الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات
كلمة الامام الخامنئي في لقائه حشدًا من أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى انتقاضة 19 دي
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق
كلمة الامام الخامنئي في لقائه حش

كلمة الامام الخامنئي في لقائه حشدًا من أهالي مدينة قم بمناسبة ذكرى انتقاضة 19 دي 9/1/2019

الحظر الذي لم يشهد التاريخ مثيلا له، سيمنى بهزيمة لا مثيل لها

محاور رئيسية
• لا تزال أميركا على حساباتها الخاطئة تجاه إيران
• عداء أميركا لإيران قضية هويات ومبادئ متناقضة

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين المطهرين، لا سيما بقية الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

أرحّب بكم كثيراً أيها الإخوة الأعزاء والأخوات العزيزات، أهالي قم الأعزّاء، والفضلاء المحترمون من الحوزة العلمية المبرّزة في قم. الحقيقة أنّ اجتماعكم واللقاء بكم ويومكم [هذا] هو مبعث أمل ونشاط وحيوية، ومفيد للدروس والعبر طوال هذه الأعوام المتمادية.

قم مدينة الثورة وأم الثورة
إنّ مناسبة يوم التاسع عشر من دي ليست لمجرد تعظيم أهالي قم وتكريمهم وتمجيدهم، مع أنّ هذا الأمر مناسب وفي محلّه حقاً، فيجب حقاً تمجيد أهالي قم وشباب قم الذين أطلقوا هذه الحركة العظيمة وأوجدوا هذا التحوّل والمنعطف التاريخي الذي لن يُنسى أبداً. هذا ممّا لا شك فيه. قم هي المكان الذي تحوّل إلى نبع لنهر هادر بالحركة ومقدمة لبحر الثورة المتلاطم وهذا لم يكن بالشيء القليل. فقم مدينة الثورة، ومركز الثورة، وأمّ الثورة.

• التنبه لمحاولات الأعداء إخراج قم من مركزية الثورة

وطبعاً، أقولها هنا بين قوسين: إنّ هناك دوافع وحوافز لتغيير الأجواء الثورية في قم وإضعاف الروح الثورية والدينية فيها. ثمة دوافع بهذا الاتجاه. لا ينبغي الغفلة عن كيد العدوّ في كافّة الجوانب والأبعاد، ومنها الجانب الاقتصادي حيث يمارس العدوّ كيده ومكره. كما لا ينبغي الغفلة عن كيد العدوّ ومكره في الجانب الثقافي. فأعداؤنا يعملون، ولديهم دوافعهم ومحفزاتهم، ويرسلون العملاء. لذا ينبغي الالتفات إلى هذه الأمور. على أكابر قم وشبابها أن لا يسمحوا للأيدي الخائنة بإخراج قم من مركزية الثورة ومن كونها قطب الثورة، وإضعاف هذه المعاني والمفاهيم فيها. فقم، على كلّ حال، ذلك النبع الرئيس وحوزتها العلمية هي الداعم المعنوي لهذه الحركة التي غيرت العالم وهزّته، ولا تزال هذه الحركة مستمرّة، ولا نزال في بداية الطريق.

التاسع عشر من دي وأحد الدروس المستفادة
إذاً، يوم التاسع عشر من دي هو يوم مناسب لتكريم أهالي قم وإجلالهم. إنّه فرصة مناسبة [لذلك] لكنّ الأمر لا يقتصر على هذا، فالتاسع عشر من دي يحوي دروساً لحاضرنا. وسوف أعرض هنا، لجانب مختصر ممّا يبدو لي أنّ بالمستطاع دراسته وبحثه والتحقيق فيه ضمن إطار هذه الحركة. لينتبه الشباب؛ على الشباب خصوصاً أن ينتبهوا ويلتفتوا إلى هذه الحقائق، لأنّ العمل على عاتقكم أنتم الشباب. والمستقبل لكم أنتم الشباب.

مسار
أ ــ حسابات أميركا وتقديراتها الخاطئة للوضع في إيران
في العاشر من شهر دي سنة 56 [31/12/1977م] جاء رئيس جمهورية أمريكا إلى طهران وألقى خطبة غرّاء في تمجيد كاذب ومبالغ فيه لمحمد رضا. وقال في خطبته الغرّاء تلك إنّ «إيران هي جزيرة الاستقرار»، بأي معنى؟ بمعنى أن أمريكا مطمئنة ومرتاحة البال إزاء إيران التابعة لها والمسؤولين الإيرانيين العاملين كخدم لها. هنا جزيرة الاستقرار ـ هذا الكلام كان في العاشر من شهر دي ـ ولم تمض عشرة أيام حتى وقعت حادثة قم، حيث انتفض أهاليها في التاسع عشر من شهر دي وتحرّكوا ونزلوا إلى الميدان بأرواحهم وأجسادهم ضد ذلك النظام الظالم العميل الفاسد.

هذه هي أجهزة الحسابات الأمريكية والغربية، لاحظوا هذه النقطة. الغربيّون أنفسهم والأمريكان أنفسهم يتباهون بقدراتهم الحسابية وبقدرتهم على التحليل وباستشرافهم للمستقبل، وهنا أيضاً ثمة جماعة من المتأثرين بالغرب والمتأثرين بأمريكا يسلّمون بقدرة أمريكا على الحسابات والتخمين ويردّدون «هكذا قال الأمريكان، وهكذا قال العالم الفلاني الأمريكي. ومركز الدراسات الأمريكي الفلاني هكذا يقول. وهكذا يعرّف العالَم وهكذا يتصوّر المستقبل». إنّ قدرة أمريكا على الحسابات هي بأن يقولوا «هنا جزيرة الاستقرار»، ويتبيّن بعد أقلّ من عشرة أيام، ما معنى جزيرة الاستقرار. حيث [تحدث] انتفاضة قم، وبعدها انتفاضة أهالي تبريز، ثم الحركة الهائلة ثم طوفان الثورة الإسلامية الذي قلب كلّ شيء [ثمّ] القضاء على النظام البهلوي العميل التابع الطاغوتي (1).

• حساباتهم الخاطئة تجاه إيران لا تزال هي هي
هذه القدرة على الحسابات لا تزال بهذا النحو إلى يومنا هذا. قبل مدّة صرّح أحد المسؤولين الأمريكيّين(2) في جمع من الأوباش والإرهابيّين: الأمل بأن نحتفل بعيد الميلاد للعام 2019م ـ الذي صادف مروره قبل أيّام ـ في طهران! هذه هي تلك القدرة على الحسابات، وهؤلاء هم أولئك الأشخاص أنفسهم. حساباتهم تقتضي أن يكون لهم مثل هذا الأمل، مثل أمل صدام حسين الذي أراد أن يصل إلى طهران في غضون أسبوع، ومثل أمل مرتزقتهم الآخرين المنافقين بأن يسيروا من كرمانشاه فيصلوا مباشرة خلال ثلاثة أيام إلى طهران. هذه هي حساباتهم! هذه هي قدرة العدوّ على الحسابات. بعض المسؤولين الأمريكيّين يتظاهرون بالجنون ـ وأنا حتماً لا أوافق على ذلك ـ لكنّهم حقيقة حمقى من الدرجة الأولى!

ب ــ شتان بين نموذجي التحليل الليبرالي والتوحيدي
لقد أظهرت انتفاضة أهالي قم اصطفافاً لجهازين من أجهزة الحسابات، وتقابلاً لنظامين معرفيين، ولنموذجين تحليليّين يقف أحدهما مقابل الآخر: أحدهما النظام المعرفي الغربي الليبرالي الديمقراطي المتخبّط، والثاني النظام المعرفي التوحيدي الإسلامي. [نعم] أظهرت تقابل جهازين للتخمين والتقويم والحسابات: ذلك الجهاز الحسابي الذي يرى إيران بتلك الصورة، وبتلك الحسابات الأولى للأمريكان، فرض مجلس الشيوخ الأمريكي الحظر على إيران في الشهور الأولى بعد انتصار الثورة، وتصوّروا بأنّ الثورة الإسلاميّة سوف تندثر بعد خمسة أشهر أو ستة أشهر. هذه هي حساباتهم. وجهاز حسابات النظام الإسلامي هذا، حيث قال الإمام الخميني الجليل «إنني أسمع صوت تحطّم عظام الماركسية» (3) وبعد سنة أو سنتين سمع العالم كلّه صوت تحطّم تلك العظام، هذه هي القضية. لقد وقف الغرب أمام مثل هذه الظاهرة؛ ظاهرة الثورة الإسلامية. ففي جانب، كمٌّ هائل من الأدوات المادية المبهرة: العسكرية والسياسية والمالية وما إلى ذلك. وفي الجانب الآخر قوة معرفية وحضارية حديثة الظهور، متحفّزة مفعمة بالنشاط والحركة، مستشرفة للمستقبل، تعلم ما ستفعل، وتعلم ما ينبغي أن تفعل، وإلى أين تريد أن تصل، هذان يقفان مقابل بعضهما البعض.

عداء أميركا لإيران قضية هويات ومبادئ متناقضة
إنّ عداء النظام الاستكباري الغربي والأمريكي لهذه الظاهرة الحديثة الصاعدة حالة طبيعية؛ فلا يتعجّبنّ البعض. البعض برأيي يتظاهر بعدم الفهم ـ وربما كان الأمر على نحو آخر ـ ويقول "لماذا صرّحتم التصريح الفلاني فاستجلبتم عداء أميركا". إنّهم يتصوّرون بأن عداء أمريكا سببه التصريح الفلاني للإمام الخميني أو للمسؤول الفلاني الذي أسيئ فيه لأمريكا. ليست هذه هي القضية. القضية في شيء آخر، وهي أعمق من هذا. منذ أربعين عاماً وهذه القوة الشابة تسير وتتحرّك وتنمو يوماً بعد يوم، وتكبر وتزداد صلابة وقوة واقتداراً. وهم يرون هذا أمام أعينهم. بظهور هذه القوة المعنوية الحديثة المجدّة المتحفزة، وبظهور هذه الظاهرة المعنوية العجيبة التي لم يكن العالم يعرفها، تصدعت القوة الظاهرية للاستكبار. وطوال هذه الأربعين عاماً، كان هذا الصدع يزداد عمقاً. إنّ أثرى حكومات العالم هي اليوم أكثر الحكومات مديونيّة ومعاناةً للمشاكل. وهل هذه مزحة؟ هذه هي النقاط التي ينبغي على شبابنا التركيز عليها. ليست القضية قضية اصطفافات كلاميّة بين هذا المسؤول وذاك المسؤول. إنّما القضية قضية الهويات والحركات والمبادئ ووضع المستقبل.

طبعاً لقد تلقوا ضربة وصفعة. بالدرجة الأولى لأنّ لقمة إيران الدسمة الشهية قد خرجت من أيديهم. فإيران ليس البلد الفلاني الأفريقي النائي أو أحد بلدان أمريكا اللاتينية أو غير ذلك. إيران تقع في قمّة الموقع الاستراتيجي الجغرافي في العالم. هي مركز مهم جداً، لا تضاهيه أيّ منطقة جغرافية في غرب آسيا وفي هذه المنطقة أهمّيّة. وقلّما يوجد بلد مثل إيران يحوي مثل هذه الثروات المادية والقدرات المتنوعة. وهذا ما يقرّون به هم أنفسهم. قبل أيام، ولكي تسيء لي إحدى المؤسسات الغربيّة، أعلنت واعترفت بأن إيران هي البلد الخامس الأثرى في العالم. كلامها هذا صحيح. وهكذا هي إيران؛ فإمكانياتنا وطاقاتنا استثنائية. وقد خسروا هذه اللقمة الدسمة الشهية. وهذا هو أول أسباب غضبهم، وحتماً هو لا يزال مستمرّاً.

أ ــ إيران الإسلامية شكلت سدا منيعا بوجه طغيانها وظلمها
أمّا القضية الأساسيّة فهي قضية المواجهة بين حركتين؛ والتقابل بين الحق والباطل: "جاءَ الْحَقُّ وَ ما يبْدِئُ الْباطِلُ وَما يعيد" (4)، هذه الآية التي تلاها القارئ المحترم الآن. فعندما يأتي الحقّ، سوف يرتعد الباطل بشكل طبيعي. هؤلاء مستكبرون ومستعمرون يتنفّسون ويتغذّون على دماء الشعوب، وقد ظهرت الآن قوة في العالم تعارض هذه الظاهرة الظالمة، ولا تخضع لها، وتوصل صوتها ما استطاعت إلى أسماع الشعوب، وقد كانت موفّقة ناجحة إلى الآن. لقد كنّا طوال هذه الأعوام الأربعين وإلى الآن موفّقين. لاحظوا في أيّ البلدان يرتفع شعار "الموت لأمريكا" بين الشعوب؟ هذا شيء لا سابقة له. إنّ الحركة العظيمة للشعب الإيراني تخيفهم، وتخيف أصحاب النفوذ الماديّين الظلمة والجائرين، وترعب الشركات الدولية المصّاصة لدماء الشعوب؛ فهم يرون أنّهم وصلوا إلى نهاية الطريق. نعم، الفجوات المعنوية في الحضارات لا تفصح عن نفسها بسرعة. نعم، لقد قام الغرب بحركة ما، قام بحركة صناعية، واكتسب العلم والثروة، وسيطر على العالم وأثار الضجيج. لكن تلك الثغرة الأصلية والأساسية، وهي الثغرة المعنويّة في داخله، تفعل فعلها فيه كالأرضة. غاية الأمر أنّها لا تعبر عن نفسها بسرعة، وفي بعض الحالات تظهر بعد قرون من الزمن. وقد بدأت الآن بالتعبير عن نفسها... انظروا إلى أوروبا، فأمريكا بشكل، وأوروبا بشكل آخر، والبلدان التابعة لهما بشكل. ثمّ يأتي في مثل هذا العالم، الإسلام، و"حاكمية الشعب الإسلامية"، والحركة الإسلامية، والحضارة الإسلامية، وبالاستفادة من الإمكانيات الموجودة في العالم اليوم، والأدوات المتوافرة فيه، يزداد نمواً وازدهاراً يوماً بعد يوم. هذا شيء مخيف ومرعب بالنسبة إليهم، ومن الطبيعي أن يعادوه.

حسنًا، ثمة نقطتان هنا: إحداهما هي سبب هذا العداء التي أشرنا إليه، لا ينبغي تبسيط الأمور وتسطيح الأفكار. إنّ سبب العداء هو ماهية هذه الحركة العظيمة وطبيعتها... سبب العداء هو شجاعة الشعب الإيراني وتضحياته ووفاؤه... والتزام الجمهورية الإسلامية بالأسس الرئيسة للثورة، وهو التزام حصل بشكل كامل إلى الآن. هذا هو سبب العداء. سبب العداء هو أنّ الجمهورية الإسلامية تثبت [يوماً فيوماً] أنّها حضارة صاعدة وفي حال النموّ والرشد، وإذا حقّقت مقاصدها فإنّها بتوفيق الله وعونه، ستقضي على حالة الظلم والاستكبار والاستعمار التي تمارسها الحكومات الغربية. هذه هي أسباب العداء.

• الشعوب لا تعادي إيران

الشعوب لا تعادي إيران، والشعوب الغربية أيضاً لا تعاديها. قد تبثّ بعض الدعايات فتخوّف من الإسلام في موضع ما، وتخوّف من إيران في موضع آخر، وتخوّف من الشيعة في موضع ثالث. لكن في المواطن التي تتضّح فيها الحقيقة للناس، فإنّ الشعوب ليس فقط لا تعادي الجمهورية الإسلامية، بل تبارك مثل هذه التحركات، وتهواها وتدعمها. العدوّ هو الطغاة الظلمة وفراعنة العالم. وكما كان فرعون يعادي موسى وهو يعلم أنّه على حق ـ والقرآن يصرّح بأنه كان يعلم أن موسى على حق لكنّه كان يعاديه ـ فقد قال الله تعالى لموسى: «لا تَخافا إِنَّني مَعَكما أَسمَعُ وَ أَرىٰ» (5). أنا معكما فاذهبا وابدآ حركتكما وواصلاها. نعم، إنّ فرعون متربّع على عرش السلطة والقوة، وهذا شيء مرعب ومخيف، لكن اذهبا ونفّذا مهمتكما «إِنَّني مَعَكما أَسمَعُ وَ أَرىٰ». وهذا هو بالضبط الخطاب الموجّه اليوم للشعب الإيراني. إذاً، هذا هو سبب العداء.

ب ــ مآل عدائها لنا نصرنا عليها
النقطة الثانية هي: ما هي نتيجة هذا العداء؟ نتيجته هي أنّ كلّ من كان الله معه فهو المنتصر، فالقوة هي للذات الإلهية المقدسة. إذا كنّا نحن مع الله، وسرنا في طريق الله، فسيكون الانتصار حليفنا مئة في المئة، وهذا ممّا لا شك فيه أبداً. لقد قصّرنا في بعض المواضع، ولم نحقّق النصر طبعاً. كان هذا نتيجة تقصيرنا نحن، وبفعل سوء أدائنا. وفي أيّ موطن نتصرّف فيه بشكل صحيح، ونتحرّك ونعمل فيه بطريقة صائبة ـ المسؤولون بنحو، والشعب بنحو ـ وتكون فيه الحركة حركة صحيحة، عندها سيساعدنا الله تعالى بلا شك: "وَلَينصُرَنَّ اللهُ مَن ينصُرُه" (6). لا شك في هذا.

نحن اليوم نشهد تحقق مقدمات حضارتنا المنشودة
حسنٌ، لقد مضت أربعون سنة؛ وأربعون سنة ليست بالزمن الكثير، بالنسبة إلى أعمار الحضارات. الأربعون سنة بداية عهد البلوغ والحركة الفكرية. وسنّ الأربعين ليس سن الشيخوخة بل فترة الازدهار. وهذا الازدهار سيتحقق إن شاء الله. والمرء يشاهد مقدّمات هذا الازدهار وعلاماته. الإيمان الديني في بلادنا اليوم جيد والحمد لله، والعزيمة الراسخة بين أبناء شعبنا جيدة، ومشاركة الشعب وحضوره وجاهزيته جيدة، والشباب المؤمن وأصحاب العزيمة الراسخة ليسوا بقلّة بل هم كثر؛ وأنا أعرف. بالطبع لا أعرفهم كلّهم، لكن يوجد في أنحاء البلاد آلاف الشباب يعكفون على الأعمال العميقة والأعمال الفكرية: شباب علماء، أصحاب عزم راسخ؛ يعملون بدأب على البناء والإنتاج والابتكار والإبداع والتجديد في كلّ أرجاء البلاد. هؤلاء هم صنّاع المستقبل. إيمانهم حسن ومتين، وتوكلهم على درجة عالية وثقتهم بالله كبيرة، وأملهم بالمستقبل المشرق، وبصيرتهم حسنة. وهؤلاء موجودون بين الناس وهم ليسوا بقلّة. وحين قلت آلاف الأشخاص قصدت أولئك الذين هم في دائرة علاقاتي ومعرفتي. لكن يوجد عشرات أضعاف هؤلاء. شبابنا جاهزون مستعدّون. وأساس كلّ هذه الأمور هو لطف الله تعالى وفيضه. ولو لم يشأ الله تعالي لهذا الأمر أن يتطور ويسير قدماً لما مهّد له هذه المقدمات. لقد استنتج الإمام الخميني الجليل في فترة من الفترات ـ ولا أتذكر التفاصيل للأسف ـ من إنجاز عمل ما وتحقّقه بسهولة، أنّ الله تعالى أراد لهذا العمل أن يتمّ وينجَز: «اِذا أرادَ اللهُ شَيئاً هَيأ أسبابَه‌". فإن توافّرت مقدّمات الأمر فواضح أنّ الله تعالى أراد لهذا الأمر أن يتحقّق ويتمّ. ومقدمات الأمر هي قيام الثورة وتأسيس الجمهورية الإسلامية وتشكيل النظام الإسلامي، هذه هي مقدّمات الأمر لقيام تلك الحضارة الإسلامية المتناسبة وهذا العصر والقرن. هذه هي المقدمات التي هيّأها الله تعالى لنصل إلى هناك، وسوف نصل إن شاء الله.

توجيهات للمسؤولين وللناس
حسنا، لدي خطابان: الخطاب الأوّل للمسؤولين ورجال الدولة وما شاكل، والثاني لشعبنا العزيز.

واجبات منتظرة من المسؤولين
أ ــ محاذرة النزعة الأرستقراطية ومجانبة الإسراف
أقول لرجال الدولة والحكومة أوّلاً: اعرفوا قدر مواقعكم ومسؤوليّاتكم. فأن تكونوا مشغولين في المسؤولية الفلانية لهو نعمة إلهية كبيرة. أن يستطيع الإنسان تولّي مسؤولية معينة والعمل من أجل مثل هذه الأهداف، ولمثل هذا الشعب، ولمثل هذا البلد، فهذه نعمة كبيرة من الله؛ عليهم أن يعرفوا أهمّيتها ويشكروها.

ثانياً، عليهم العمل بلوازم هذه النعمة الكبيرة، وليحذروا من الميل نحو السلوكات الخاطئة، ونحو النزعة الأرستقراطية والإسراف، ونحو تلك الحالة الشائعة بين الساسة الطواغيت. هذا هو واجب ساستنا. الطريق طريق الإسلام والحكومة الإسلامية. إننا لا نستطيع العمل مثل أمير المؤمنين، لكن يمكننا أن نعرّفه [نعرف عمله] كنهج ومسار، ونعلم أنه يمكن السير بذلك الاتجاه. فيجب السير في ظل ذلك الطريق.

ب ــ السير في الطريق الصحيح بشجاعة وعقلانية
الشجاعة والعقلانية. هما أيضاً واجبان آخران من واجبات المسؤولين. فعليهم أن يكونوا شجعاناً ولا يتراجعوا أمام تهويلات وصراخات هذا وذاك. ولا يتخلوا عمّا هو صائب، وعمّا ينبغي أن يقوموا به، مقابل أراجيف وترّهات هؤلاء الساسة الأمريكان والأوروبيين وغيرهم. ولكم أن تلاحظوا كم يطلقون من ترّهات، كلامهم أحياناً يكون ككلام المهرجين حقّاً. يريد أحد الساسة الأمريكيّين إثارة الضجيج واللغط حولنا في العالم [بحسب ما يتوهم]، فيأتي ويقول: "إنّ على إيران أن تتعلّم حقوق الإنسان من العربية السعودية"! ما الذي يمكن أن يقوله المرء عن مثل هذا الإنسان؟ وهل يمكن أن يُطلق عليه سوى المهرج؟ هل يمكن أن ننعته بنعت أخر؟ هذا الشخص وأمثاله لا اعتبار لتهديداتهم ولا لوعودهم ولا لكلامهم ولا لتوقيعاتهم. لا ينبغي الاكتراث لهؤلاء، بل ينبغي السير في الطريق الصحيح بشجاعة، وكذلك بعقلانية، فلا يمكن السير اعتماداً على المشاعر والأحاسيس. وإدارة البلاد غير ممكنة بالمشاعر والأحاسيس الصرفة. المشاعر والأحاسيس ضرورية جداً، لكن بما هي داعم وظهير للعقلانية. علينا أن نختار الطريق بعقلانية، ونتقدّم انطلاقاً من الدوافع والأحاسيس.

ج ــ لتقدير طاقات الشباب واستثمارها
واجب آخر ينبغي على مسؤولينا الالتفات إليه هو تقدير الإمكانات الداخلية في البلاد وتثمينها، ومعرفة هذه الإمكانات والطاقات. الكثير من هذه الطاقات عندما لا نعرفها ستتوقف وتعطل. وذلك كما حصل ـ للأسف ـ مثل هذا الشيء فعلاً؛ فلم نعرف الكثير من الإمكانات. ومن جملة هذه الإمكانات والطاقات هؤلاء الشباب الصالحون. ثمّة عُقد تعترض أعمال بعض المسؤولين في بعض أقسام المؤسّسات الحكومية والرسميّة الكبيرة، يمكن لهؤلاء الشباب أن يحلّوها ويفكّوها، سواء بأنامل أفكارهم الشابة النيّرة، أو بأنامل عملهم وجهودهم. فليعرفوا قدر الشباب وليرجعوا إليهم، وليستفيدوا من آرائهم. وغالباً ما كان التوفيق حليفنا في المواطن التي استفدنا فيها من آرائهم وانتفعنا بها. ليعرفوا قدر الشباب، وقدر طموحاتهم العالية. الشباب طموحون؛ لا إشكال في ذلك. هذه الطموحات هي التي تتقدم بالشعب إلى الأمام وتحول دون مراوحته مكانه وتوقفه. ولا يهابوا ضجيج الغربيين وضوضاءهم.

د ــ لجعل معيشة الناس أولويتكم الأساس
وليولوا اهتمامًا خاصّاً لمعيشة الناس، فهذا هو العمل الأهمّ والأولوية الأساس في الوقت الحاضر، لأنّ العدوّ يركز على هذا الجانب وعلى معيشة الطبقات الفقيرة. والمشكلات التي تعرض للطبقات الفقيرة في معيشتها هي من أهم الأعمال التي ينبغي للمسؤولين في البلاد، وخاصّة المسؤولين الحكوميين، التصدّي لها. وهذه من أهم الأعمال والواجبات. قد تكون المصادر والوسائل الداخليّة قليلة، لكن المرء يشاهد في داخل البلاد أفراداً وتيارات تبتلع هذه المصادر والوسائل بشكل ظالم. هذه السمسرة والاحتكار في الأمور المادية وفي التجارة وغير ذلك تحول دون تقدم البلاد. إننا نؤكد دائماً على الإنتاج الداخلي، [قد نرى] السمسار الفلاني المستورد، ولأنّ الأمر يتعارض مع مصالحه، يذهب ويعرقل الأمر بطرق شتى، ويرى المرء أن العمل لا يؤتي ثماره. والاهتمام بمعيشة الناس لا يكون فقط بأن نوزع الأموال عليهم. فمن الأعمال المهمة [في هذا المجال] النظر إلى هذه القطاعات المضرة والخطيرة ومنعها. وهذا ما ذكرنا به مسؤولي البلاد بخصوصياته، وأحياناً بتفاصيله في جلسات العمل، وأكدناه عليهم، ونؤكد عليهم مرة أخرى. هذا خطابنا للمسؤولين.

المأمول من الناس:
أ ــ مساعدة المسؤولين والتعاون معهم
أما خطابنا للناس فأولاً، يجب على أبناء الشعب العزيز أن يساعدوا المسؤولين، الكلّ يجب أن يساعدوا. إذا طُرح موضوع تقوية الإنتاج الداخلي والبضائع الوطنيّة فجزء مهم من هذا الموضوع يتعلق بالناس. فمنتج البضاعة الوطنيّة ومستهلكها وبائعها وصاحب المحل التجاري الذي يبيع البضاعة الوطنيّة، هؤلاء كلّهم يمكنهم أن يؤثروا. [كما أنّ] جودة الإنتاج وطريقة التوزيع من الأمور المهمة. لقد أعلنا هذا العام عام "إنتاج البضائع الإيرانية" والتأكيد على البضائع الإيرانية. والآن نحن في أواخر العام؛ فكم عُمل على هذا الموضوع؟ حتماً، لقد أُنجزت بعض الأعمال، لكن كم تقدّمنا إلى الأمام؟ ينبغي أن نتقدّم في هذه المجالات. يمكن للناس أن يساعدوا في هذا المجال، ويمكنهم التعاون فيما يتعلّق بأعمال الخير.

ب ــ الصمود أمام شائعات العدو ومواجهتها
من جملة الأعمال التي يمكن للناس القيام بها لخدمة البلاد على أحسن وجه، الحضور في ساحات الثورة. ومن جملة الأعمال التي يمكن للشعب القيام بها، مواجهة ما يبثّه العدوّ من شائعات. من الأساليب الفعالة للعدو في الوقت الحاضر، بثّ الإشاعات التي تؤدّي إلى اضطراب الناس، والاختلاف فيما بينهم، وإطلاق الاتّهامات ضد هذا وذاك، وخلق النزاعات والصراعات فيما بينهم، ومثل هذا ـ حتماً ـ لن يحدث بتوفيق من الله؛ لكن هذا هو هدف الأعداء، وعلى الشعب أن يتحلّى باليقظة والفطنة. إنّهم يدعون الشعب بكلّ وقاحة لمواجهة الثورة والنظام؛ هذا الشعب الذي يعتمد عليه النظام. ولو لم يكن الشعب رصيداً ودعامة للنظام لما حدث شيء كبير بهذه الأهمية ولما تقدم إلى الأمام. إنهم وقحون إلى درجة أنهم يحضّون هذا الشعب نفسه ويحثّونه ويحرّضونه على مواجهة النظام. فليصمد الشعب أمام هذه الدعايات وليعمل على مواجهتها. الشباب اليوم نشطون في الفضاء الافتراضي، والفضاء الافتراضي يمكنه أن يكون وسيلة لصفع الأعداء على أفواههم.

الحظر الذي لم يشهد التاريخ مثيلا له سيمنى بهزيمة لا مثيل لها
أما بخصوص الحظر، فالحظر بالتالي يسبِّب ضغوطاً على الشعب وعلى البلاد. يتبجّح الأميركيّون بالحظر الذي فرضوه على الشعب الإيراني ويقولون بأنّ التاريخ لم يشهد له مثيلاً! نعم، لم يشهد التاريخ له مثيلاً، [لكن] الهزيمة التي سيُمنى بها الأمريكان في هذا الخصوص أيضاً، لن يشهد التاريخ لها مثيلاً؛ إن شاء الله. يمكن للشعب والحكومة والمسؤولين جميعاً، أن يقوموا بعمل يحوّل هذا الحظر لصالح البلاد مائة في المائة. وكما كان هناك حظر مفروض علينا في زمن الحرب حيث لم يكونوا يبيعوننا حتى الأسلحة الخفيفة الفردية ــ وقلت ذات مرة إنّهم لم يكونوا يبيعوننا حتى الأسلاك الشائكة (7) ــ إلّا أنّ هذا الحظر نفسه أدى إلى تفجير الطاقات الداخلية وإلى أن نصل من الناحية الدفاعية إلى ما نحن عليه اليوم. ونحن اليوم من الأوائل على مستوى المنطقة والأكثر تقدماً بتوفيق من الله. وقد كان هذا بفضل الحظر. وإلّا لو اشترينا منذ البداية كلّ ما كنا بحاجة إليه، ولو أُعطينا هذه الاحتياجات مقابل الأموال، لما فكرنا بصنعها بأنفسنا ولما وصلنا إلى هنا. وكذا الحال في كلّ القضايا. يقول لي شبابنا ـ وهم يثبتون ذلك وليس الأمر مجرد ادّعاء ـ إنّه ما من وسيلة وشيء يحتاجه البلد من قطع الغيار وغيرها إلّا ونستطيع صناعته؛ بإمكاننا صناعة كلّ شيء. وهم صادقون فيما يقولون. وقد اختبرناهم في بعض الحالات، فوجدنا أن الأمر كما يقولون. لدينا مثل هذه الطاقات الإنسانية، ويجب أن نفعل ما يحوّل هذا الحظر إلى ازدهارٍ، ووصولٍ إلى قمة الإبداع والعمل في البلاد. علينا العمل على الاستغناء عن بضائع الآخرين وجعل الآخرين بحاجة إلى بضائعنا. هذا شيء ممكن الحصول والتحقّق.

إننا بتوفيق من الله سنتجاوز هذه الأمور المتعلقة بالحظر والمشكلات. وهو بالطبع يخلق بعض المشكلات. المشكلات موجودة، وهي الآن أيضاً موجودة، بيد أنّها موجودة منذ البداية. فإذا ما قاومت الحكومة والشعب، وأبدوا يقظة ووعياً، وسعوا وجدّوا، وشمّروا عن سواعد الهمّة، فإنّنا بالتأكيد سنتجاوز هذه المرحلة بانتصار. وكما تجاوزنا مرحلة الحرب المفروضة وخرجنا منها منتصرين، وكانت التعاسة والبؤس مصير صدام، وذهب إلى الدرك الأسفل من الجحيم، وازدادت الجمهورية الإسلامية ازدهاراً، سوف يذهب أعداؤنا أيضاً، أولئك الذين يعملون ضدّنا في أمريكا وأوروبا والغرب، إلى الدرك الأسفل من الجحيم، وستبقى الجمهورية الإسلامية إن شاء الله.

رحمة الله على الروح الطاهرة لإمامنا الخميني الجليل الذي فتح لنا هذا الدرب. ولا ننسَ نصائح الإمام الخميني ووصاياه. رحمة الله على روحه الطاهرة، وعلى الأرواح الطاهرة لشهدائنا الأبرار الذين ضحوا في هذا السبيل، ورحمة الله على الذين جاهدوا في هذا السبيل إلى يومنا هذا، ورحمة الله عليكم يا أهالي قم الأعزاء. بلّغوا سلامي لباقي الإخوة والأخوات من أهالي قم.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1 ـ هنا هتف أحد الحضور بشعار «الموت لأمريكا» فقال له الإمام الخامنئي: نعم، الموت كائن لأمريكا بالتالي.
2 ـ جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي.
3 ـ صحيفة الإمام الخميني، ج 21، ص 222.
4 ـ سورة سبأ، شطر من الآية 49.
5 ـ سورة طه، شطر من الآية 46.
6 ـ سورة الحج، شطر من الآية 40.
7 ـ من ذلك كلمة الإمام الخامنئي في أمسية مذكرات الدفاع المقدس بتاريخ 26/09/2018م

24-01-2019 | 11-39 د | 1390 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net