الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1486 12 ربيع الثاني 1443 هـ - الموافق 18 تشرين الثاني2021م

بين الخوف والرجاء

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق



الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قيل للإمام الصادق (عليه السلام): ما كان في وصيّة لقمان؟ فقال (عليه السلام): «كان فيها الأعاجيبُ، وكان من أعجب ما فيها أن قال لابنه: خَفِ اللهَ خيفةً لو جئته ببرِّ الثقلين لعذَّبك، وارجُ اللهَ رجاءً لو جئتَه بذنوبِ الثقلين لرَحِمَك». ثمّ قال (عليه السلام): «ما من مؤمنٍ إلّا وفي قلبه نوران: نورُ خيفةٍ ونورُ رجاء، لو وُزِن هذا لم يَزِد على هذا، ولو وُزِن هذا لم يَزِد على هذا»[1].

أيّها الأحبّة،
إنّ هذا الحديثَ المباركَ يُوضح مسألةً في غاية الأهمّيّة على صعيد السير والسلوك والتقرّب إلى الله سبحانه، بل لها ارتباطٌ وثيقٌ بإيمان الإنسان وعقيدته، وثباته على ما يؤمن به ويعتقد، وهي بأن يكون المرء على اعتدالٍ بين خوفه من الله ورجائه إيّاه؛ فلا يصل برجائه إيّاه -سبحانه- وهو أرحم الراحمين، إلى حدِّ الأمن من الحساب، ولا يصل بخوفه منه -تعالى- وهو أشدّ المعاقبين، إلى حدّ اليأس والقنوط من رحمته. فلو اقترف المرءُ الذنوبَ الثقال، فلا بدّ له من أن يبقى راجياً رحمة ربّه، وإذا فعل أعظمَ الأعمال الحسنة والصالحة، فلا ينبغي أن يطمئنّ لها، ويحسب نفسه مأموناً من الحساب وسؤال الله تعالى. 

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا يتّكل العاملون على أعمالهم التي يعملونها لثوابي؛ فإنّهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم -أعمارهم- في عبادتي، كانوا مقصّرين، غيرَ بالغين في عبادتهم كنهَ عبادتي في ما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جنّاتي ورفيع الدرجات العُلى في جواري، ولكن برحمتي فَلْيَثِقوا، وفضلي فَلْيَرْجوا، وإلى حسنِ الظنِّ بي فَلْيَطْمَئِنّوا، فإنّ رحمتي عند ذلك تَدَارَكُهُمْ، ومَنِّي يُبَلِّغُهم رضواني، ومغفرتي تُلبِسُهُم عفوي، فإنّي أنا الله الرحمن الرحيم، وبذلك تَسمَّيْت»[2].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «المؤمن بين مخافتين: ذنبٌ قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمرٌ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلّا خائفاً، ولا يُصلحه إلّا الخوف»[3].

النهي عن القنوط واليأس
وقد نهى اللهُ -تعالى- عن اليأس من رحمته؛ لما في ذلك من آثار وخيمة وسيّئة على الإنسان، ترتبط بإيمانه ودينه أوّلاً، وبدنياه ثانياً، إذ يعيش الاضطراب والقلق والكآبة والحزن، ما يثبّطه عن الانطلاق في هذه الحياة، ويمنعه من الإقدام نحو الأعمال الصالحة وترميم ما مضى منه من تقصيرٍ بين يدي الله تعالى.

وقد وصف اللهُ اليأسَ من رحمته بأنّه من الكفر، باعتبار أنّ اليأسَ إنّما هو إنكار لرحمته التي وسعت كلّ شيء، وقد يؤدّي ذلك بالإنسان إلى حدّ الكفر والجحود، قال -سبحانه-: ﴿وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾[4].

وقال -سبحانه-: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾[5].

عن صفوان الجمّال، قال: شهدتُ أبا عبد اللَّه (عليه السّلام) استقبل القبلة قبل التكبير، فقال: «الّلهمّ، لا تؤيسني من روحِك، ولا تقنطني من رحمتك، ولا تؤمنّي مكرك؛ فإنّه لا يأمن مكرَ اللَّه إلّا القوم الخاسرون»، قلتُ: جُعِلتُ فداك! ما سمعتُ بهذا من أحدٍ قبلك! فقال: «إنّ من أكبر الكبائر عند اللَّه اليأس من روح اللَّه، والقنوط من رحمة اللَّه، والأمن من مكر اللَّه»[6].

النهي عن الأمن
في المقابل، نهى -سبحانه- عن الأمن من عذابه، بأن يحسبَ المرءُ نفسَه في مأمن من العذاب، استناداً منه إلى رحمة الله أو أعمال جليلة بنظره، فعلها في حياته، فهذا ممّا يجرّؤه على اقتراف الموبقات واستسهال المعاصي والذنوب، قال -سبحانه-: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾[7].

وعن الإمام الهادي (عليه السلام): «مَن أمِن مكر اللَّه وأليمَ أخذِه، تكبّرَ حتّى يحلّ به قضاؤه ونافذ أمره، ومن كان على بيّنة من ربّه هانت عليه مصائب الدنيا، ولو قُرِض ونُشِر[8]«.

بين الرجاء والتهاون بالمعاصي
قيل للإمام الصادق (عليه السلام): قومٌ يعملون بالمعاصي، ويقولون: نرجو، فلا يزالون كذلك حتّى يأتيَهم الموتُ! فقال (عليه السلام): «هؤلاء قومٌ يترجّحون في الأماني، كذبوا! ليسوا براجين، إنّ من رجا شيئاً طلبه، ومن خاف من شيءٍ هرب منه»[9].

في هذا الحديث إشارة إلى نقطة مهمّة، يقع فيها بعض الناس، هي أنّهم يرجون رحمة الله، وهم في الوقت عينه لا يسعَون في سبيل نيلها، بل يصرّون على المعاصي والذنوب! وهذا في الواقع أمنٌ من الحساب والعقاب، ومن كان كذلك، فلا بدّ له من أن يتنبّه ويستيقظ، حتّى لا تفوته فرصة التوبة في الحياة الدنيا، فيخرج منها وهو في سخط الله -سبحانه- وغضبه.

الاعتدالُ علاج
إنّ للخوف المُفرِط الذي قد يصل بالمرء إلى اليأس من رحمة الله، والرجاء المُفرِط الذي قد يصل بالمرء إلى الأمن من مكر الله، آثاراً خطيرة على المستويين الشخصيّ والنفسيّ للإنسان، فلا يقتصر في ذلك على علاقته بالله -تعالى- لتصبح واهنةً ضعيفة، إنّما قد توصله أيضاً إلى الابتلاء بسلوكيّات تجعل شخصيّته ضعيفةً متزلزلةً؛ فالخوف المُفرِط يودي به إلى البؤس والإحباط، وأمراض نفسيّة خطيرة، قد لا يستطيع بسببها النهوض في حياته الدنيويّة، ليأتيَ الرجاءُ مقوِّماً لذاك الخوف، ويضعه على طريق الاستقامة والاعتدال.

وكذلك، فإنّ الأمن بدوره قد يوصِل صاحبَه إلى حالةٍ من التكبّر و(العنجهيّة) والغرور، وإلى الاستخفاف بالقيم والمبادئ، وإنّ ذلك في الواقع مرضٌ نفسيٌّ لا بدّ من مواجهته كي لا يتفاقمَ في النفس البشريّة، ليأتيَ الخوفُ مقوِّماً لما هو عليه، ويُسعفنا في ذلك قولُ الإمام الصادق (عليه السلام) المُشار إليه آنفاً: «ولا يُصلحه إلّا الخوف»، فيكسر بذلك روح التكبّر والغرور والاعتداد بالنفس.


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص67.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص71.
[3] المصدر نفسه.
[4] سورة يوسف، الآية 87.
[5] سورة الزمر، الآية 53.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص544.
[7]  سورة الأعراف، الآية 99.
[8] الشيخ الحرّانيّ، تحف العقول، ص483.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص68.

18-11-2021 | 08-14 د | 1307 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net