1 ـ دعاء يوسف:
عندما استقر يوسف في قعر البئر انقطع امله من كل شيء، وتوجه بكل وجوده الى الله
عزوجل ودعاه بهذا الدعاء:
«اللهم يا مؤنس كل غريب، ويا صاحب كل وحيد، ويا ملجأ كل خائف، ويا كاشف كل كربة،
ويا عالم كل نجوى، ويا منتهى كل شكوى، ويا حاضر كل ملأ، يا حي يا قيوم، اسألك ان
تقذف رجائك في قلبي، حتى لا يكون لي هم ولا شغل غيرك، وان تجعل لي من امري فرجا
ومخرجا، انك على كل شيء قدير».
2 ـ الالتجاء الى الله:
وقول يوسف لزليخا عزيزة مصر عندما قالت له هيت لك: (قال معاذ الله انه ربي احسن
مثواي) علمنا درسا وقال: ان في مثل هذه الظروف الصعبة، لا سبيل الى النجاة من وساوس
الشيطان واغراءاته، الا بالالتجاء الى الله، الله الذي لا فرق عنده بين السر
والعلن، بين الخلوة والاجتماع، فهو مطلع ومهيمن على كل شيء، وموجود في كل مكان.
3 ـ الحياء من الله:
هناك رواية يستفاد منها انه كان في قصر امرأة العزيز صنم تعبده، وفجاة وقعت
عيناها عليه، عندما ارادت ان تراود يوسف، فانها احست بالصنم ينظر اليها والى
حركاتها الخيانية، فنهضت في غضب والقت عليه سترا، فاهتز يوسف لهذا المنظر.
وقال: انت ايها الصنم الذي لا تملك عقلا ولا شعورا ولا احساسا تستحي منك العزيزة!،
فكيف لا استحي من ربي الخبير بكل شيء، والذي لا تخفى عليه خافية.
فهذا الاحساس منح يوسف قوة جديدة، واعانه على الصراع الشديد في اعماق نفسه بين
الغريزة والعقل، ليتمكن من التغلب على امواج الغريزة النفسية.
4 ـ جهاد النفس
نحن نعرف ان اعظم الجهاد في الاسلام هو جهاد النفس، الذي عبر عنه في حديث عن
النبي (ص) بـ «الجهاد الاكبر» وجهاد العدو الذي عبر عنه ـ بالجهاد الاصغر، وقصة
يوسف، وما كان من عشق امرأة العزيز الملتهب، واحد من هذه الصور الجهادية بالنسبة
الى يوسف (ع).
لقد انتصر يوسف (ع) في هذا الصراع بوجه مشرق ابيض لثلاثة اسباب:
الاول: انه التجأ الى الله واستعاذ به، وقال: «معاذ الله».
الثاني: لاحظ نعم الله التي لا تحصى والتي انقذته من غيابة الجب الموحشة، واوصلته
الى محيط الامان والهدوء، وجعلته يفكر في ماضيه ومستقبله، ولا يستسلم للتيارات
العابرة.
الثالث: بناء شخصيته وعبوديته المقرونة بالاخلاص التي عبر عنها القرآن الكريم (انه
من عبادنا المخلصين).
وهذا درس كبير لجميع الناس الاحرار الذين يريدون ان ينتصرون على عدوهم الخطير في
ميادين جهاد النفس.
5 ـ بعض الهزيمة انتصار:
في بعض من الاحيان تكون الهزيمة انتصارا، وهذه الهزائم تكون سببا لانتصار
الانسان معنويا وحتى ماديا وتكون سببا لليقظة.
فامراة العزيز ـ زليخا ـ اصبحت في عملها مبتلاة باشد الهزائم، ولكن هذه الهزائم
كانت سببا لان تنتبه ويتيقظ وجدانها النائم، وان تندم على ما فات من عملها، والتفتت
الى ساحة الله، وقالت عندما التقت بالعزيز يوسف: «الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا
بطاعته، وجعل الملوك عبيدا بمعصيته».
السعداء هم اولئك الذين يصنعون من الهزائم انتصارا، ومن سوء الحظ حظا حسنا، ومن
اخطائهم طريقا صحيحا للحياة.
6 ـ الامتحان:
لماذا لم يعرّف يوسف نفسه لاخوته، حتى يقفوا على حقيقة حاله ويرجعوا الى ابيهم
ويخبرونه عن مصير يوسف، وبذلك تنتهي آلامه لاجل فراق يوسف، وكان قد مر ثمان سنوات
على تحرير يوسف من السجن عندما التقى باخوته في المرة الاولى؟
ولماذا لم يبعث يوسف الى ابيه ويخبره بما وصل اليه من عز قبل ان يأتي اخوته. ....؟
حاول جمع من المفسرين الاجابة على هذه الاسئلة، ولعل احسنها واقربها، هو:
ان يوسف لم يكن مجازا من قبل الله عزوجل في اخبار ابيه، لان قصة يوسف مع غض النظر
عن خصائصه الذاتية كانت ساحة لاختبار يعقوب وامتحانه، فلابد من ان يؤدي يعقوب
امتحانه ويجتاز فترة الاختبار قبل ان يسمح ليوسف باخباره.
7 ـ من هو الشاهد:
هناك اقوال مختلفة في انه من هو الشاهد الذي ختم ـ ملف يوسف وامرأة العزيز ـ
بسرعة واوضح البريء من المسيء بجلاء !
قال البعض: هو احد اقارب امرأة العزيز، وكلمة من « اهلها » في « شهد شاهد من اهلها
». . ويقال ان هذا الرجل كان ايضا من مشاوري عزيز مصر وكان معه حينما دخل البيت،
وكان رجل حكيم وعارف بحيث استطاع بسرعة ان يعرف من المعتدي وذلك من قميص يوسف الذي
قد من دبر. ..
القول الآخر: ان الشاهد كان طفلا رضيعا من اقارب العزيزة، وكان على مقربة من
الحادث، وكان يوسف قد طلب من عزيز مصر ان يحتكم الى هذا الطفل، فانطقه الله وتكلم ـ
كما تكلم المسيح في المهد....
وهناك احتمالات اخرى ولكن هذان القولان اقوى من البقية والله العالم.
8 ـ حماية الله والطافه الخفية:
الدرس الآخر المهم الذي نتعلمه من قصة يوسف، هو حماية الله ورعايته الواسعة
والطافه الخفية للانسان وفي اشد الحالات، حيث يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب
ـ ويكون ذلك القميص المبارك اكبر عون ومدرك للعزيز يوسف (ع)، ذلك القميص الذي يصنع
العجائب، وفيه ثلاث آيات وهي:
يكون يوما يفضح اخوة يوسف لانهم جاؤوا اباهم ملطخا بدم كذب وهو غير ممزق (وجاؤوا
على قميصه بدم كذب).
ويوما يفضح امرأة العزيز، لانه قد قدّ من قبل: (ان كان قميصه قد من قبُل).
ويوما آخر يكون واهبا البصر والنور ليعقوب: (اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه ابي
يأت بصيرا) وعلى كل حال فان لله الطافا خفية، غير مطلع على عمقها احد، وحين يشاء
الله تتغير المسارح بشكل لا يمكن حتى لاذكى الافراد ان يتنبأ عنها:...
* السيد مرتضى الميلاني - بتصرف