الصفحة الرئيسية
بحـث
تواصل معنا
Rss خدمة
 
  تحريك لليسار إيقاف تحريك لليمين

العدد 1645 01 جمادى الثانية 1446 هـ - الموافق 03 كانون الأول 2024 م

الجهاد ذروة سنام الإسلام

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَكلمة الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء مع التعبويّين، بمناسبة حلول أسبوع التعبئةإنَّ ‌اللهَ مَعَ الصّابِرينمراقبات

العدد 1644 23 جمادى الأولى 1446 هـ - الموافق 26 تشرين الثاني 2024 م

ضياع القِيم في عصر الغَيبة

وللمظلوم عوناًالكلّ يحتاج إلى الصبر مراقباتمعاني الصبر
من نحن

 
 

 

التصنيفات
هل أنجز الحسين عليه السلام مهمته الإصلاحية?
تصغير الخط تكبير الخط أرسل لصديق

بسم الله الرحمن الرحيم


بداية:
إن من أشهر الأحاديث المتداولة والمنقولة عن الإمام الحسين عليه السلام في حركته المباركة، هو قوله عليه السلام:"اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، وانما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر". وغدا هذا الحديث الشريف شعارا، ترفعه وتتغنى به سائر الحركات الثورية والتغييرية، على مدى التاريخ، الذي تلا حركته الشريفة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في المقام، هو: هل وصل الحسين عليه السلام الى تنفيذ هذا الشعار الذي رفعه كإعلان لحركته وثورته المباركة؟ بمعنى ان ثورته قد بلغت الغاية التي انطلقت من اجلها؟ ام انها بقيت شعارا او رمزا، دون ان يكون لها اثر عملي، بعد مقتله عليه السلام واهل بيته واصحابه.

بين الشعار والهدف:
مما لا شك فيه ان الجواب على السؤال المذكور يكتسب مصداقيته، بشكل رئيسي والحكم عليه سلبا او ايجابا، من خلال ملاحظة مدى الانسجام والتوافق بين الشعار المرفوع، والهدف الذي يسعى الثائر لانجازه، وتحقيق هذا الهدف بالفعل.
ولا بد من الاشارة في البداية الى أن اهمية الهدف، ومدى تحقيقه، لا تتوقف على النتيجة المباشرة والمحسوسة للعمل، او الحركة. والذي يحدد اهمية الهدف، وما يتناسب مع الموضوع الذي يترتب عليه ذلك الهدف، فانه هو الذي يحدد مقدار التضحية، التي يجب دفعها للوصول اليه، فان من غير المنطقي، ولا من العقلاني، ان تكون التضحية كبيرة جدا، بينما يكون الهدف المترتب عليها هزيلا او معدوما. كما ان أي حركة تغييرية او اصلاحية، يجب ان تكون مدروسة بعناية زائدة، سواء من حيث منطلقاتها، ام من حيث نتائجها، خصوصا اذا كان الثمن فيها دماء تراق، ونفوس وارواح تزهق.

الاصلاح هو الهدف:
لقد طرح الامام الحسين عليه السلام عنوان الإصلاح كهدف رئيسي، بل وحيد لحركته المباركة، ومن الواضح أن عنوان الاصلاح لا يمكن ان يتحقق ويبرز إلى العلن، إلا اذا انتشر الفساد واستفحل في الأمة، والا فان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا زال قائما منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يقم أحد قبله عليه السلام بهذا النوع من التغيير، حتى أمير المؤمنين عليه السلام الذي عانى من الأمة ماعاناه. وهذا يقتضي ملاحظة ما وصلت الحال اليه في الأمة الاسلامية، حتى غدا عنوان الإصلاح هدفاً، يستحق أن تبذل في سبيله اسمى المهج وأعلاها عند الله تعالى.

نستلخص مما تقدم أنه عليه السلام قد فقد الأمل في انقاذ الأمة الاسلامية، من دون تسجيل مأساة كبرى في تاريخ الاسلام، بل في تاريخ الإنسانية كلها، يمكنها أن تبقى حاضرة في أذهان الناس، وتكون معينا فياضا في استنهاض النفوس، وتحريك العواطف والعقول والهمم كلما حل بالأمة فساد أو ركود، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

بدايات الانحراف:
لقد بدأ الانحراف، والابتعاد عن المفاهيم الاسلامية الحقة، منذ رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا العالم، وأخذت تحل مفاهيم أخرى، طارئة على المجتمع الإسلامي شيئاً فشيئاً. إلا أن الذين كانوا على رأس هرم السلطة، في تلك الفترة، لم يكونوا مطلقي اليد في فعل ما يشاؤون، وإنما كانت تحكمهم مجموعة من الاعتبارات، التي لم يكن من الممكن تجاوزها: منها قرب عهد الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الذين عاصروه وخبروا سيرته، ولم يكونوا قد نسوا مقولاته الشريفة وسياساته الحكمية في الدولة الإسلامية الفتية، ومعناه أن أي تغيير وانقلاب على سياسات النبي الأعظم، سيكون مكشوفا ومفضوحا، لا يمكن تجاهله، وسيكون من الصعب عليهم تنفيذه والقفز فوقه.

ومنها أن هؤلاء الحاكمين كانوا يزعمون انهم يحكمون الناس، بصفتهمهم خلفاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا بنفسه يحد من قدرتهم على تغيير المفاهيم الاسلامية بشكل ظاهر وواضح، فان أي تلاعب وتغيير سيؤدي إلى افتضاح الأمر، وقيام الناس بوجههم، وفي مقدمتهم أهل البيت عليه السلام ، وعلى رأسهم علي عليه السلام. وهذا ما يفسر سكوت علي عليه السلام عن المطالبة بحقه في الخلافة، وسعيه إلى تحصين الناس في دينهم، وفي مفاهيمهم الدينية، الأمر الذي يشكل ضمانة لبقاء الدين حيا في النفوس قدر الإمكان، ولو على مستوى النظرية والسلوك الفريدي لدى أفراد الجماعة الإسلامية، مما يشكل أهم ضمانة على المستوى الاسترايجي في ما يرتبط بمستقبل الأمة الإسلامية، ومستقبل الإنسانية بشكل عام.. وهو ما كان يتجلى في سلوكيات الحكام، من تراجع عن مواقف اتخذوها، بعد حركة علي عليه السلام أو أصحابه في وجوههم، فكانوا يصرحون بين الفينة والأخرى بقصورهم في المعرفة، وحاجتهم إلى رأي علي عليه السلام وسائر الصحابة المخالفين لسياساتهم.

سيطرة الفساد في الأمة:
إلا أنه مع استيلاء يزيد بن معاوية على مقاليد الحكم، وتسلطه على رقاب الناس، وهو المعروف بالفسق والفجور، وشرب الخمور، وغير ذلك من المفاسد الكبرى، كما صرح بذلك الإمام الحسين عليه السلام نفسه، وقد تربى في بيئة معادية للإسلام أصلا، كما أن تباعد الفترة الزمنية تلك عن العهد النبوي الشريف، مما أدى إلى نشوء أجيال جديدة، بعيدة كل البعد عن المفاهيم والقيم الإسلامية الأصيلة، لم يبق أي مجال للاصلاح والتصويب بواسطة الكلمة والموعظة، ونتيجة لذلك فإن عدم القيام بحركة إصلاحية كبرى، وإحداث صدمة معاكسة في ضمير الأمة، تعيدها إلى جادة الصواب، سيؤدي حتما إلى انهيار الأمة الإسلامية، والقضاء على ما بناه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وحرص على إقامته، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن من طبيعة الناس التأثر بسياسات الحكام وشخصياتهم، إلى حد بعيد، خصوصا في ما تميل إليه النفوس، مما ينعكس سلوكا سلبيا في وجدان الأمة.

إلا أن محاولة فهم الحركة الحسينية على أنها انقلاب على نظام الحكم القائم، وسعي إلى استلام مقاليد الحكم، من دون تغيير إيجابي في وجدان الأمة، يعيدها إلى القيم والمفاهيم الحقة، تشكل خطأ فادحا في فهم الحركة الحسينية، وفي ترتيب النتائج المترتبة عليها، وظلما للحقيقة التي سعى الحسين عليه السلام إلى إبرازها وبيانها. وهو ما لا يتوافق مع التصريحات التي أطلقها عليه السلام في بداية نهضته المباركة، والتي حددت مسارها، وأشارت إلى نتائجها الواقعية والمرجوة، من قبيل كلامه الشريف الذي صدرت به هذا المقالة، وقوله عليه السلام "شاء الله أن يراني قتيلا"، وقوله بحق نسائه "شاء الله أن يراهن سبايا".

كما يتنافى مع سير الأحداث والوقائع الخارجية، والحكمة العالية التي يتمتع بها الإمام الحسين عليه السلام، فإن من غير المنطقي ولا من العقلائي، أن يخرج في سبيل تغيير نظام الحكم، ويثور بوجه السلطة القائمة، والتي تملك زمام الأمور، وتهيمن على نقاط القوة في الدولة، وهو لا يملك سوى نفسه وأفراد عائلته، وبضع صحابة لا يتجاوز مجموعهم سبعين رجلا.

وعلى فرض نجاحه في مهمة قلب نظام الحكم، والسيطرة على مقاليد الأمور، وهو أمر بعيد في نفسه، بملاحظة الامكانات المادية والبشرية لدى الفريقين، فمن غير الممكن أن يصل إلى غايته الكبرى، وهي اصلاح المجتمع الذي يريده، على كافة المستويات، وهو يتنافى مع الشعار الذي أطلقه، معللا خروجه المبارك بوجههم.

تقييم النهضة ونتائجها:
إستنادا إلى ما تقدم، فإن دوافع النهضة الحسينية وأهدافها لم تكن السيطرة على الحكم، لمجرد عزل فريق واحلال آخر محله، إن غاية هذه النهضة المباركة كانت إحداث اهتزاز كبير في وجدان الأمة، وإيقاظ الناس وتنبيههم إلى الخطر المحدق بهم، وإحياء الوجدان السليم، والقيم الدينية الحقة في نفوسهم، والإبقاء على المفاهيم الحقة لديهم، وبيان أن حقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن أن تكون مؤقتة بزمان خاص، ولا مؤطرة بأطر مفروضة من قبل السلطات الحاكمة، فإنه يمكن القول بوضوح تام، إن النهضة الحسينية المباركة قد آتت أكلها، ووصلت إلى الغاية التي انطلقت من أجل تحقيقها، فوقع النهوض من تحت أنقاض الظلم والتعسف على مدى التاريخ اللاحق لها، وصار من الممكن بيان الأحكام والمفاهيم الحقة في مختلف الظروف والمناسبات، ولم يستطع الأمويون ومن وراءهم من طمس معالم الدين، واستئصال شأفة الحق، رغم محاولاتهم الحثيثة وسعيهم الدؤوب لذلك، بكافة الوسائل والسبل.

وهكذا غدت واقعة الطف نبراسا يحتذي به الباحثون عن الحرية والحق، وعنوانا يقتفي أثره الساعون إلى إحياء القيم الإنسانية، وغدا الحسين عليه السلام وأصحابه معينا يرتشف مناهله العذبة كل المستضعفين في الأرض على مدى الدهور. وكفى بذلك ثمرة مباركة، لشجرة النبوة المباركة.


سماحة الشيخ حاتم اسماعيل

10-01-2012 | 01-33 د | 3335 قراءة


 
صفحة البحــــث
سجـــــــل الزوار
القائمة البريـدية
خدمــــــــة RSS

 
 
شبكة المنبر :: المركز الإسلامي للتبليغ - لبنان Developed by Hadeel.net