الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1535 01 ربيع الثاني 1444 هـ - الموافق 27 تشرين الأول2022م

وَلَا تَفَرَّقُوا

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[1].

الإنسان كائنٌ اجتماعيّ، منذ وجوده على وجه البسيطة يألف أمثاله ويميل إليهم، وينفر عمّا لا يلائمه. وهذا التآلف والميل، إنّما هو نتيجة روابط وارتباطات أخويّة أو عائليّة أو نسبيّة أو عشائريّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة أو مناطقيّة أو قوميّة أو عرقيّة، وغيرها الكثير... غير أنّ أهمّ، بل أصحّ رابطة هي رابطة الدين والإيمان والتقوى، فأخوك في الدين والإيمان مقدَّم على غيره، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ... وَإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لَأَشَدُّ اتِّصَالًا بِرُوحِ اللَّهِ مِنِ اتِّصَالِ شُعَاعِ الشَّمْسِ بِهَا»[2].

لذا، نهى الإسلام عمّا يؤدّي إلى التباغض والتنافر والعداوة، محذِّراً من التفرقة والاختلاف؛ إذ إنّ التفرّق يعني الفساد والهلاك، قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[3]، وقد عدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) معاداة الناس رأس الجهل[4].

أسباب العداوة ومناشئها
من هنا، ينبغي على المؤمنين الحذر والتنبّه من الأسباب التي قد تفضي إلى العداوة والبغضاء، والعمل على تجنّبها والابتعاد عنها؛ وقد ذكرت الروايات العديد من مناشئها والعوامل المساعدة في وقوعها، منها:

1. عدم الاهتمام وقلّة المبالاة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّة المعاداة قلّة المبالاة»[5].

2. الانتقاد وتقصّي العيوب، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من استقصى على صديقه، انقطعت مودّته»[6]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الاستقصاء فرقة، الانتقاد عداوة»[7].

3. المزاح، ويُراد به ذلك الذي يخرج عن حدود الأدب واللياقات، ويؤثّر سلباً في النفوس، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لكلّ شيء بذر، وبذر العداوة المزاح»[8].

آثار التباغض والعداوة
وإنّ الأصل في العلاقات بين المؤمنين أن تكون قائمةً على المودّة والعشرة الطيّبة؛ لما لذلك من آثار حسنة على الفرد والمجتمع، وإنّ للتباغض آثاراً عكسيّة، تأخذ بالمجتمع إلى الانهيار والدمار، فضلاً عن الآثار الواقعة على الفرد عينه، نذكر منها:

1. الفضيحة وذهاب العزّ، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «ما أتاني جبرئيل (عليه السلام) قطّ إلّا وعظني، فآخر قوله لي: إيّاك ومُشَارَّةَ الناس [أي منازعتهم]؛ فإنّها تكشف العورة وتذهب بالعزّ»[9].

2. ضياع الدين، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلّى الله عليه وآله)‏ فِي حَدِيثٍ: أَلَا إِنَّ فِي التَّبَاغُضِ‏ الْحَالِقَةَ، لَا أَعْنِي حَالِقَةَ الشَّعْرِ، وَلَكِنْ حَالِقَةَ الدِّينِ»[10].

3. سخط الله وغضبه، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا يَفْتَرِقُ رَجُلَانِ عَلَى الْهِجْرَانِ، إِلَّا اسْتَوْجَبَ أَحَدُهُمَا الْبَرَاءَةَ وَاللَّعْنَةَ، وَرُبَّمَا اسْتَحَقَّ ذَلِكَ كِلَاهُمَا»، فَقَالَ لَهُ مُعَتِّبٌ: جَعَلَنِيَ اللَّهُ فِدَاكَ! هَذَا الظَّالِمُ، فَمَا بَالُ الْمَظْلُومِ؟! قَالَ (عليه السلام): «لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو أَخَاهُ إِلَى صِلَتِهِ، وَلَا يَتَغَامَسُ[11] لَهُ عَنْ كَلَامِهِ...»[12].

4. النفاق والضغينة، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إيّاكم والخصومة؛ فإنّها تَشْغَل القلب، وتُورِث النفاق، وتكسب الضغائن»[13].

5. الخسران، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من زرع العدوان، حصد الخسران»[14].

أصول العلاقات ودعائمها
أمام هذه الآثار والنتائج الناجمة عن العداوة والبغضاء، ينبغي للمؤمن أن يحرص على إيجاد الدوافع الضروريّة التي توثّق روابط الأخوّة، وتمنع نشوب الخلافات في ما بينهم؛ لذا تجدر الإشارة هنا إلى بعض الأصول والدعائم، التي لو بنى الأخوة المؤمنون روابطهم على أساسها، وترسّخت في أذهانهم وقلوبهم؛ لأوجدوا الرادع عن الوقوع في التباغض والتنافر.

1. المؤمنون إخوة، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ‏ طِينَةِ الْجِنَانِ، وَأَجْرَى فِي صُوَرِهِمْ مِنْ رِيحِ الْجَنَّةِ؛ فَلِذَلِكَ هُمْ إِخْوَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ»[15].

2. المؤمنون خَدمٌ لبعضهم، عن الإمام الصادق (عليه السلام)‏: «الْمُؤْمِنُونَ خَدَمٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ»، قيل: وَكَيْفَ يَكُونُونَ خَدَماً بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ؟ قَالَ: «يُفِيدُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً»[16].

3. حقوق المؤمنين، وهي عديدة ومتنوعة، ولها مستويات ودرجات، والمقام لا يسع لذكرها، فضلاً عن إحاطتها، والمستفاد من الروايات إجمالاً أنّ المؤمن مهما أدّى لأخيه من حقوق، فهو غير خارج عن حدّ التقصير بحقّه. عن الإمام الصادق (عليه السلام): «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَشْبَعَ وَيَجُوعُ أَخُوهُ، وَلَا يَرْوَى وَيَعْطَشُ أَخُوهُ، وَلَا يَكْتَسِيَ وَيَعْرَى أَخُوهُ، فَمَا أَعْظَمَ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ»، وهي من أعظم مصاديق العبادة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَفْضَلَ مِنْ أَدَاءِ حَقِّ الْمُؤْمِنِ»[17].

4. حرمة المؤمنين، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لَا يُعَظِّمُ حُرْمَةَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَنْ قَدْ عَظَّمَ اللَّهُ حُرْمَتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ كَانَ أَبْلَغَ حُرْمَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ كَانَ أَشَدَّ تَعْظِيماً لِحُرْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنِ اسْتَهَانَ لِحُرْمَةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَدْ هَتَكَ سِتْرَ إِيمَانِهِ، قَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله): إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ، إِعْظَامَ ذَوِي الْقُرْبَى فِي الْإِيمَانِ...»[18].

التزوار والتصافح
في الختام، لا بدّ من الإشارة إلى أمرين أكّدت الروايات ضرورتهما وأهمّيّتهما في تعزيز الروابط بين المؤمنين، هما الزيارة والمصافحة، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ زَائِراً أَخَاهُ، لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، الْتِمَاسَ وَجْهِ اللَّهِ، رَغْبَةً فِي مَا عِنْدَهُ، وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يُنَادُونَهُ مِنْ خَلْفِهِ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ: أَلَا طِبْتَ وَطَابَتْ لَكَ الْجَنَّةُ»[19].

وعنه أيضاً (عليه السلام): «إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ جَنَّةً لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا ثَلَاثَةٌ: رَجُلٌ حَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِّ، وَرَجُلٌ زَارَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي اللَّهِ، وَرَجُلٌ آثَرَ أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ فِي اللَّهِ»[20].

وعنه أيضاً (عليه السلام): «إِنَّ الْمُؤْمِنَيْنِ إِذَا الْتَقَيَا وَتَصَافَحَا، أَدْخَلَ اللَّهُ يَدَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَصَافَحَ أَشَدَّهُمَا حُبّاً لِصَاحِبِهِ»[21].

بل إنّ الزيارة والتصافح يُذهبا بالبغضاء والشحناء بين المؤمنين، فعَن الإمام الصادق (عليه السلام): «تَصَافَحُوا فَإِنَّهَا تَذْهَبُ بِالسَّخِيمَةِ[22]»[23].

والتزاور يحيي القلوب، ويفتح المجال لذكرِ أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وتعطُّفِ المؤمنين على بعض، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «تَزَاوَرُوا؛ فَإِنَّ فِي زِيَارَتِكُمْ إِحْيَاءً لِقُلُوبِكُمْ، وَذِكْراً لِأَحَادِيثِنَا، وَأَحَادِيثُنَا تُعَطِّفُ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ»[24].


[1] سورة آل عمران، الآية 103.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص166.
[3] سورة آل عمران، الآية 105.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص264.
[5] المصدر نفسه، ص341.
[6] المصدر نفسه، ص459.
[7] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلّى الله عليه وآله)، ص316.
[8] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص402.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص 302.
[10] المصدر نفسه، ج2، ص 346.
[11] «يتغامس» فى أكثر النسخ بالغين المعجمة، والظاهر أنّه بالمهملة، كما في بعضها، وفي القاموس تعامس: تغافل.
[12] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص344.
[13] المصدر نفسه، ج2، ص301.
[14] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص431.
[15] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص167.
[16] المصدر نفسه، ج2، ص167.
[17] المصدر نفسه، ج2، ص170.
[18] الإمام الصادق (عليه السلام) [منسوب]، مصباح الشريعة، ص69.
[19] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص177.
[20] المصدر نفسه، ج2، ص178.
[21] المصدر نفسه، ج2، ص179.
[22] السخيمة: الحقد والحسد.
[23] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص183.
[24] المصدر نفسه، ج2، ص186.

27-10-2022 | 09-44 د | 643 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net