الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين
كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مسؤولي البلاد وسفراء الدول الإسلاميّةكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في خطبتَي صلاة عيد الفطركلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء جمع من الطلّاب الجامعيّينكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في اللقاء الرمضانيّ مع مسؤولي البلادبِهذا جُمِعَ الخَيرُ

العدد 1612 07 شوال 1445 هـ - الموافق 16 نيسان 2024 م

لَا تُطَوِّلْ فِي الدُّنْيَا أَمَلَكَ

العامل الأساس للنصر مراقباتالأيّامُ كلُّها للقدسِسُلوك المؤمِن
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1534 23 ربيع الأول 1444 هـ - الموافق 20 تشرين الأول2022م

عاشروا الناسَ بالمعروف

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، الرسول الأعظم محمّد بن عبد الله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[1].

ومن وصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) لبنيه عند احتضاره: «يا بَنيَّ، عاشروا الناس عِشرةً؛ إن غِبتم حنّوا إليكم، وإن فُقدِتم بكَوا عليكم»[2].

إنّ العشرة الحسنة والصحبة بالمعروف، من الآداب والأخلاق الجميلة الّتي حثّت الشريعة الإسلاميّة على التحلّي بها، وأوصت باتّباعها في الحياة الاجتماعيّة بين المسلمين وعموم أفراد المجتمع؛ وذلك لما لهذا الخُلُق من آثار إيجابيّة جمّة في توطيد العلاقات والروابط بين الناس، وفي عمليّة الجذب إلى هذا الدين، فكم من أناسٍ تأثّروا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) في مواقف وحوادث جرت معهم، كقصّة اليهوديّ الذي كان يرمي القمامة على باب النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقصّة الشاميّ الذي شتم الإمام الحسن (عليه السلام)، ثمّ أصبح من محبّيه وأتباعه، نتيجةً لسعة الصدر والحلم والتغاضي والعفو عن الإساءة، بل وردّها بالجميل.

حسن العشرة أصل اجتماعيّ
كما أنّ المجاملة والمعاشرة بالحسنى ومخالطة الناس بالجميل وسعة الصدر، لها أثر في قوّة المجتمع وتماسكه، بخلاف سوء المعاشرة وغلظة المعاملة، فإنّها من عوامل الهدم وأسباب الضعف والتردّي.

لذا، يوصي أمير المؤمنين (عليه السلام) بنيه بنوعٍ خاصّ من العشرة، عشرة الأنس والمودّة، الّتي يفتقدها الإنسان حال فقدان أخيه، فيشتاق إليه غائباً، ويبكيه ميتاً؛ بينما إن كانت معاشرةً بسوء ومنكر، فإنّ الفقدان سيكون راحةً وسكينةً وسعادةً بانقطاع السوء وتوقّف المنكر.

إذاً، عندما تتحدّث الشريعة وتحثّ على حسن العشرة، فإنّها لا تقصد الفرد إلّا كجزء مكوّن للمجتمع؛ ولهذا فإّن الغاية الأساسيّة من العشرة في الشريعة الإسلاميّة ترتبط بضمان حفظ المجتمع وتثبيت أركانه، وبناء العلاقات المُثلى بين أفراده على اختلاف طبقاتهم ومواقعهم.

العشرة في الكتاب والسنّة
وقد ضع القرآن الكريم أصولاً واضحةً للعشرة بين أبناء الأسرة والمجتمع الإسلاميّ، فحثّ على حسن العشرة مع الوالدين والأقرباء واليتامى والمساكين والجيران وأبناء السبيل ونحوهم، بل إنّ الله تعالى قرن الأمر بعبادته وتوحيده بالأمر بالإحسان إلى الناس، سواءٌ في ما ارتبط بالوالدين أو بالأصحاب، يقول تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُور﴾[3].

ووضع في مورد آخر قواعد التفاهم والحوار بين أفراد المجتمع، فأكّد ضرورة القول الحسن، والخطاب اللين، والجدال بالّتي هي أحسن، واعتماد أسلوب الموعظة الحسنة، قال الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْن﴾[4]، وقال: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾[5]، وقال أيضاً: ﴿اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾[6].

وكذا الأمر في الروايات والأحاديث الشريفة، فقد حثّت على ضرورة التودّد إلى الناس، وحسن مصاحبتهم، كما بيّنت ضابطة العشرة الحسنة وميزانها، وفي ما يأتي بيان ذلك:

1. ميزان العشرة الحسنة
يبيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الميزان في التعامل والعشرة مع الناس هو النفس في ما تحبّه أو تبغضه، فيقول (عليه السلام): «يَا بُنَيَّ، اجْعَلْ نَفْسَكَ مِيزَاناً فِيَ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ غَيْرِكَ، فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، وَاكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا، وَلاَ تَظْلمِ كَمَا لاَ تُحِبُّ أَنْ تُظْلَمَ، وَأَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ، وَاسْتَقْبِحْ مِنْ نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ، وَارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ. وَاعْلَمْ، أَنَّ الْإِعْجَابَ ضِدُّ الصَّوَابِ، وَآفَة الْأَلْبَابِ؛ فَاسْعَ فِي كَدْحِكَ، وَلاَ تَكُنْ خَازِناً لِغَيْرِكَ»[7].

2. الحثّ على حسن المصاحبة
فعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «أحسن مصاحبة من صاحبك، تكن مسلماً»[8]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّه ليس منّا من لم يُحسن صحبة من صحبه، ومرافقة من رافقه، وممالحة من مالحه، ومحالفة من حالفه»[9].
وممّا يؤثّر في حسن المصاحبة وديمومتها مجاملة الناس، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مجاملة الناس ثلث العقل»[10].

3. الحثّ على التودّد إلى الناس والتحبّب إليهم
 فقد عدّت الروايات التودّد إلى الناس نصف العقل، والتحبّب إليهم رأسه، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «التودّد إلى الناس نصف العقل»[11]، وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «رأس العقل بعد الإيمان بالله عزّ وجلّ، التحبّب إلى الناس»[12].

حقوق العشرة وآدابها
إنّ للعشرة حقوقاً وآداباً، رسمها الإسلام وبيّنتها الروايات والأحاديث، وبقدر مراعاتها والحفاظ عليها يكون النجاح في العلاقات مع الآخرين. وتختلف هذه الحقوق والآداب وتتنوّع باختلاف شرائح المجتمع وتنوّعها؛ ما بين أخٍ وصديقٍ وعدوّ وعموم الناس.

- يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «ابذل لأخيك دمَك ومالَك، ولعدوّك عدلَك وإنصافَك، وللعامّة بشرَك وإحسانَك»[13].

- وعنه (عليه السلام): «ابذل لصديقك نصحَك، ولمعارفك معونتَك، ولكافّة الناس بشرَك»[14].

- وعنه (عليه السلام): «صاحب الإخوان بالإحسان، وتغمّد ذنوبهم بالغفران»[15].

من آثار حسن العشرة
ورد عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) العديد من الأخبار الّتي توضح لنا نتائج العشرة الكريمة والآثار الناجمة عنها، نذكر منها:
1. دوام المودّة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تدوم المودّة»[16].
2. دوام الوصلة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تدوم الوصلة»[17].
3. أنس الرفيق: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بحسن العشرة تأنس الرفاق»[18].

الأقربون أولى بالمعروف
إنّ العشرة الحسنة أمرٌ مطلوب في العلاقات الاجتماعيّة كلّها، إلّا أنّها آكد في بعض المواطن، ومنها أهل المرء وعياله؛ فالعشرة السيّئة ضمن المنزل تؤدّي إلى ضياع الأسرة ودمارها، والأسرة نواة المجتمع؛ يصلُح بصلاحها، ويفسُد بفسادها؛ لذا جاء التشديد في الروايات على حسن المعاشرة، وقد أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لولده الإمام الحسن (عليه السلام): «ولَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ»[19].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خِلال يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصّن»[20].

ومن تلك الدائرة الصغيرة (الأسرة)، قد ينال المرء رضوان الله تعالى، ومنها أيضاً قد يبوء بغضبه وسخطه، تبعاً لتعامله مع أهله وعياله وطريقة معاشرته لهم، فعن رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله): «إنّ الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم، وإنّه ليُكتَب جبّاراً، ولا يملك إلّا أهل بيته»[21].


[1]  سورة آل عمران، الآية 159.
[2] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص595.
[3] سورة النساء، الآية 36.
[4] سورة البقرة، الآية 85.
[5] سورة النحل، الآية 125.
[6] سورة طه، الآيتان 43 و44.
[7] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص398، الكتاب 31.
[8] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص269.
[9] البرقيّ، المحاسن، ج2، ص358.
[10] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص643.
[11] المصدر نفسه.
[12] الشيخ الصدوق، الخصال، ص16.
[13] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص212.
[14] الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص1979.
[15] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص303.
[16] المصدر نفسه، ص187.
[17] المصدر نفسه، ص188.
[18] المصدر نفسه، ص187.
[19] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص403، الكتاب 31.
[20] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص322.
[21]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص129.

20-10-2022 | 09-30 د | 910 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net