الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1645 01 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 03 كانون الأول 2024 م

الجهاد ذروة سنام الإسلام

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع التعبويّين، بمناسبة حلول أسبوع التعبئةإنَّ ‌اللهَ مَعَ الصّابِرينمراقبات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبر
من نحن

 
 

 

التصنيفات
العوامل الداخلية لظهور العلمانية في العالم الغربي
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


مقدمة:
ظهرت النظرية العلمانية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر على أثر المنهج التفكيري والأساليب الاجتماعية والسياسية التي اتبعتها الكنيسة في الغرب1، واستخدم تعبير (secularism) لأول مرة في اللغة الأوروبية عام 1648 في معاهدة وستنفاليا. وكان يقصد من تلك العبارة في تلك المرحلة أن المؤسسات والأراضي التي كانت موجودة تحت سلطة الكنيسة، قد خرجت عن سلطتها وأصبحت تحت سلطة سياسية غير دينية. لذلك استعانوا بعبارة "سكولاريسم" للتعبير عن هذه الحقيقة. وفي الوقت عينه بدأ استعمال هذه العبارة بين الناس للإشارة إلى التفكيك بين الأمور المقدسة والدينية والأمور الدنيوية.

واستعمل علماء الاجتماع في القرن العشرين هذا المصطلح في معنى آخر حيث أرادوا الاشارة إلى مجموعة الحركات والتحولات التي أدت إلى خروج المؤسسات الاجتماعية عن سلطة المراجع الرسمية الدينية والتي تم استبدالها بالأساليب العقلية وغير الدينية والعلمية والتجريبية.2

يتضح مما تقدم أن العلمانية ظهرت في الغرب وقد امتدت لتشتمل على جوانب وأبعاد مختلفة مع مرور الزمان. يقول ويلسون في هذا الشأن: "إن مسألة الفصل بين الدين والدنيا هو مفهوم غربي ظهر في أبرز صوره خلال القرن الحالي في الغرب".3

- ما هي العوامل الداخلية لظهور العلمانية في الغرب:

المقصود من هذه العوامل المواقف الكلامية للدين المسيحي. فلو حاولنا الإطلالة وبشكل مختصر على الدين المسيحي لوجدنا مقدار النقص الذي يعاني منه على المستوى الاعتقادي والاجتماعي والسياسي والأخلاقي. وإذا أخذنا بعين الاعتبار النمو والتطور المعرفي للبشر وتقدم العلوم التجريبية، فإن الدين المسيحي لم يتمكن من إيجاد مكان له على مستوى ذاك التطور والتقدم الحاصل.

يقول الأستاذ مطهري في هذا الخصوص: "قدمت الكنيسة سلسلة من المفاهيم الصبيانية وغير الكاملة حول الله، لا تتوافق مع الحقيقة بأي شكل من الأشكال. وهذا يعني أنها غير قادرة على اقناع الأشخاص المثقفين والواعين، لا بل جعلت هؤلاء يظهرون نوعاً من التنفر والكراهية للمذهب الإلهي".4

بناءً على ما تقدم اضطربت حاكمية الكنيسة بحركة واحدة وظهر عجزها في مقابل حركة الإصلاح الديني التي قادها "مارتين لوثر" فظهرت فلسفة سياسية جديدة قضت على سلطة الكنيسة.
وسنحاول الاطلالة على العوامل الداخلية ضمن محاور ثلاث:

ألف- عدم ارتباط المسيحية بالوحي
يعتبر هذا الأمر العامل الأول لظهور الفكر العلماني في الثقافة الغربية. وأما العهدان (التوراة والانجيل) فهما عبارة عن رواية سلوك وأقوال النبي موسى (عليه السلام) والنبي عيسى (عليه السلام) ونقل أخبار حياتهم اليومية. التوراة والأناجيل الأربعة الموجودة حالياً ليست نصاً وحيانياً، وعدم وجود نص وحياني ساهم في ظهور أفكار وعقائد غير صحيحة وخرافية كعقيدة التثليث والفداء و... وقد أدى هذا الأمر إلى الابتعاد عن العقلانية بالأخص فيما يتعلق بالعقائد الدينية.5

ب- النقص في النصوص الدينية المسيحية (الأناجيل الأربعة)
لعل من أهم العوامل التي ساهمت في ظهور الفكر العلماني في الثقافة الغربية، هو الكتاب المقدس والنصوص العديدة التي أيدت مسألة التفكيك بين الدين والحكومة. وفيما يلي نشير إلى بعض الشواهد من الأناجيل الأربعة:

1- بناءً على النص الموجود في الانجيل فإن تقسيم العمل بين الكنيسة والقيصر أمر مقبول. لأنه بناءً على النص ما لقيصر فهو لقيصر وما لله فهو لله. نقرأ في الانجيل العبارة التالية:
"حينئذٍ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا معلم نعلم أنك صادق ونعلم طريق الله بالحق ولا نبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس. فقل لنا ماذا تظن. أيجوز أن نعطي جزية لقيصر أم لا. فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربونني يا مراؤون، أروني معاملة الجزية. فقدموا له ديناراً. فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة. قالوا له لقيصر. فقال لهم أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما لله لله".6

2-
يقول النبي عيسى (عليه السلام) في جواب سؤال بيلاطيس الذي سأله: هل أنت ملك اليهود؟: "مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكي لا أسلّم إلى اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا".7

3-
عندما شاهد بعض الناس معجزة عيسى (عليه السلام) طلبوا منه أن يكون حاكماً عليهم، أما عيسى فقد امتنع عن ذلك: "وأما يسوع فإذا علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده".8

يتضح من النصوص المتقدمة أن عيسى (عليه السلام) كان يسعى دائماً لإبعاد نفسه عن الحكومة والسياسة وكان يحذر المحيطين به من ذلك.

ج- الفقر في الكلام والإلهيات المسيحية
من العوامل التي ساهمت في وجود الأفكار العلمانية، الإلهيات والعقائد الجافة في المسيحية. إن اصرار آباء الكنيسة على التمسك بظواهر آيات الإنجيل، أدّى إلى تقديم قراءة للدين لا تتناسب مع العقل والعلم وقد ساهم هذا الأمر في توجيه النقد للمسيحية وإفساح المجال للملحدين للتعرض للدين المسيحي. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى نماذج متعددة من جملتها مسألة الفداء والتثليث وعصمة البابا...

1- ج- المعصية الفطرية ومسألة الفداء
يعتقد أصحاب الكنيسة أن معصية آدم في الجنة انتقلت إلى أبنائه، وهذا يعني أن جميع نسله عاصون بالفطرة، وأما التخلص من المعصية الفطرية فغير ممكن عن طريق العبادات والأعمال الحسنة، لذلك قدم عيسى (عليه السلام) نفسه فداءً كفارة للمعاصي. نقرأ في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية: "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله".9

إن مسألة المعصية التي ارتكبها آدم منذ آلاف السنين والصفح عنها من خلال التضحية بإنسان آخر، جزء أساسي من العقائد الكلامية المسيحية10 التي روج لها آباء الكنيسة ومن أبرزهم القديس "اغوستين" (354- 430). واعتبرت مخالفة هذه العقيدة مخالفة للدين حيث يترتب على ذلك أنواع من العقوبات. لعل من أبرز المعارضين لهذه العقيدة القسيس "بلاكيوس" المعاصر لأغوستين الذي خلع من منصب القساوسة ثم اختفى من الوجود.11

2- ج- رسالة العفو أو الغفران
"رسالة العفو" من الأعمال الأخرى التي روجت لها الكنيسة، أي بيع الجنة بواسطة القساوسة. وكان العاصون يقدمون بعض الأموال للقساوسة بهدف العفو عن معاصيهم. ولعل البابا ليو العاشر كان من أبرز الذين عملوا على بيع المعاصي والذنوب بهدف بناء كنيسته الفخمة التي تطلبت مبالغ طائلة.

لقد اعتبرت الكنيسة أن هذه الممارسة جزء أساسي من الإلهيات المسيحية حيث اعتمدوا في جوازها على كلام منسوب للسيد المسيح يخاطب به بطرس، يقول فيها: "وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السموات".12

وعارض الاصلاحيون عقيدة الكنيسة هذه وقد اعتبر ويل ديورانت أنها كانت الشعلة الأولى لحركة الإصلاح الديني.13

من جهة أخرى أدت هذه العقيدة إلى وجود ورواج المفاسد والانحرافات في أوروبا وقد شرح "تامس غسكوين" رئيس جامعة اكسفور في العام 1450 الآثار السلبية لهذه العقيدة فقال: "اليوم يقول العصاة: لا أهتم بمقدار المعاصي التي أرتكبها إذا ما وقفت أمام الله، فأنا ارتكب المعاصي، لأنني سأحصل على البراءة من المعاصي من خلال الاعتراف وطلب العفو من القساوسة. لقد انتشر بائعو رسائل العفو في أنحاء البلاد وكانوا يبيعون الواحدة بريالين (بنس) أو بجرعتين من الشراب أو ماء الشعير...".14

3- ج- عصمة البابا وعدم قبول النقد
إن العصمة التي أحاطت الكنيسة نفسها بها ومصونيتها عن الخطأ، من الأمور الخاطئة التي وقعت فيها. تعتبر الكنيسة وعلى رأسها البابا أنها جزء من مقدسات الدين المسيحي وخلافة الله وعيسى المسيح. فآراء الكنيسة بمنزلة الكتاب المقدس لا تقبل النقد لا بل هي واجبة الطاعة.

يقول القديس "اغوستبنوتر" في رسالته: "إن سلطة البابا من الله، لأنه خليفته والقائم مقامه على الأرض. وطاعة البابا واجبة حتى لو كان مستغرقاً في المعاصي... إن مقام البابا أعلى من مقام الملائكة".15

إن نظرة إجمالية على العوامل الداخلية تبين أن النصوص الدينية المسيحية ساهمت بشكل كبير في ظهور الفكر العلماني.

* أكبر أسد علي زاده - بتصرّف


1- فلسفة الدين، ص234.
2- راجع: ثقافة الدين، ص124- 125.
3- المصدر نفسه، ص142.
4- الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري، مجموعة الآثار، طهران، انتشارات صدرا، الطبعة السابعة، 1376هـ.ش، ج1، ص479.
5- فصلية "كتاب نقد"، ص76 و77.
6- انجيل متى، الفصل 22؛ انجيل مرقس، الفصل 12، انجيل لوقا، الفصل 20.
7- انجيل يوحنا، الفصل 19، العدد 36.
8- انجيل يوحنا، الفصل 6، العدد 15.
9- رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الفصل 3، العدد 24- 25.
10- راجع: ايان باربور، العلم والدين ترجمة (إلى الفارسية) ترجمة بهاء الدين خرمشاهي، طهران، نشر معراج، الطبعة الثانية، 1374هـ.ش، ص120 و406.
11- راجع: محمد حسن قدردان قراملكي، العلمانية في المسيحية والإسلام، قم، نشر دفتر الاعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1379هـ.ش، ص44.
12- انجيل متى، الفصل 16، العدد 19.
13- ويل ديورانت، تاريخ الحضارة، ترجمة فريدون بدره اى، سهيل آذرى، برويز مرزبان، طهران، انتشارات الثورة الإسلامية، الطبعة الثالثة، 1371هـ.ش، ج6، ص26.
14- المصدر نفسه، ص27.
15- العلمانية في المسيحية والإسلام، ص51.

21-12-2011 | 06-00 د | 3191 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net