كلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع رئيس مجلس الشورى الإسلاميّ ونوّابه بدورته الثانية عشرة، بتاريخ 2024/07/21م.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين[1].
أهلًا وسهلًا بكم في الحسينيّة التي تحمل اسم الإمام [الخمينيّ] الجليل، وتنتسب إليه، وأهلًا وسهلًا بكم في هذا المجلس، حيث نرجو أن يكون حضوركم في «مجلس الشورى الإسلاميّ» - الذي يعدّ موقعًا مهمًّا وحساسًا للغايّة - مبعث الخير والبركة والرحمة الإلهيّة لكم، وكذلك للبلاد والناس إن شاء الله. أشكر جناب السيّد قاليباف، رئيس المجلس المحترم؛ لقد ذكر مسائل جيدة جدًّا - وأنا العبد - سأتناول أيضًا بعض هذه النقاط.
قيل الكثير حول المجلس - ملاحظات، توصيات، وأحيانًا انتقادات - لكن هناك مسائل لم يتم التطرّق إليها بعد، ومسائل يمكن تكرارها، فبعض الكلام لا ضير في تكراره أيضًا. من هذا المنطلق، دوّنت بعض النقاط التي سأتحدّث بها مع الإخوة والأخوات الأعزاء.
النقطة الأولى: ليس المجلس مؤسّسة للمساءلة فحسب، بل مؤسّسة مسؤولة أيضًا. خلافًا لتصوّر الكثيرين الذين يظنّون أنّ المجلس مؤسّسة للمساءلة فحسب، يوجّه الأوامر للحكومة عبر وضع القوانين، ثمّ يقوم بالمساءلة والاستجواب، وأمور من هذا القبيل. نعم، هذه من وظائف المجلس، لكنّ المجلس مسؤول أيضًا. إنّ المجلس ركن من أركان الدولة، وهو هيئة مقرِّرة، وكلّ مؤسّسة مقرّرة وعاملة هي مسؤولة أيضًا، وكلّ فرد مقرّر أو عامل هو مسؤول أيضًا. لذا على المجلس أن يولي دائمًا الأهمّيّة اللازمة لموضوع مساءلته، فعلى المجلس وظائف لا بدّ أن يؤدّيها، وإن لم يؤدها ستتمّ مساءلته. هناك أمور لا ينبغي له القيام بها، فإن قام بها سيتمّ الاعتراض عليه. من هي الجهة التي يُعدّ المجلس مسؤولًا أمامها؟ في الدرجة الأولى هو مسؤول أمام الله، فنحن مؤمنون، ونعلم أنّه سيأتي يوم نُسأل فيه عن تفاصيل أعمالنا وأفعالنا. عندما تسنّون قانونًا وتشرّعونه، أو توقّعون على مرسوم؛ لا بدّ أن يكون لديكم جواب عن ذلك [يوم القيامة]. علينا جميعًا أن نفكّر في هذه المسؤوليّة الكبيرة. إنّها مسؤوليّة أمام الله، وهي فوق كلّ المسؤوليّات والمساءلات، وأخطر، ولا بدّ أن يكون الاهتمام بها أكبر. ثمّ بعد ذلك تأتي المسؤوليّة أمام الناس أيضًا. طبعًا، عندما يلمس الناس من أحد المجالس أمرًا يخالف توقّعاتهم [من هذا المجلس]؛ لن يمسكوا بتلابيبه، فليس من آليّة قانونيّة لذلك، لكن يمكن للمرء أن يلحظ رضاهم من عدمه، في حركتهم ومسلكهم وردود أفعالهم.
طوال العقود القليلة التي مضت، قامت بعض المجالس بأمور لم تنل قبول الناس ورضاهم، ما أدّى إلى سقوط من قام بها من أعينهم. لقد اختبرنا مثل هذه الأمور وشاهدناها خلال تلك السنوات. يجب على جميع النواب المحترمين أن يلتفتوا إلى قضيّة «المساءلة»؛ وأن يضبطوا سلوكهم وكلامهم وخطابهم وتصويتهم ومواقفهم وفقًا لذلك. هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية تتعلّق بالتعاون بين السلطات. يعدّ المجلس جزءًا مهمًّا من النظام السياسيّ في البلاد. من البديهيّ أنّ الأجزاء المختلفة للنظام يجب أن تشكّل معًا «كُلًّا»، أن تشكّل «مجموعة واحدة»؛ أي لا بدّ للسلطة التشريعيّة، والسلطة التنفيذيّة، والسلطة القضائيّة، والقوّات المسلحة - التي هي جزء من السلطة التنفيذيّة بنحو ما - أن تشكّل بعضها مع بعض «كُلًّا». إذا لزم [لأجزاء النظام هذه] أن تشكّل «كُلًّا»، فلا بدّ إذًا أن تقوم علاقة وارتباط فيما بينها، ويجب عليهم العمل معًا، يجب عليهم مساعدة بعضهم بعضًا، وفي حالات معيّنة يجب عليهم التساهل في ما بينهم، وأحيانًا يجب عليهم تذكير بعضهم بعضًا، ومساعدة بعضهم بعضًا، وقد أتعرّض لمثل هذه الموارد خلال حديثي. ولأجل هذا كنت أوصي المجالس دائمًا على مدى هذه السنوات الطويلة بالتعاون مع الحكومات، فهذا أمر مهمّ للغاية. يجب أن تكون هذه المجموعة، التي هي ناتج أصوات وقلوب وآراء عموم البلاد؛ قادرة على أداء دور خلّاق في إنشاء هذا «الكلّ» المنسجم الذي يحتاج إليه بلدنا وشعبنا ونظامنا. بالطبع، - في مكانه المناسب - الأمر نفسه أوصي به الحكومات أيضًا. ولحسن الحظّ فإنّ رئيس الجمهوريّة حاضر بيننا بعنوان النيابة - ولا أعلم إن كان بلحاظ القانون يُعدّ نائبًا أم لا؟[2] - لكنّه على كلّ حال حاضر بيننا. أنا دائمًا أوصي الحكومات [بالتعاون] مع المجلس. من جهة العلاقة بالمجلس، أحيانًا لم تكن بعض الحكومات ترسل مشاريع القوانين، وكانت تصلني شكاوى من المجلس تفيد بأنّهم - مثلًا - كانوا ينتظرون لعدّة أشهر من دون أن ترسل الحكومة مشاريع القوانين، أو من دون أن تقوم بتنفيذ القوانين المقرّة، لقد كان لدينا مثل هذه الحكومات. ودائمًا ما كنّا نوصي برعاية هذه الأمور. في النهاية، إنّ العلاقة [مع الجهات الأخرى في الدولة] هي إحدى مَهامكم المهمّة أيّها الإخوة والأخوات النوّاب الأعزاء. إنّ الوصيّة المؤكّدة التي دوّنتها هنا هي العلاقة البَنّاءة مع الحكومة الجديدة. على الجميع المساعدة حتّى يتمكّن رئيس الجمهوريّة المُنتخَب من أداء مهامّه التي يتحمّلها تجاه البلاد. إذا استطعنا التصرّف بنحوٍ يُسهم في نجاح رئيس الجمهوريّة، فإنّه نجاح لنا جميعًا. إذا حقّق هو النجاح في إدارة البلاد، وفي دفع اقتصادها إلى الأمام، وكذلك في قضاياها الدوليّة وشؤونها الثقافيّة، فقد حقّقنا جميعًا النجاح. نجاحه نجاحٌ لنا جميعًا. يجب أن نؤمن بهذا حقًّا ومن أعماق وجودنا.
يجب أن يُسمع صوتٌ واحدٌ من البلاد. ففي القضايا المهمّة - وتحديدها بعُهدتكم طبعًا -، ثمّةَ مواضع يتوجّب فيها على الحكومة والمجلس ومختلف المسؤولين أن يتّخذوا موقفًا موحّدًا، حتّى يُصاب أولئك الذين يبحثون في الخارج عن مؤشّرات للخلاف والانقسام بخيبة الأمل. يجب أن تكون كلمتنا واحدة.
النقطة الثالثة تتعلّق بسيادة الأخلاق في المداولات التي تحصل تحت قبّة المجلس، أعزائي! ينبغي أن يكون المجلسُ مركزًا لتعميم السكينة والطمأنينة وبثّهما على مستوى الرأي العامّ في البلاد؛ عليكم أن تبثّوا من المجلس أمواجًا إيجابيّة للناس؛ فلا ينبغي للمجلس أن يغدو مصدر توتّر للرأي العامّ الشعبيّ، أو مصدرًا للتشاؤم والسلبيّة، الأمر الذي كان يُشاهد أحيانًا عند بعض النواب في بعض المجالس. لا شكَّ في أنَّ غالبيّة النوَّاب قد كانوا ملتزمين دائمًا بهذه المباني المهمّة والمعتبرة، وحقيقةً نحن نقول هذا من دون مجاملات، هذا هو الواقع، بيد أنَّه شوهد خلاف ذلك أيضًا في بعض الحالات. ولا ينبغي أن يقتصر ذلك على المجلس، بل ينبغي أن يكون حضور النوّاب في المحافل العامّة - وكثير منكم يحضرون في المحافل العامّة، في صلوات الجمعة في مختلف المدن قبل إقامة الخطبة - أو في الفضاء الافتراضيّ الذي يهيمن على النشاطات عند الجميع؛ سببًا للسكينة والهدوء، لا مثارًا للخلافات. فيغدو مخاطَبكم، أينما تكلَّمتم، أو تحدَّثتم، أو أعربتم عن وجهة نظركم؛ مطمئنًّا من حيث إنّكم مع اتِّحاد القوى وتوافقها وتعاضدها وتضامنها، ولا ينبغي أن يكون خطابكم للناس خلاف هذا. ففي هذا حفظ الأمن النفسيّ للناس، وهذه مسألة مهمَّة. وإيّاكم والغفلة؛ - فأنا العبد - عندي قناعة تامّة كما أنّي مطلع على أنَّ الجيش السيبرانيّ للعدو يتحيَّن الفرص للاستفادة منها؛ فأحيانًا يكيلون لكم الشتائم على لسان منافسكم السياسيّ من أجل إثارة حفيظتكم، أو يوجِّهون إهانة إلى الشخصيّة التي تكنُّون لها الاحترام، أو إلى شخصيّة دينيّة أو سياسيّة معتبرة؛ من أجل إثارة غضبكم، فهذا أيضًا قائم. ينبغي الالتفات إلى هذا الأمر أيضًا؛ فإن رأيتم في الفضاء الافتراضيّ ما يتعارض مع آرائكم، فلا تصدّقوا دائمًا أنّ خصمكم السياسيّ هو من قام بنشره، قد يكون عدوّكم المشترَك هو من فعل ذلك.
النقطة الرابعة ترتبط بسنّ القوانين. من الطبيعيّ أن التشريع يتصدّر لائحة المهامّ الخاصّة بمجلس الشورى الإسلاميّ، فالقانون هو الذي يضع الأمور على السكّة، هو الذي يرسم خارطة الطريق لحركة القوى التنفيذيّة في البلاد، هذا هو [جوهر] القانون. لا بدّ أن يكون الهدف من القانون تقدُّم البلاد وخدمة الناس.
وللقانون الجيِّد خصائص، إحداها أن يكون قائمًا على أساس التخصُّص. ولا شكَّ في أنِّي - أنا العبد - على علم بأنَّ مركز أبحاث المجلس يقوم بأعمال جيِّدة، وأنَّه تجري في اللجان دعوة مختلف المتخصِّصين، فنحن مطّلعون على هذا. وكلَّما كان القانون قائمًا على التخصُّص، كان هذا القانون أفضل، هذه إحدى الخصائص. ثانيًا: أن يكون غير قابل للتأويل. فالقانون الذي لا يكون صريحًا، ويقبل التأويل، يمكّن أصحاب النوايا السيّئة - الذين أعبّر عنهم بـ «خبراء القانون المنتهكون للقانون»[3] - من استغلاله. فلا تسمحوا بذلك؛ [سنُّوا] قوانين صريحة وغير قابلة للتأويل. والأمر الآخر، أن يكون قابلًا للتنفيذ تبعًا لإمكانات البلاد. فأحيانًا، يُقرُّ المجلس قانونًا لا يسع الحكومة [تطبيقه]؛ أي إنّ إمكانات ومقدّرات البلاد لا تُمكّن من حمل هذا العبء؛ إمَّا بسبب الميزانيّة، أو بسبب قضايا أخرى مختلفة. فلا بدّ من مراعاة هذا [الأمر] أيضًا. وأن يكون منسجمًا مع السياسات العامّة؛ فإحدى النقاط الضروريّة في القانون الجيّد هي التوافق مع السياسات العامّة؛ فلا يقع التعارض.
و[ثمَّة] مسألة أخرى فيما يتعلَّق بالقانون، [وهي] تجنّب الإكثار من القوانين، وهذه مسألة سأعود لها مجدّدًا أيضًا. إنّ الإكثار من القوانين واحدة من مشاكلنا. أحيانًا تسنّ لمسألة واحدة قوانين متعدّدة، فيها ما هو مشترك، وفيها اختلافات، بحيث يتمكّن المتربّصون من الاستفادة بقوّة من هذه الاختلافات. وبالفعل، فإنَّ الإكثار من القوانين يُشكّل معضلة للبلاد. يقترح البعض علينا أحيانًا الطلب من المجلس حلّ مشكلة كثرة القوانين، لكنّ - هذا العبد - يخشى أن يقضي المجلس نصف ولايته في هذه المهمّة إن هو تصدّى لمعالجتها! في كلّ الأحوال، فلتأخذوا هذه المسألة بعين الاعتبار عند تشريع القوانين.
هنا أعود إلى تلك النقطة التي أشرت إلى أنّني سأعود إليها مجدّدًا: لقد ترك الدستور يد المجلس طليقة في تقديم مقترحات [المشاريع]؛ أي في الحالات التي ليس لديكم فيها مشروع قانون حكوميّ، وثمَّة موضوع مهمّ، فإنَّ لكم أن تقدِّموا مقترحًا. واقتراح [القوانين] أمر حسن، غاية الأمر أنَّنا إن بالغنا في تقديم هذه المقترحات - ولقد رُفعت إليَّ أنا العبد تقارير عن حالات من المبالغة، ولا ضرورة لذكر الأعداد - فإنَّ هذا الأمر بحدِّ ذاته سيخلق مشكلة. فما إن تظهر مشكلة في البلاد، وبدل أن ننتظر مشروع القانون، ومتابعة الإجراءات الحكوميّة؛ نُبادر هنا فورًا إلى إعداد مقترح [قانون]، وهذا الأمر بحدِّ ذاته يؤدّي إلى كثرة القوانين؛ أي ينبغي حقيقةً الاكتفاء بتقديم مقترحات [القوانين] بالحدّ الأدنى الضروريّ، لا أكثر، فإن تجاوز ذلك؛ أصبح تقديم مقترحات [القوانين] هذا من أسباب كثرة القوانين. الآن في هذا المجلس الذي يتّم أعضاء فيه، هناك الكثير من مقترحات [القوانين]، التي سيستغرق البتُّ فيها - البتُّ فيها وإبلاغها وما شابه ذلك - سنين طويلة. هذا من جهة هذه المسألة.
أيضًا، لا بدّ من التذكير بمسألة أخرى فيما يتعلَّق بالقانون، وهي أنّه يتّفق أحيانًا أن تحتاج الحكومة إلى قانون لأمر عاجل، وقد حصل معنا ذلك مرارًا؛ يطرأ أمر عاجل يرتبط بالعلاقات الدوليّة، بأمر اقتصاديّ ضروريّ، أمرٌ يرتبط بالإنشاءات يجب البتّ به فورًا، [بيد أنَّه] ليس لديهم قانون له. في مثل هذه الحالات تلجأ الحكومات إلى الطريق السهل؛ يأتون إلينا كي يأذن لهم القائد بالقيام بهذا العمل مع عدم وجود قانون بشأنه. وبالطبع فإنِّي - أنا العبد - غالبًا ما أمتنع عن ذلك، إلّا في وقت تلجئنا فيه الضرورة إلى ذلك. والأفضل في مثل هذه الحالات أن يسرّع المجلس في [عمليّة التشريع] عندما تصله هذه الطلبات من الحكومة - في موارد الضرورة -، وهذه توصية أخرى في خصوص القانون.
لا بدَّ أنَّكم تعلمون أنَّه مضى وقت طويل على إبلاغ السياسات العامّة المتعلَّقة بالتشريع[4]، ولا بدّ من قانون لتطبيق هذه السياسات؛ وعلى المجلس نفسه أن يسنّ القوانين لهذه السياسات. وهذا ما لم يحصل بعد، ولا بدّ أن يحصل في أسرع وقت. وهذه أيضًا النقطة الرابعة.
النقطة الخامسة حول الرقابة. طبعًا لم يرد في الدستور لفظ «الرقابة» - فلم يرد عنوان «رقابة المجلس» -، بيد أنَّه يوجد أحكام جمَّة في خصوص المجلس حول السؤال، والتنبيه، والتحرِّي، والتحقيق، وهذا دليل على ضرورة الرقابة؛ فلماذا تقومون بالتحقيق أو التحرِّي أو السؤال، أو تصدرون تنبيهًا؟ من أجل أن يصبح لديكم اطِّلاع. إذن، الرقابة على السلطة التنفيذيّة هي إحدى مهامّ المجلس. ولديّ هنا ملاحظتان:
الملاحظة الأولى حول الهدف من الرقابة، وهو «ارتقاء كفاءة الحكومة»؛ الرقابة من أجل الوقوف على الخلل في أداء الحكومة إن وجد، فتكتشفون - أنتم الذين تمثّلون المجلس - الخلل، وتشخّصونه، وتنبّهون عليه؛ فيرتقي أداء الحكومة، وتمضي الأمور قدمًا، وهذه هي غاية الرقابة. فحذار من أن يكون للرقابة هدف غير هذا لا سمح الله، كما لو حصل للبعض مثلًا مشكلة مع وزير ما [فيُصدر] تنبيهًا، وتتوالى الأسئلة بعضها في إثر بعض، أو تصل الأمور إلى الاستجواب وما شابه ذلك؛ لا ينبغي بتاتًا أن تدخل القضايا الحزبيّة، والقضايا الشخصيّة، والقضايا السياسيّة في مسألة الرقابة. فالداعي للرقابة إنّما هو الشعور بخلل في السلطة التنفيذيّة، والتنبيه إليه، والاهتمام به، والعمل على إزالته. وهذه مسألة حول الرقابة.
والمسألة الأخرى في موضوع الرقابة هي عدم الإفراط والتفريط. أحيانًا، ولأسباب معيّنة، لا تحصل الرقابة حيث يجب أن تحصل، وهذا أمر خاطئ. في المقابل، أحيانًا يتمّ المبالغة بالرقابة، ويتمّ توجيه العديد من الأسئلة. دعوني أقل لكم: عندما أفكّر الآن في هذه السنوات - هذه السنوات التي تحمّلنا فيها المسؤوليّة - أجد أنّ الوزراء في سائر الحكومات تقريبًا كانوا يراجعونني - أنا العبد -، وكانوا يشتكون من كثرة الأسئلة في المجلس؛ كانوا يقولون: إنَّهم يستدعوننا، إن في [الجلسات العامّة]، أو في اللجان، ويأخذون عدّة ساعات من وقتنا، ينهالون علينا بالأسئلة، ويسألون أسئلة معقّدة، وأمور من هذا القبيل. لا ينبغي المبالغة، كما لا ينبغي التفريط أيضًا؛ أي حيثما ينبغي لكم أن تسألوا، وحيثما ينبغي لكم أن تمارسوا الرقابة، فعليكم بممارستها، لكن فلتكن منصفة، فلتمارس أشكال الرقابة بإنصاف، فلا تُقحَم الاعتبارات الشخصيّة والسياسيّة وما شابه ذلك. هذه النقطة الخامسة.
وأمَّا النقطة السادسة. فقد شُكّلت لجنة في المجلس من أجل الرقابة على أداء النوّاب. والسادة الذين سبق لهم الحضور في المجلس في دورات سابقة؛ يذكرون أنَّه وبناء على توصية تمّ تقديمها في إحدى الدورات[5]؛ بادر النوّاب بسرعة إلى تشكيل لجنة للرقابة على أداء النوّاب[6]. فما هي الفلسفة وراء وجود هذه اللجنة؟ فلسفة وجود هذه اللجنة أنّه قد يأتي أحد النوّاب - لغفلة أو لأيّ سبب آخر - بأمر ما، فتقع مسؤوليّته على عاتق 290 نائبًا! أي إنّ مجلسًا بأكمله يسقط من أعين الناس نتيجة فعل شخص واحد، وهذا ما لا ينبغي أن يكون عليه الحال، ينبغي الحيلولة دون حصول ذلك، فإن لم يمكن منع حصوله، لا بدّ من معالجته، وهذا هو المهمّ. ونحن لم نتمكّن من الوقوف على ما إذا كانت هذه اللجنة قد أنجزت ما هو مطلوب منها كما يجب، وكما يمكن، وبالمقدار الذي كان يُنتظر منها أم لا؟ هذه توصيتنا الأخرى.
النقطة السابعة هي بشأن مشاركة المجلس في المواضيع العالميّة والقضايا المرتبطة بالسياسة الخارجيّة. المجلس داعمٌ قويّ، والحكومات في العالم تستفيد من هذا الدعم القويّ لبرلماناتها، إن كان في المفاوضات، أو في بناء العلاقات، أو في المشاركات العمليّة. تذكرون أمرًا على طاولة المفاوضات للطرف المقابل، فيقول: «يا سيّد! لا يسمح برلماننا بذلك، لدينا قانون، لا نستطيع ذلك». يستفيدون من المجلس كركيزة للتفاوض. في مختلف التحدّيات التي تواجهها الحكومات - حيث يمكن أن تواجه الحكومة تحدّيات في شتّى القضايا بطبيعة الحال -؛ بمقدور المجلس أن يقدّم دعمًا كبيرًا للحكومة، وأن يعضد ساعدها. لذلك، إنّ مشاركتكم في القضايا السياسيّة والدوليّة والدبلوماسيّة مهمّة. أحد النماذج على هذه الأعمال الجيّدة هو «قانون المبادرة الاستراتيجيّة»[7]، فهو من الأعمال المميّزة جدًّا. طبعًا، اعترض عليه بعض الأشخاص، وأشكلوا عليه، وهذا الإشكال لم يكن في محلّه إطلاقًا. لقد كان عملًا بمنتهى الصواب. يمكن لهذه المشاركة أن تكون مؤثّرة جدًّا. حسنًا، للمشاركة أشكال، فأحيانًا تكون عبر زيارات ولقاءات رئيس المجلس، كما في السفر الأخير الذي قام به السيّد قاليباف إلى هذا المؤتمر الذي عُقد[8]، وقد كانت زيارة مفيدة وذات فائدة كبيرة، وبمقدور الحكومة الموقّرة أن تجني فائدة كبرى منها. أو الزيارات التي تقوم بها اللجان البرلمانيّة في المجلس، وحتّى لو أغمضنا الطرْف عن ذلك، [قد يصدر] بيان. افترضوا على سبيل المثال بروز قضيّة مثل قضيّة فلسطين وقضيّة غزّة، عندما تصدرون بيانًا [في هذا الشأن]، فهذا يترك أثرًا كبيرًا على هذه القضيّة في الفضاء العامّ العالميّ. أو لو وضعنا البيان جانبًا، نفس كلام النواب وتصريحاتهم. أحيانًا كنت أعرب عن توقّعي من النوّاب حيث ينتظر منهم أن يتناولوا المسألة [الفلانيّة] المهمّة في السياسة الخارجيّة، وأن يتحدّثوا حولها. هذا أمر سائدٌ في العالم، افرضوا مثلًا أنّ رئيس لجنة السياسة الخارجيّة صرّح بالأمر الفلانيّ، هذا سيُتداول على مستوى العالم.
تتولّى البرلمانات أداء أعمال كثيرة، والحكومات تستند إلى الخطوات والأعمال تقوم بها. نفس قانون العقوبات الشامل هذا، الذي أصدره الأمريكيّون ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، ضدّ إيران، هذا القانون المعروف بـ«سيسادا»[9]؛ برلمانهم هو الذي أقره. طبعًا رئيس الجمهوريّة الديمقراطيّ في ذلك العام[10] - وهو إنسان منافق خبيث السريرة، كان منافقًا وخبيث السريرة في آن، وداهية أيضًا، فقد كان أدهى من المسؤولين لدينا ويلاحظ المرء حقًّا [هذا] في بعض الحوارات - قد وقّع عليه. كان بمقدوره ألّا يوقّع، كان يدّعي أنّه يرغب في التعاون مع إيران في قضيّة الملف النوويّ وأمثال هذه الأمور، وأن يتماشى معها، لكنّه وقّع عليه رغم ذلك! أعدّوا القانون الشامل في برلماناتهم، البرلمانات تتولّى أداء هذه الأعمال. يمكن للمجلس أن ينشط في هذا المجال.
في قضيّة الحظر هذه - التي تتكرّر على الألسن كثيرًا، وبنحوٍ خاص خلال أيّام الانتخابات، فقد جرى تكرارها في مختلف التصريحات للمرشّحين للانتخابات والناس ومناصريهم وأمثال هؤلاء - يمكن للمجلس أن يكون له حضوره وأن يكون مؤثّرًا حقًّا. نحن قادرون، إنّنا قادرون على إنهاء الحظر بوسائل مشرّفة، والأهمّ من إنهاء الحظر إبطال مفعوله. لقد قلت هذا الأمر مرارًا وتكرارًا[11]: إنّ رفع الحظر ليس بأيديكم - وعليكم أن تفكروا جيّدًا في سبيل لذلك، فهو بيد الطرف المقابل - لكنّ إبطال مفعول الحظر بأيديكم، وهناك مسارات جيّدة تؤدّي إلى إبطال مفعول الحظر، لقد سلكنا بعض هذه المسارات ولمسنا آثارها، أي سلكها المسؤولون الحكوميّون ولمسنا آثارها، وكانت مميّزة جدًّا أيضًا، وهو أمر يمكن القيام به. يمكن للمجالس - مجلسنا العزيز - أن تؤدي دورًا في هذا المجال.
النقطة الثامنة والأخيرة بشأن المهمّة الفوريّة للمجلس، أي التصويت على التشكيلة الوزاريّة التي سيعرضها السيّد بزشكيان (حفظه الله) على المجلس، إن شاء الله. هذه هي مهمّتكم العاجلة والمستعجلة. طبعًا، بقدر ما يتمّ الإسراع في منح الثقة للتشكيلة الحكوميّة - طبعًا بعد إنجاز الخطوات الضروريّة - وفي بدء الحكومة بممارسة دورها، فإنّ هذا أفضل للبلاد. لكنّكم تتحمّلون أنتم، وكذلك رئيس الجمهوريّة المُنتخَب الموقّر، مسؤوليّات جسام. فمن هو الشخص الذي ينبغي أن يُشرّع له الميدان؟ ميدان الاقتصاد، ميدان الثقافة، ميدان الإعمار والبناء وميدان الإنتاج. من الذي ينبغي أن يُشرّع له الميدان؟ يجب تشريع الميدان أمام من يكون «أمينًا»، «صادقًا»، «متديّنًا» و«معتقدًا من أعماق وجوده بالجمهوريّة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ». «الإيمان» مؤشّرٌ مهمّ. «الأمل بالمستقبل»، النظرة الإيجابيّة إلى الأفق، من المؤشّرات المهمّة. لا يمكن إيكال المسؤوليّات الأساسيّة والجوهريّة إلى أولئك الذين يبدو الأفق مظلمًا في أنظارهم، و[يعتقدون أنّه] لا يمكن فعل أيّ شيء. «أن يكون متشرّعًا» واحد من المعايير المهمّة. «الاشتهار بنظافة الكفّ والصّدق» معيارٌ أيضًا. يجب الالتزام بهذه المعايير، وليلتزم بها رئيس الجمهوريّة الموقّر، وكذلك المجلس. أي لديكم مسؤوليّة مشتركة في اختيار مسؤولي البلاد. ألّا تكون لديه «سوابق سيّئة»، هذا معيار. أن تكون لديه «رؤية وطنيّة»، أي ألّا يغرقوا في القضايا الفئويّة والسياسيّة وأمثال هذه الأمور، بل أن تكون لديهم رؤية وطنيّة للبلاد. أن يكونوا «أكفياء»، وعبر البحث [يمكن إدراك هذه الأمور]. طبعًا، يُمكن إدراك الكفاءة في أغلب الأحيان بعد الانشغال بالعمل، لكن يمكن إدراكها أيضًا عبر البحث، النظر في السوابق والإنصات إلى الكلام. هذه أمور ضروريّة.
برأيي، إنّها مسؤوليّة مهمّة جدًّا تتولّونها، ويتولّاها أيضًا رئيس الجمهوريّة الموقّر، وليُبادر لأداء هذا العمل. أسأل الله أن تتولّى الأمور هيئة وزراء جيّدين، أكفياء، نافعين، متديّنين وثوريّين، وأن يتمكّنوا من المضيّ بقضايا البلاد إلى الأمام. هذا هو دعاؤنا وأملنا. نحن ندعو لكم جميعًا، و- أنا العبد -، أدعو لرئيس الجمهوريّة المُنتخَب، ولكم أيضًا، وكذلك لرئيس المجلس. هذا هو دعاؤنا الدائم، بغضّ النظر عمّن يكون رئيس الجمهوريّة أو رئيس المجلس أو رئيس السلطة القضائيّة، فإنّ دعاءنا يشمل دائمًا أحوال هؤلاء. نأمل أن توفّقوا، إن شاء الله.
ما زالت قضيّة غزّة قضيّة العالم الإسلامي الأولى. إنّ ما ذكرتُه للمجلس بشأن القضايا الخارجيّة والنشاط في مجال الدبلوماسيّة وأمثال هذه الأمور؛ تُشكّل قضيّة غزّة هذه أحد مصاديقه. لا تهدؤوا، لا تسكتوا، فالعمل مهمّ. صحيحٌ أنّه الآن، ومع مرور أشهر، لم تعد تلك الحماسة الأولى موجودة لدى العديد من الأشخاص، لكن واقع الأمر أنّ هذه الأيّام تحظى بأهمّيّة أكبر من تلك التي كانت في الأيّام الأولى، وقوّة المقاومة تظهر بنحوٍ أكبر يومًا بعد يوم. تقف قوّة ضخمةٌ على المستويات العسكريّة والسياسيّة والاقتصاديّة، مثل أمريكا، خلف الكيان الصهيونيّ الغاصب، وهم يحاربون مجموعة مقاومة، لكنّهم عجزوا عن إخضاعها. ولأنّهم لا يستطيعون إخضاع حماس والمقاومة، يصبّون جام غضبهم على النّاس. يُلقون القنابل فوق رؤوس الناس والمدارس والمستشفيات والأطفال والنساء، ويجري ارتكاب الجرائم وممارسة الوحشيّة بأقصى درجاتها على مرأى من عيون الناس حول العالم. وبات الناس حول العالم يُدينون الكيان الغاصب والخبيث. ولم ينتهِ الأمر، بل إنّ القضيّة ما زالت مستمرّة. فلتكونوا نشطين، إن شاء الله.
نرجو الله المتعالي أن يقدّر ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وخيركم، وخير الشعب، وأن نتمكّن جميعًا من أن يكون لدينا - بالحدّ الأدنى - أمام الله المتعالي عذر على الأعمال التي نقوم بها، وأن نتمكّن من قول شيء، وأن تكون أعمالنا أعمالًا يمكن الدفاع عنها في الحضرة الإلهيّة.
أسأل الله أن يحفظكم جميعًا، إن شاء الله، وأن يُرضي عنّا الروح المطهّرة للإمام [الخمينيّ] الجليل، والأرواح المطهّرة للشهداء، وأن يُرضي عنّا القلب المقدّس لصاحب العصر (أرواحنا فداه).
والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
[1] في بداية هذا اللقاء -الذي عُقِد بمناسبة افتتاح الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي- قدم السيد محمد باقر قاليباف (رئيس المجلس) تقريرًا.
[2] ضحك الحاضرون.
[3] بما في ذلك، كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلامي، بتاريخ 24/04/2023م.
[4] إبلاغ السياسات العامة لنظام التشريع، بتاريخ 28/09/2019م.
[5] كلمة الإمام الخامنئي (دام ظلّه) في لقاء رئيس ونواب الدورة الثامنة لمجلس الشورى الإسلامي، بتاريخ 08/06/2010م.
[6] بتاريخ 04/04/2011م.
[7] أقر البرلمان الحادي عشر «قانون المبادرة الاستراتيجيّة لإنهاء الحظر» بتاريخ 02/12/2020م.
[8] انعقدت الجمعية البرلمانية للدول الأعضاء في مجموعة البريكس في 11 تموز/يوليو من هذا العام في سان بطرسبرغ، روسيا.
[9] قانون سيسادا (CISADA) أو قانون العقوبات الشامل، يشكّل النواة المركزيّة للعقوبات المفروضة ضدّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة.
[10] باراك أوباما.
[11] من قبيل، كلمة سماحته خلال اللقاء مع أعضاء اللجنة القيّمة على إحياء الذكرى السنويّة للشهيد الفريق الحاج قاسم سليماني، بتاريخ 16/12/2020م.