الرّياء لغة: مصدر باب المفاعلة من رأي، فهو والمراءاة بمعنى: إراءة الشيء للغير على خلاف واقعه: كإراءة أنّ صلاته وصيامه لله، وليس كذلك. ويقع غالبا في الأفعال الحسنة لطلب المنزلة عند الناس. فالمرائي اسم فاعل، هو العامل كذلك والمرائى له اسم مفعول من يطلب جلب قلبه، والمرائى به هو: العمل والرياء قصد إظهار ذلك.

والمرائى به تارة يكون من حالات البدن: كإظهار الحزن والضعف والتحوّل ونحوها، وأخرى من قبيل الزّي: كالهيئة وكيفية الشّعر واللباس، وثالثة من قبيل القول والكتابة ونحوهما، ورابعةً من قبيل العمل، وخامسة من قبيل الرفقة والاصحاب والزائرين والمزورين وغيرهم فجميع ذلك ممّا يمكن للانسان الرياء فيها.

وأيضا الرياء يكون تارة في اصول العقائد: كالرياء في أصل إظهار الإيمان فيكون صاحبه منافقا كافرا في الباطن متظاهرا بالاسلام، وهو أشدّ من الكفر في الظاهر والواقع. وأخرى في أصول العبادات: كإتيان الواجبات ظاهرا مع تركها في الباطن. وثالثة في العبادات المندوبة ِ: كالنوافل وقراءة القرآن والأدعية. رابعة في أوصاف العبادات: كالإسراع اليها، وحضور الأمكنة المتبرّكة، وتحرّي الأزمنة الشريفة، والحضور في الاجتماعات.

ثم إنه يترتّب على العمل المأتيّ به رياءً في الجملة آثار، ويتّصف بعناوين كونه كذباً وتلبيسا واستهزاءً وإشراكاً لله تعالى وباطلاً، فإن إراءة ما لغير الله لله تعالى، كذب عمليّ، والتخييل إلى الناس بأنه مطيع لله مخلص له تلبيس لهم ومكر، وإراءة عمل الناس إليهم بدعوى أنه من الله مع وقوعه بمرئى من الله ومنظر منه استهزاء.

وجعل ظاهر عمل واحد لله وباطنه للناس إشراك لغيره معه، وبهذا المعنى يكون كلّ رياء شركا كما سيأتي، ولا إشكال في اتّصاف هذا النحو من العمل بالبطلان في أكثر مصاديقه وتفصيل ذلك في الفقه.

ثمّ إنّ اعتياد الانسان بالرياء في عمله وتخلّقه بذلك من أقبح صفات النفس وملكاته، بل لا صفة أقبح من بعض مصاديقه.

وقد ورد في تحريمه وذمّه آيات: كقوله تعالى في وصف المنافقين: (وإذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يراؤون النّاس ولا يذكرون الله إلاّ قليلا)[1]، وقال: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس)[2]، وقال: (الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون)[3]

وقد ورد في نصوص أهل البيت: أنه: إيّاك والرياء، فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى من عمل له[4].

وأنه: اجعلوا أمركم هذا لله، ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله[5].

وأن كل رياء شرك[6].

وأن الرياء هو الشرك الأصغر[7].

وأنه: من عمل للناس كان ثوابه على الناس، ومن عمل لله كان ثوابه على الله[8].

وأنه: ما عمل أحد عملاً إلا رداه الله به، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً[9] (رداه به أي: جعله رداء له، وهو تشبيه أي: أن الله يظهر أثره للناس كالثوب الجميل والقبيح، أو يجعله رداء روحه أو رداءه يوم القيامة).

وأن الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به، فإذا صعد بحسناته يقول الله: اجعلوها في سجين، إنه ليس إياي أراد به[10].

وأنه للمرائي ثلاث علامات: ينشط إذا رأى الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويحب أن يحمد في جميع أموره[11].

وأن الله تعالى قال: «أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل عمله، لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً»[12].

وأنه: من أظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما كرهه لقي الله وهو ماقت له[13].

وأنه: ما يصنع أحدكم أن يظهر حسناً ويسر سيئاً، أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ذلك ليس كذلك[14] والله يقول: (بل الإنسان على نفسه بصيرة)[15].

وأن أيما عبد أسر شراً لم تذهب الأيام حتى يظهر له شراً[16].

ومن أراد الله بالقليل من عمله أظهره الله له أكثر مما أراد، ومن أراد الناس بالكثير من عمله أبى الله إلا أن يقلله في أعين الناس[17].

وأن الإبقاء على العمل أشد من العمل، وهو: أن ينفق نفقة لله فتكتب له سراً، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى وتكتب له رياء[18] (والإبقاء على العمل: شدة المحافظة عليه حتى لا يذهب بتكرار ذكره أو بحسد أو عجب أو غيبة الناس).

وأن من عمل لغير الله وكله الله إلى عمله[19].

وأنه: لو عمل خيراً فرآه إنسان فسر بذلك لا يكون رياء إذا لم يكن صنع ذلك لذلك[20].

وأن المرائي يخادع الله، يعمل بما أمره ثم يريد به غيره، فاتقوا الله واجتنبوا الرياء، فإنه شرك بالله. إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر، يا فاجر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، وبطل أجرك، ولا خلاق لك اليوم[21].

وأن أحدكم إذا أتاه الشيطان وهو في صلاته فقال: إنك مراء فليطل صلاته ما بداله[22].

وأن الشرك المنهي في قوله تعالى: (ولا يشرك بعبادة ربه أحداً)[23] شرك رياء[24].

وأن الاشتهار بالعبادة يبة[25].

وأنه: سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسن فيه علانيتهم طمعاً في الدنيا، يكون دينهم رياء لا يخالطهم خوف، يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم[26].

وأن الله يقول: «أنا خير شريك، من عمل لي ولغيري فهو لمن عمل له غيري»[27].

وأن الرياء من قلة العقل، فإنه يعمل ما فيه رضا الله لغير الله، فلو أنه أخلصه لله لجاءه الذي يريد في أسرع من ذلك[28].

وأن جب الخزي واد في جهنم أعد للمرائين[29].

وأن النجاة أن لا يعمل العبد بطاعة يريد بها الناس[30].
 
آية الله الشيخ علي مشكيني - بتصرف

^{[1] النساء: 142.
[2] البقرة: 264.
[3] الماعون: 6ـ 7.
[4] الكافي: ج2، ص293 ـ الوافي: ج5، ص853 ـ بحار الأنوار: ج72، ص266.
[5] الكافي: ج2، ص293 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص52 وج11، ص450 ـ بحار الأنوار: ج5، ص207 وج68، ص209 وج72، ص281.
[6] الكافي: ج2، ص293 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص52 ـ بحار الأنوار: ج72، ص281.
[7] المحجة البيضاء: ج6، ص140 ـ بحار الأنوار: ج72، ص266 ـ مرآة العقول: ج10، ص87.
[8] الكافي: ج2، ص293 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص52 ـ بحار الأنوار: ج72، ص281.
[9] الكافي: ج2، ص284 ـ بحار الأنوار: ج72، ص284 ـ مشكوة الأنوار في غرر الأخبار: ص311.
[10] الكافي: ج2، ص294 ـ بحار الأنوار: ج72، ص287.
[11] الكافي: ج2، ص295 ـ المحجة البيضاء: ج6، ص144 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص54 ـ بحار الأنوار: ج72، ص206 و288.
[12] الكافي: ج2، ص295 ـ بحار الأنوار: ج72، ص288.
[13] الكافي: ج2، ص295 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص47 ـ بحار الأنوار: ج71، ص366 وج72، ص288.
[14] الكافي: ج2، ص295 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص47 ـ بحار الأنوار: ج7، ص87 وج71، ص368 وج72 وص289.
[15] القيامة: 14.
[16] الكافي: ج2، ص296 ـ بحار الأنوار: ج72، ص288.
[17] الكافي: ج2، بحار الأنوار: ج72، ص290.
[18] وسائل الشيعة: ج1، ص43 ـ بحار الأنوار: ج70، ص233 ـ مرآة العقول: ج7، ص80.
[19] الكافي: ج2، ص297 ـ بحار الأنوار: ج72، ص292 ـ التنبيهات العلية: ص149.
[20] الكافي: ج2، ص297 ـ بحار الأنوار: ج72، ص294.
[21] المحجة البيضاء: ج8، ص129 ـ بحار الأنوار: ج72، ص295.
[22] بحار الأنوار: ج72، ص295.
[23] الكهف: 110.
[24] بحار الأنوار: ج72، ص297.
[25] معاني الأخبار: ص195 ـ من لا يحضره الفقيه: ج4، ص394 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص59 ـ بحار الأنوار: ج72، ص297، ص297 وج77، ص112.
[26] الكافي: ج2، ص296 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص47 ـ بحار الأنوار: ج72، 290.
[27] المحجة البيضاء: ج6، ص144 ـ وسائل الشيعة: ج1، ص53 ـ بحار الأنوار: ج72، ص299 ـ نور الثقلين: ج3، ص317.
[28] بحار الأنوار: ج72، ص299.
[29] بحار الأنوار: ج72، ص303.
[30] بحار الأنوار: ج72، ص304.}