لطّفت العقيدة من مخاوف الإنسان الدائمة من المرض من خلال التأكيد على حقيقة
بديهية، هي إنّ كلَّ جسم معرّض للسقم، يقول الإمام علي (ع): «لا ينبغي للعبد أن يثق
بخصلتين: العافية والغنى. بينما تراهُ معافى إذ سقم، وبينما تراهُ غنيا إذْ
افتقر»[1].
كما أكدت على أنّ المرض يسقط الذنب، يقول الإمام السجاد (ع): «إنَّ المؤمن إذا
حمَّ حمى واحدة، تناثرت الذُّنوب منه كورق الشجر..»[2]. وعن أبي عبداللّه (ع) قال:
«صداع ليلة يحطُّ كلُّ خطيئة إلاّ الكبائر»[3].
وإضافة لذلك فإنّ فيه الثواب الجزيل ما يخفّف من وطأته على النفوس، يقول الرسول
(ص): «عجبتُ من المؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ما له في السُقم من الثواب، لأحبّ
أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربّه عزَّ وجل»[4].
ويحدّد الإمام الرضا (ع) فلسفة المرض بقوله: «المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر
تعذيب ولعنة، وإنَّ المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنب»[5].
ونعود لنقول بأنَّ اللّه لم يجعل المرض عبثا، بل جعله وسيلةً لامتحان الإنسان
ومعرفة صبره على النوازل، لذلك امتحن به أنبياءه والصالحين من عباده، فأيوب (ع) ـ
كما هو معروف ـ كان ابتلاؤه في جسده: (ولم يبقَ منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر
اللّه عزَّ وجل بهما، وهو في ذلك كله صابر محتسب، ذاكر للّه في ليله ونهاره وصباحه
ومسائه، وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأُخرج من بلده، وانقطع عنه
الناس، ولم يبقَ أحد يحنو عليه سوى زوجته التي كانت ترعى له حقه وتعرف قديم إحسانه
إليها. . ولم يزد هذا كله أيوب (ع) إلاّ صبرا واحتسابا وحمدا وشكرا، حتى إنّ المثل
ليضرب بصبره)[6]. فكان نتيجة هذا الصبر والاحتساب أن ردَّ اللّه تعالى إليه كلّ ما
أخذ منه كرما وإحسانا.
والعقيدة في الوقت الذي تأمر المسلم بالتزام الصبر، تنصحه بعدم الشكوى من المرض،
فالشكوى تعني ضمن ما تعنيه، اتّهام اللّه تعالى في قضائه، كما أنّها تحطّ من قدر
الإنسان في نظر الناس، وتبعث على الشماتة به أو التهكم عليه، يقول أمير المؤمنين
(ع): «كان لي فيما مضى أخ في اللّه، وكان يعظّمه في عيني صغر الدّنيا في عينه..
وكان لا يشكو وجعا إلاّ عند بُرئه..»[7].
ولا بدَّ من الإشارة إلى أنّ العقيدة في الوقت الذي تبدّد غيوم المخاوف في نفس
الإنسان، تنمّي فيه شعور الخوف من اللّه تعالى وحده باعتباره السبيل للتحرّز من
جميع المخاوف، وتحذّر من عصيانه، وتلوّح بشدّة انتقامه، والقرآن الكريم في آيات
كثيرة يعمّق من شعور النفس بالخوف من اللّه تعالى، منها: (قُل إنّي أخافُ إن عصَيتُ
ربي عذابَ يومٍ عظيمٍ)[8]. وقال تعالى: (وأمّا من خافَ مقامَ ربِّهِ ونهى النَّفسَ
عَنِ الهوى * فإنَّ الجنَّة هي المأوى)[9].
وقال رسول اللّه (ص): «ما سلط اللّه على ابن آدم إلاّ من خافه ابن آدم، ولو أنّ ابن
آدم لم يخف إلاّ اللّه ما سلّط اللّه عليه غيره..»[10].
وقال (ص) أيضا: «طوبى لمن شغله خوف اللّه عن خوف الناس»[11].
وبطبيعة الحال إنّ لهذا النوع من الخوف آثارا تربوية مهمة تعود لصالح الفرد، وفي
هذا الصدد، يقول الإمام الصادق (ع): «من عرف اللّه خاف اللّه، ومن خاف اللّه سخت
نفسه عن الدنيا»[12].
وتترتب عليه آثار اجتماعية أيضا حيثُ إنّه يدفع الفرد إلى مدِّ يدِّ العون إلى
الآخرين، قال تعالى: «ويُطعمونَ الطعامَ على حُبّهِ مسكِينا ويتِيما وأسيرا *
إنَّما نُطعمكُم لوجهِ اللّه لا نُريدُ منكُم جزآءً ولا شُكورا * إنّا نخافُ مِنْ
ربّنا يوما عبُوسا قمطريرا»[13].
وصفوة القول، لقد غيرت العقيدة النفوس، وفتحت لها آفاقا واسعة بتحريرها من مخاوفها،
كما أوصلت حبلها بخالقها، وأشعرتها بنعمائه، وخوفتها من أليم عقابه.
* الأستاذ عباس ذهبيات – بتصرف يسير
[1] نهج البلاغة: 551
حكم 426.
[2] ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق: 228 ـ مكتبة الصدوق ـ طهران.
[3] ثواب الأعمال، للشيخ الصدوق: 230.
[4] كتاب التوحيد، للصدوق: 400 ـ مؤسسة النشر الإسلامي ـ قم.
[5] ثواب الأعمال، للصدوق: 229 باب ثواب المرض.
[6] البداية والنهاية، لابن الأثيرالدمشقي 1: 254 / 1 ـ دار احياء التراث العربي
1408 ط 1.
[7] نهج البلاغة، صبحي الصالح: 526.
[8] الانعام 6: 15.
[9] النازعات 79: 40 ـ 41.
[10] كنز العمال 3: 148 / 5909.
[11] تحف العقول، لابن شعبة الحرّاني: 28 ـ مؤسسة الاعلمي ط5.
[12] اُصول الكافي 2: 68 / 4 باب الخوف والرجاء.
[13] الإنسان 76: 8 ـ 10.