الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1609 17 شهر رمضان 1445 هـ - الموافق 28 آذار 2024 م

أوصيكُم بتقوى الله

الأيّامُ كلُّها للقدسِخطاب الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مختلف فئات الناساغتنام فرصة التوبةمراقباتسُلوك المؤمِنمراقباتفَلا مَنْجَى مِنْكَ إلاّ إِلَيْكَمراقباتالمعُافَاة في الأَديانِ والأَبدان
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1552 02 شعبان 1444 هـ - الموافق 23 شباط 2023م

أنوار شعبان وأداء التكليف

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إلى مولانا صاحب العصر والزمان (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، وإلى وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، وإلى الأمّة الإسلاميّة جمعاء، نرفع أسمى آيات التبريك بقدوم شهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، شهر شعبان، وبالولادات الثلاث الميمونة؛ ولادة الإمام الحسين والعبّاس بن عليّ والإمام زين العابدين (عليهم السلام)، في الثالث والرابع والخامس من شهر شعبان.

جاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالنظام الإسلاميّ لبناء المجتمع وإدارة الحياة البشريّة، نظامٍ يشتمل على مجموعة من الأحكام، فرديّة واجتماعيّة، من صلاةٍ وصوم وزكاة وحجّ وجهاد... وقال: «يا أيّها الناس، والله ما من شيء يُقرّبكم إلى الجنّة ويُباعدكم من النار، إلّا وقد أمرتكم به»[1].

ولم يكتفِ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) ببيان هذه الأحكام، بل طبّقها وعمل بها، فأقام الحكومة الإسلاميّة وشيّد بنيانها، ووضع أسس النظام في المجتمع الإسلاميّ، وكان على الأمّة أن تسير بهديه، ولو فعلَت لزال الظلم وانعدم الفساد وارتفع الجهل، ولكانت السعادة ملء أثوابهم.

كان هذا النظام بادئ الأمر في المدينة، ثمّ اتّسع بعد ذلك ليشمل مكّة وضواحيها، وهنا يُطرح هذا السؤال: ماذا يكون التكليف فيما لو انحرف المجتمع الإسلاميّ، ومال عن الأصول المبادئ الإسلاميّة الّتي أرساها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟

هنا، ثمّة نوعان من الانحراف؛ الأوّل انحراف الأفراد عن الصراط الّذي رسمته الشريعة الإسلاميّة من دون التأثير على التعاليم نفسها، وهذا قد حصل في الأمّة، ويحصل كثيراً في المجتمعات وعبر التاريخ. أمّا الثاني، فهو خطير جدّاً، وفي وقوعه ضياع الأمّة، ألا وهو انحراف الحكّام وفساد العلماء والمبلِّغين، الأمر الّذي يؤدّي إلى تحريف الإسلام والقرآن والحقائق وتبدّل المعروف والمنكر... هنا، ماذا سيكون التكليف في ظلّ النوع الثاني من الانحراف؟

هذا النوع من الانحراف، لم يحصل في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولم يحصل في عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) بتلك الصورة، بل لم يحصل أيضاً في عهد الإمام الحسن (عليه السلام)، حتّى وإن كان معاوية على رأس السلطة، لكن لم يكن الانحراف قد بلغ حدّاً يُخشى منه على أصل الإسلام. نعم، يُمكن أن يُقال إنّه بلغ الحدّ في برهة من الزمن، لكن في تلك المرحلة لم تسنح الفرصة ولم يكن الوقت مناسباً للقيام بهذا الأمر.

الإمام الحسين (عليه السلام) وأداء التكليف
أمّا في عصر الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد تعرّض الإسلام للتحريف، وكان الوقت مناسباً والأرض مهيّأةً؛ لذا وجب على الإمام الحسين (عليه السلام) أن يتحرّك ويقوم بالثورة؛ إذ إنّ الّذي تسلّم السلطة بعد معاوية شخصٌ لم يرُاعِ الحدّ الأدنى من الظواهر الإسلاميّة، فضلاً عن الكبائر والموبقات، من شرب الخمر والمجون والتهكّم على القرآن وقتل النفس المحترمة، فكان التكليف هو القيام، القيام في الوقت الّذي تبدّل فيه الطريق، وانحرف المسلمون، واستبدّت الخيانة والغدر، والظروف كانت مؤاتيةً لهذا القيام.

نعم، هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الإمام (عليه السلام) قد شخّص تكليفه في تلك الظروف، وهو التحرّك والقيام بالثورة، بصرف النظر عمّا ستُفضي إليه هذه الثورة من نتيجة، الحكومة أو الشهادة، يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «في زمن الإمام الحسين (عليه السلام) كانت الظروف مؤاتية، فأقدم الإمام على العمل نفسه، وكان الهدف واحداً. غاية الأمر، عندما يكون الإنسان متّجهاً نحو هذا الهدف ويريد الثورة على الحكومة ومركز الباطل من أجل إرجاع الإسلام والمجتمع والنظام الإسلاميّ إلى موقعه الصحيح، تارةً يصل إلى الحكومة، وأخرى لا يصل إلى الحكومة، بل يصل إلى الشهادة... هذا القيام وهذا التحرّك مفيدٌ في كلا الحالتين، سواءٌ وصل إلى الشهادة أم وصل إلى الحكومة، غاية الأمر أنّ لكلّ منهما نوعاً خاصّاً من الفوائد يجب القيام به والتحرّك نحوه»[2].

بناءً عليه، كان موقف الإمام الحسين (عليه السلام) جليّاً، إذ يقول: «إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ومحلّ الرحمة، وبنا فتح الله وبنا ختم، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة مُعلِن بالفسق، مثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننتظر وتنتظرون أيَّنا أحقّ بالخلافة والبيعة»[3].

العبّاس (عليه السلام) وأداء التكليف
في خضمّ هذه الانحرافات، وهذا التحوّل الّذي أُحدِث في المسار الّذي رسمه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، عميت الكثير من البصائر، وزاغت الكثير من الأبصار، فسارت في ركب الانحراف، وأخطأت تكليفها، بينما ثبَت آخرون، إذ كانت الرؤية عندهم ساطعةً جليّة، والبصيرة نافذة صلبة، وأجلى مصاديق أولئك القلّة مع الإمام الحسين (عليه السلام) كان أخاه وصاحب لوائه العبّاس بن عليّ (عليهما السلام)، الّذي يصفه الإمام الصادق (عليه السلام)، فيقول: «كان عمُّنا العباس بن عليّ نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله (عليه السلام)، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً»[4].

وإنّ له في كربلاء موقفاً يحكي هذه الصلابة، ويُظهر نفاذ البصيرة؛ وذلك لمَّا أخذ عبد الله بن حزام ابن خال العبّاس (عليه السلام) أماناً من ابن زياد للعبّاس وأخوته من أُمِّه، أرسلوا إليه أن «لا حاجة لنا في أمانكم، أمانُ الله خير من أمان ابن سميّة»[5].
ولمَّا نادى شمر بن ذي الجوشن: بنو أختي عبد الله وجعفر والعبّاس وعثمان، فقال الحسين (عليه السلام): «أجيبوه وإن كان فاسقاً، فإنَّه بعض أخوالكم»، فقالوا له: «ما شأنك؟» فقال: يا بني أُختي، أنتم آمنون، فلا تقتلوا أنفسكم مع أخيكم الحسين، والزموا طاعة أمير المؤمنين يزيد، فناداه العبّاس بن عليّ (عليهما السلام): «تبّت يداك، ولعن ما جئتنا به من أمانك يا عدوّ الله، أتأمرنا أن نترك أخانا وسيّدنا الحسين بن فاطمة (عليهما السلام)، وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟!»[6].

الإمام السجّاد (عليه السلام) وأداء التكليف
بعد كربلاء، تأتي مرحلة الإمام السجّاد (عليه السلام) الّذي بلغت إمامته ثلاثين سنة ونيّفاً، ليتابع مسؤوليّة تحقّق الهدف الّذي لأجله خرج الإمام الحسين (عليه السلام)، والّذي كان هدف الأئمّة (عليهم السلام)، ألا وهو إيجاد الحكومة الإسلاميّة؛ لكن أنّى يكون ذلك، والإمام السجّاد نفسه يقول عن تلك المرحلة: «ما بمكّة ولا بالمدينة عشرون رجلاً يحبّنا»[7]؛ لذا كان على الإمام زين العابدين (عليه السلام) في هذه المرحلة ثلاثة أعمال أساس[8]:
الأوّل: تدوين الفكر الإسلاميّ بصورة صحيحة، وطبق ما أنزل الله، بعد مرور أزمنة من التحريف والنسيان عليه.
الثاني: إثبات أحقّيّة أهل البيت (عليهم السلام) في الخلافة والولاية والإمامة.
الثالث: إيجاد التشكيلات المنسجمة لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) وأتباع التشيّع.

وهذا يعني أنّه كان على الإمام (عليه السلام) إعادة بناء المجتمع من جديد، المجتمع الذي أصبح فاسداً ضائعاً فاقداً للاستعداد؛ لذا كانت كلمات الإمام (عليه السلام) في هذه المرحلة حول المعارف الإسلاميّة، وكان يبثّها من خلال الدعاء، إذ إنّ الظروف آنذاك كان يسودها القمع والتنكيل، فلم يكن بمقدوره (عليه السلام) أن يتكلّم بشكل صريح وواضح مع الناس؛ وذلك ليس بسبب الأجهزة المانعة فقط، بل إنّ الناس أنفسهم كانوا يرفضون ذلك! وهو القائل (عليه السلام): «ما ندري كيف نصنع بالناس، إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ضحكوا، وإن سكتنا لم يسعنا»[9].

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) عن هذه المرحلة: «كانت حياة الإمام السجّاد (عليه السلام) لمدّة 34 أو 35 سنة، من عام 61هـ إلى 95هـ، على هذا النحو. وكلّما كان يمضي الوقت كان الوضع يتحسّن، حتّى قال الإمام الصادق (عليه السلام): «ارتدّ الناس بعد الحسين...»[10]، إلى أن قال: «ثم إنّ النّاس لحقوا وكثروا». وفي زمن الإمام الباقر (عليه السلام) تحسّن الوضع عمّا كان عليه في زمن السجّاد (عليه السلام)، وهذا بفضل ما بذله الإمام السجّاد من جهد خلال 35 سنة»[11].


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص74.
[2] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص212.
[3] الكوفيّ، أحمد بن أعثم، الفتوح، ج5، ص14.
[4] ابن عنبة، أحمد بن عليّ الحسينيّ، عمدة الطالب، ص356.
[5] الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الطبريّ (تاريخ الأمم والملوك)، ج4، ص314.
[6] السيّد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص54.
[7] الثقفيّ الكوفيّ، إبراهيم بن محمّد، الغارات، ج2، ص573.
[8] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص270.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص234.
[10] الشيخ المفيد، الاختصاص، ص64.
[11] الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، إنسان بعمر 250 سنة، ص264.

22-02-2023 | 16-59 د | 558 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net