الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1645 01 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 03 كانون الأول 2024 م

الجهاد ذروة سنام الإسلام

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع التعبويّين، بمناسبة حلول أسبوع التعبئةإنَّ ‌اللهَ مَعَ الصّابِرينمراقبات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبر
من نحن

 
 

 

التصنيفات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وأعزّ المرسلين، الرسول الأعظم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «إنّ من أشراط القيامة إضاعة الصلوات، واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء، وتعظيم أصحاب المال، وبيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه، كما يُذاب الملح في الماء، ممّا يرى من المنكر، فلا يستطيع أن يغيّره»[1].

إنّ ثورة الإمام المهديّ (عجّل الله تعالى فرجه) هي ثورة القيم، وإعادة الأمور إلى نصابها، من تقويم الاعوجاج في العقائد، إلى إصلاح ما فسد من الأخلاق، ومن القضاء على البدع، إلى سَوق العباد نحو الكمال الإنسانيّ. ولا شكّ في أنّ دولته هي دولة العدل الإلهيّ الذي يعمّ زوايا الحياة البشريّة كلّها، وقد تكلّم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على تلك العمليّة الإصلاحيّة، فقال: «منّا مهديّ هذه الأمّة. إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً، وتظاهرت الفتن، وتقطّعَت السبل، وأغار بعضهم على بعض، فلا كبير يرحم صغيراً، ولا صغير يوقِّر كبيراً، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك مهديَّنا، التاسعَ من صلب الحسين، يفتح حصون الضلالة، يقوم بالدرّة [بالدين] في آخر الزمان كما قمتُ به في أوّل الزمان، ويملأ الأرض عدلاً كما مُلِئت جوراً»[2].

إنّ الانحراف عن جادّة الحقّ والعدل، لا يُقتَصر فيه على انحراف السلطان وظلمه، أو على حكم القضاة بالجور وغير الحقّ، بل إنّ التفكّك الاجتماعيّ والتحلّل الأخلاقيّ وتهديم الأسرة وتضييع العبادات، هو أيضاً من مصاديق الجور والظلم والانحراف والفساد، كما أظهرت الرواية، وهذا يسوقنا إلى الفهم الدقيق لمعنى امتلاء الأرض بالجور والظلم قبل الظهور الشريف، ولم يعد ثمّة فرق بين استبداد الظلَمة وعتوِّ الدول المستكبرة، وبين تخلّي الأمّة عن مبادئها وهجران القيم.

لذا، ينبغي على المؤمن في عصر الغيبة الكبرى القيام بحفظ المبادئ والقيم، والتحلّي بمكارم الأخلاق، والاستقامة، وسلوك الصراط الذي جاء به الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، ولا يكون من المساهمين في نشر الفساد، كي لا نكون في عداد الطغاة والظلَمة الذين يملؤون الأرض فساداً وجوراً.

وفي ما يأتي نسلّط الضوء على بعض عناصر الجور والفساد ومصاديقهما.

في العلاقات الاجتماعيّة
إنّ العلاقات الاجتماعيّة ينبغي أن تقوم على التقدير والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع وعناصره، من الرحمة والتعاطف والمساندة والمواساة والمداراة ورعاية الحقوق والواجبات، بحيث لا يبقى أيّ مورد لتهديد الآخرين في أنفسهم وممتلكاتهم... وإنّ أهمّ الأسس في هذه العلاقات أساس الأخوّة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[3].

وهذا بخلاف ما لو كانت العلاقات الاجتماعيّة تقوم على أساس التنافس المادّيّ والتزاحم الجسمانيّ والتعدّي على الحقوق، فتؤدّي بالعنصر البشريّ إلى التمايز الطبقيّ، وتكون السيطرة للأقوى، وبذلك تنسلخ البشريّة من إنسانيّتها، وينتشر البغض والحسد والكراهية، وحينها يفقد المجتمع قِيَمه وأخلاقه، وهذا ما أشار إليه النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في قوله: «وذلك عندما يصير الدنيا هرجاً ومرجاً، ويغار بعضهم على بعض، فلا الكبير يرحم الصغير، ولا القويّ يرحم الضعيف، فحينئذٍ يأذن الله له بالخروج»[4]، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «فالويل لضعفاء أمّتي منهم، والويل لهم من الله، لا يرحمون صغيراً، ولا يوقّرون كبيراً، ولا يتجاوزون من مسيء، جثّتهم جثّة الآدميّين، وقلوبهم قلوب الشياطين»[5].

في العلاقات الأسريّة
الأسرة هي اللبنة الأساس في بناء المجتمع، فإذا تصدّعت انهار المجتمع بالكامل، وقد أشارت الروايات إلى ما تتعرّض له الأسر في آخر الزمان، من عدم الالتزام بالقيم والضوابط، من قبيل ظلم الزوج لحقوق زوجته، أو عدم رعاية الزوجة لحقوق زوجها، ومن عقوق الأولاد للآباء، وتخلّي الآباء عن مسؤوليّتهم في تربية الأبناء، وإلى ذلك يشير النبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في قوله: «وعندها يكثر الطلاق، فلا يُقام لله حدّ... وتكثر أولاد الزنا»[6]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ورأيتَ العقوق قد ظهر، واسْتُخِفَّ بالوالدَين، وكانا من أسوأ الناس حالاً عند الولد، ويفرح بأن يفتريَ عليهما... ورأيتَ ابن الرجل يفتري على أبيه، ويدعو على والدَيه، ويفرح بموتهما»[7].

تبدّل القيم
ومن الخطورة بمكان، أن يرى المرء القبيح فيرتكبه، وينظر إلى الحسن فيتركه، وأخطر منه أن يرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً، وأخطر من ذلك كلّه أن يأمر بالقبيح وينهى عن الحسن، وعندما يؤول الأمر بالمجتمع إلى أن يعطف الهدى على الهوى لا العكس، وكذلك يعطفون القرآن على الرأي وليس العكس، فإنّ هذا سيُفضي إلى إحياء البدعة وموت السنّة، وقد أشير إلى ذلك في مجموعة من الروايات، منها ما عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «عندها يكون المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ويؤتمن الخائن ويخون الأمين، ويُصدَّق الكاذب ويُكذَّب الصادق»[8]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ورأيت الحرام يُحلَّل، ورأيت الحلال يُحرَّم، ورأيت الدين بالرأي، وعُطِّل الكتاب وأحكامه»[9]، وعن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «يا أبا هاشم، سيأتي زمان على الناس، وجوههم ضاحكة مستبشرة، وقلوبهم مظلمة منكدرة، السنّة فيهم بدعة، والبدعة فيهم سنّة، المؤمن بينهم مُحقَّر، والفاسق بينهم مُوقَّر»[10].

كما تصبح القيمة حينها لأصحاب رؤوس الأموال، والكلمة للمال، فتُماث الإنسانيّة كما يُماث الملح في الماء، وهذا ما يحصل في زماننا، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «وكان صاحب المال أعزَّ من المؤمن، وكان الربا ظاهراً لا يُعَيَّرُ»[11].

تضيع العبادات
ومن مصاديق الظلم أيضاً إقبال المرء على الدنيا، فتصبح همَّه الأكبر، فلا يبالي حينها بطاعة الله، ويضيّع العبادات، فإذا لم تنهَ الصلاة عن الفحشاء والمنكر فهي ليست بصلاة، وإذا أكل الإنسان الربا ترك الزكاة، فتنقطع العلائق بين العبد وربّه، بل يُمسي إلهُه هواه، يأخذ من الدين ما يتوافق مع مصالحه وميوله، وهذا ما أشارت إليه أيضاً الروايات ممّا يحصل في عصر الغيبة الكبرى، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من أشراط القيامة إضاعة الصلوات، واتّباع الشهوات، والميل إلى الأهواء ... وأداء الزكاة أشدّ التعب عليهم، خسراناً ومغرماً عظيماً»[12]، وعنه (صلّى الله عليه وآله) أيضاً: «يأتي على الناس زمان، بطونهم آلهتهم، ونساؤهم قبلتهم، ودنانيرهم دينهم، وشرفهم متاعهم، لا يبقى من الايمان إلّا اسمه، ولا من الإسلام إلّا رسمه، ولا من القرآن إلّا درسه، مساجدهم معمورة من البناء، وقلوبهم خراب عن الهدى»[13].

إنّ ما ذُكر هو غيض من فيض ممّا جاء في الروايات والأحاديث من الكلام على ما يحصل في عصر الغيبة، من ضياعٍ للدين، وتفشٍّ للظلم، وانتشارٍ للفساد؛ لذا يكون المؤمن في هذا العصر كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «يأتي على الناس زمانٌ، الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر»[14]، ويذوب قلبه في جوفه، كما يذوب الملح في الماء.

وهنا، ينبغي على كلّ رائد من روّاد المجتمع، وعلى كلّ حريص وغَيور على الدين، أن يجاهد -وإن كانت دائرة مؤثّريّته ضيّقة ومحدودة- حرصاً على هذه القيم، وعدم حصول التحوّلات الكبرى فيها، وهذا ما انطلق منه الإمام الخمينيّ (قُدِّس سرّه) الذي أعاد تشييد بنيان النهج المحمّديّ الأصيل في مواجهة الطغاة والمستكبرين من أرباب الباطل والفساد، ليشكّل حصناً منيعاً يحفظ القيم الإنسانيّة والمبادئ الإلهيّة.


[1] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص304.
[2] الخزّاز القمّيّ، كفاية الأثر، ص64.
[3] سورة الحجرات، الآية 10.
[4] الخزّاز القمّيّ، كفاية الأثر، ص151.
[5] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص305.
[6] المصدر نفسه، ص306.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص41.
[8] عليّ بن إبراهيم القمّيّ، تفسير القمّيّ، ج2، ص304.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص39.
[10] الخراسانيّ الكرباسيّ، إكليل المنهج في تحقيق المطلب، ص128.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص39.
[12] السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج13، ص372.
[13] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج22، ص453.
[14] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص485.

26-11-2024 | 15-47 د | 113 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net