ثمّة الكثير من الجهل وسوء الفهم عند الإنسان، والذي يزداد أحياناً يوماً بعد يوم. والكثير منّا لا يعرف ماهيّةَ الدعاء وحقيقتَه، ويظنّ أنّه بوجود القرآن لا حاجة للأدعية. إنّ هؤلاء لا يدركون أهمّيّةَ الدعاء وأثرَه في نفوس الناس، والانعكاسَ الذي يسبّبه في سلوكهم وأفعالهم؛ فالمناجاة الشعبانيّة مثلًا خير دليلٍ على هذا، فلقد توارثها أئمّتنا الأطهار، وأكثروا من الدعاء بها، وهي بحقٍّ كنز ثمين اعتمد عليه العرفاء في عرفانهم، واستنبطوا منها الكثير والكثير. بالطبع، فإنّنا عندما نتحدّث عن العرفان، فإنّنا نقصد العرفان الإسلاميّ، وليس العرفان الهنديّ وغيره من أنواع العرفان.
يصف أحد علمائنا الدعاء قائلًا: «القرآن قرآنٌ نازل من السماء إلى الأرض، والدعاء يصعد من الأرض إلى السماء، وهو القرآن الصاعد».
الدعاء يأخذ بيد الإنسان ويرفع من منزلته، ويصل به إلى عوالم لا يمكن لي ولكم أن نفهمها وندركها. إنْ تُرِك الإنسانُ على حاله لكان أشدَّ افتراساً من الحيوانات الضارية، ولكن في الدعاء لغة خاصّة تسمو بالإنسان، وترفع من منزلته، ومن مستوى وعيه وإدراكه.
... إنّ للأدعية الواردة في بعض الشهور والأيّام، وخصوصاً في رجب وشعبان ورمضان، دوراً هامّاً في تقوية النفوس وتهذيبها (وطبعاً ليس أمثالنا)، وفتح السبل أمامه، وتنوير الدرب وإضاءته، وإخراجه من الظلمات إلى النور بصورة إعجازيّة بحقّ. إذاً، اهتمّوا بالدعاء وتوسّلوا به... فالدعاء هو انعكاس لمعاني القرآن على لسان الأئمّة (عليهم السلام).
فللقرآن لغته الخاصّة، وللدعاء لغةٌ خاصّة أيضاً، وهي تختلف بدورها عن لغة العلماء والعرفاء كذلك.
إنّ الأدعيةَ التي وردتنا عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) هي الوحيدة القادرة على تحرير الإنسان وتخليصه وإخراجه من الظلمات، وتطهيره من الشوائب والشهوات.
لقد عانى أئمّتُنا الكثيرَ من ظلم الحكّام، والذين لم يسمحوا لهم بالعمل المباشر والدعوة العلنيّة إلى الله، فاضطرّ أئمّتُنا إلى العمل السرّيّ، وتسليح الناس بالدعاء، ليكتسب الإنسانُ قوّةً روحيّةً هائلةً، تحرِّره من سلاسل الشهوة وقيود الرغبة، وتسمو به نحو الشهادة والتضحية.
إذاً، فالأدعية المتواترة في رجب، وخصوصاً في شعبان، هي مقدّمةٌ لتهيئةِ الإنسان لدخول ضيافةِ الله ومائدته المفروشة (القرآن الكريم)، وإحياء ليلة القدر، وهي ضيافةٌ تنزيهيّةٌ وبرهانيّةٌ وتعليميّةٌ، تُعِدُّ النفوسَ منذ اليوم الأوّل للصيام والجهاد والدعاء، للوصول إلى المائدة الحقيقيّة، والتزوّد من كنوز ليلة القدر التي أُنزِل فيها القرآنُ الكريم، فكانت خيراً من ألف شهر.
(صحيفة الإمام (الترجمة العربيّة)، ج13، ص32 - 33)