومنه شع النور الذي ملأ الآفاق والأكوان، وبه سادت الفضيلة على الرذيلة، وتغلب الضعيف المحق على القوي المبطل. أما القصور الشامخة أما ناطحات السحاب فأساسها البغي والاستثمار وحيطانها التحاسد والتباغض، وسقفها الطمح والجشع، وأثاثها العجب والرياء، من سكنها أغوته، ومن اغتر بها أردته، والسلام على أمير المؤمنين حيث وصف المخلصين "عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم" والعكس بالعكس. أنكر أهل الجاهلية الرسول الأعظم، لأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، ولا يملك كنزا ولا بستانا أهذا الذي بعثه الله رسولا؟ " وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة " ولو كان محمد (ص) في هذا العصر لقال له البعض: كيف تكون نبيا، وأنت لا تملك سيارة! . وما تجلت هيبة الحق في شئ، كما تجلت في حياة متواضعة وزهد في زخرف الأرض وزينتها، كان للفقيد - الذي لا يملك سيارة - صور للهيبة والجلال تتعدد بتعدد من ارتدى عمة مثل عمته، ولبس جبة وقفطانا كما لبس. وقد أعار لكل واحد صورة أكسبته احتراما وتقديرا حتى إذا ذهب الأصيل ذهبت تلك الصورة عن الدخيل، واسترد المستعار، وبرز الجميع عراة إلا من لبس ثوبه من غزله، وحاكه على نوله. إلى هنا أكتفي بجمع تألف منه هذا الكتاب، وهو جزء مما نشرت وأذعت في مدة تقرب من عشرين عاما، وأؤمل أن يوفقني الله سبحانه لجمع الجزء الباقي في مستقبل الأيام. وأسأل القارئ المعذرة عما يجد من أخطاء لم يتهيأ لي التحرز عنها حين وقوعها، وما على الإنسان من غضاضة في خطأ غير مقصود يرجع عنه عند ظهور الصواب، والسلام على الإمام علي بن أبي طالب حيث قال "ليس كل من رمى أصاب" والله سبحانه من وراء القصد، وهو العالم بصدق النية، وطيب السريرة .


الشيخ محمد جواد مغنية - بتصرف

10-01-2017 | 10-16 د | 1123 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net