محاور الموضوع الرئيسة:
- مبدأ الصلح في الإسلام
- أهداف الصلح والثورة وظروفهما
- آثار الصلح والثورة ونتائجهما
- وجه العلاقة بين الصلح والثورة
الهدف:
التعرّف الى أهداف ومبادئ ونتائج الصلح الحسني والثورة الحسينية والعلاقة التكاملية بينهما
تصدير الموضوع:
قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار"1
مدخل:
من السهل على الباحث في تاريخ الإمامين الحسنين القول: إن صلح الإمام الحسن عليه السلامفي تلك الظروف كان الواجب المتعيّن على الإمام عليه السلام، كما أنّ ثورة الإمام الحسين على "يزيد" وشهادته مع أهله وأصحابه في تلك الظروف كانت هي الواجب المتعيّن على الإمام الحسين عليه السلام، لكن يبقى الكثير من القضايا ينبغي التوقّف عندها بالبحث والتحليل، منها ما يرتبط بطبيعة كل مرحلة، ومنها ما له صلة بالترابط بين الحدثين، وهل صحيح بأن صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية، قد مهّد لثورة الإمام الحسين عليه السلام وتكامل معها في مواجهة النهج الأموي المتمثّل بيزيد؟
لدراسة هذه القضية ينبغي إيضاح الأمور الآتية:
1- مبدأ الصلح في الإسلام
2-أهداف الصلح والثورة وظروفهما، ومواقف الإمامين عليهما السلام من معاوية ويزيد، وأسلوب المواجهة.
3- آثار الصلح والثورة ونتائجهما.
أولاً- مبدأ الصلح في الإسلام
من الأمور الجديرة بالبحث عند الحديث عن صلح الإمام الحسن، ومقارنته بأدوار بقية الأئمة من بعده و لاسيما ثورة الإمام الحسين عليه السلام، أن قضية الصلح ليست من الأفكار التي ابتدعها الإمام الحسن في ممارسته السياسية، بل إنها ترتبط بمبدأ فكري أساسي في الدين الإسلامي. وما نفهمه من التاريخ الإسلامي في عهد النبي وخليفته الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام، أن الإسلام دين سلام ودين حرب معاً، فهو يسالم في ظروف معينة، ويقاتل في ظروف أخرى، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان منذ بدء الدعوة في مكة وحتى السنة الثانية من الهجرة، يتبع أسلوب السلم والمسالمة مع الأعداء، وكان يتحمّل كل ألوان الأذى والاضطهاد مع أصحابه المسلمين من مشركي مكة، بل كان بعضهم يموت تحت التعذيب، وحتى عندما هاجر إلى المدينة فنرى أنه كان في بعض الأحيان يحارب المشركين واليهود والنصارى، وأخرى كان يبرم اتفاقيات السلام والصلح مع الأعداء، كما حدث في صلح الحديبية حيث هادن مشركي مكة وهم ألد الأعداء لله ولرسوله ووقّع معاهدة الصلح معهم.
وكذا نرى أن أمير المؤمنين كان يقاتل في مكان ويتجنّب القتال في مكان آخر، فبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذهاب الخلافة إلى غيره مع تصريح النبي في الغدير بأن علياً خليفته لم يرفع السيف، وكان يقول: "لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري، ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة التماساً لأجر ذلك وفضله وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه…"،2واستمرّ علي فترة تزيد على عقدين يواجه العنف والخشونة باللين والهدوء. إذاً فالمسألة ليست هي صلح الحسن عليه السلام، وحرب الإمام الحسين عليه السلام، بل هي مسألة ينبغي أن تبحث بصورة أكثر شمولاً.3
ثانياً- أهداف الصلح والثورة وظروفهما
مما لا شك فيه أن الإمامين الحسنين عليه السلام من الأئمة المعصومين المطهّرين بنص الكتاب والسنة، وهما إمامان قاما أم قعدا، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، اللهمّ إنّي أحبهما فأحبّ من يحبّهما"4 وهما خير أهل الأرض5, وهما سيّدا شباب أهل الجنة6, وهما من العترة أهل البيت التي لا تفترق عن القرآن الى يوم القيامة، ولن تضلّ اُمّةٌ تمسّكت بهما 7، وهذا يعني أن كل ما يقوم به الإمامان على مستوى الشريعة، ونظام الحكم، ومختلف المجالات السياسية والعسكرية وغيرها، ينبغي أن يكون في مصلحة الرسالة الإسلامية، وحفظ نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بلا فرق بين أن يكون إعراضاً عن الحكم، أو صلحاً، أو ثورة في وجه الظالمين، وشهادة في سبيل حفظ دين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولهذا عندما ننظر إلى أهداف الصلح الحسني والثورة الحسينية، نجد أنها تستند إلى نفس المبادئ، وتسعى لتحقيق نفس الغايات والأهداف.
أ- موقف الإمام الحسن من معاوية: فهذا الإمام الحسن قبل أن يقبل باقتراح معاوية للصلح قام عليه السلام بإتمام الحجّة، من خلال خطاب يتضمّن استطلاعاً لآراء أصحابه، واستخباراً لنيّاتهم، وبنفس الوقت حدّد موقفه من معاوية، وبيّن صفاته، ونواياه السيئة، وتآمره على الأمة، فقال عليه السلام بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه:"أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلّة ولا قلّة، ولكن كنّا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فَشيب السلام بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجَّهون معنا ودينُكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم، وكنّا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا ، ثمّ أصبحتم تصدّون قتيلَين: قتيلاً بصفّين تبكون عليهم، وقتيلاً بالنهروان تطلبون بثأرهم، فأمّا الباكي فخاذل، وأمّا الطالب فثائر". وبعد ذلك عرض عليهم اقتراح معاوية الصلح، وقال عليه السلام: "وإنّ معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عزٌّ ولا نَصَفَةٌ، فإن أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله". وأضاف الراوي: "فنادى القوم بأجمعهم: بل البقيةُ والحياة".8
وحتى عندما ترك الإمام الحسن عليه السلام أمر الحكم لمعاوية فترةً من الزمن، من خلال معاهدة الصلح,لم يقدّم أيّ امتياز لمعاوية، و لم يعترف به رسمياً باعتباره خليفةً وحاكماً للمسلمين، بل اعتبر الحكم والقيادة من حقّه الشرعي، مثبتاً بطلان ادعاءات معاوية بهذا الصدد. وهو الذي كتب إلى معاوية: "ولو آثرت أن أقاتل أحداً من أهل القبلة لبدأت بقتالك، فإنّي تركتك لصلاح الأمة وحقن دمائها".9
ب-أهداف الثورة الحسينية ومبادئها: وهذا الإمام الحسين يعلن بأن خروجه كان لأجل الإصلاح، والنهي عن المنكر، والأمر بالمعروف، والمعلوم أنه لا حاجة إلى الإصلاح والنهي عن المنكر، إلا حيث الفساد والخراب والظلم والمنكر
وكانت أوضح مصاديقه في الحكم الأموي المتمثّل بيزيد وأعوانه, فقال أبو عبد الله الحسين عليه السلام في سياق وصيّته لأخيه محمد بن الحنفية: ".. وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي، اُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين".10
"فإنّ الإصلاح المقصود هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كلّ جوانب الدين والحياة، وقد تحقّق ذلك من خلال النهضة العظيمة التي قام عليه السلام بها، فكانت الهداية و الرعاية للبشر دينياً ومعنوياً وإنسانياً وأخروياً بشهادته عليه السلام، وتلك النهضة التي تربّت عليها أجيال من الاُمّة، فكان الإمام الخميني، وكانت الثورة الإسلامية، وكانت المقاومة الإسلامية في لبنان على هذا النهج والمبدأ.
وحدّد الإمام الحسين عليه السلام كذلك مبادئه في مواجهة الأمويين، حيث أعلن ذلك الموقف الرسالي العظيم الذي يهزّ كيان الأمة، ويحثّّها على أن لا تموت هواناً وذلاًّ، رافضاً بيعة الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية قائلاً: "إنّ مثلي لا يبايع مثله". وها هو يصرّح لأخيه محمد بن الحنفية مجسّداً ذلك الإباء بقوله عليه السلام: "يا أخي! والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية حياة الإمام الحسين".11
وكذا عندما وقف صارخاً بوجه جحافل الشرّ والظلم من جيوش الردّة الأموية قائلاً: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ إقرار العبيد، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون". فلقد كانت كلمات الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام تعبّر عن أسمى مواقف أصحاب المبادئ والقيم وحملة الرسالات، كما تنمّ عن عزته واعتداده بالنفس، فقد قال عليه السلام:
"ألا وإنّ الدعيَّ ابن الدعيَّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام".12
ثالثاً: آثار الصلح والثورة ونتائجهما
بعد هذا البيان الموجز لمبادئ الصلح الحسني، وأهداف النهضة الحسينية ومبادئها، لا بد من عرض نتائج وآثار هذه النهضة المباركة وتكاملها مع صلح الإمام الحسن عليه السلام لناحية الأهداف والنتائج، مع اختلاف في الوسيلة والأسلوب، فإن ّما قام به الإمام الحسن عليه السلام ثورة عاصفة في صلح لم يكن منه بدّ، أملاه ظرف الإمام الحسن عليه السلام إذ التبس الحقّ بالباطل، وتسنّى للطغيان فيه سيطرة مسلّحة ضارية، فهوعليه السلام كغيره من أئمة هذا البيت عليهم السلام يسترشد الرسالة في إقدامه وإحجامه، وقد امتحن بهذه الخطّة فخرج منها ظافراً طاهراً.
ولولا صلح الإمام الحسن الذي فضح معاوية وشهادة الإمام الحسين عليه السلام التي شكّلت السبب المباشر لبداية انتهاء الدولة السفيانية، لذهبت جهود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطرفة عين، وصار الدين دين آل أبي سفيان، ودين الغدر والفسق والفجور، الذي يعتمد سياسة إبادة الصالحين واستبقاء الفجرة الفاسقين .
فإن فاجعة كربلاء كانت صرخة مدوية بلغت بصداها كل ضمير حي يتعطّش للحياة الحرة، فكان لا بد لمثل هذه الحركة الثورية الدامية والزاخرة بالعديد من المواقف التضحوية النبيلة، وما تمخّضت عنه من مفاهيم وقيم استنهاضية من أن تحدث حركة تغييرية في المجتمع. وعليه فهنالك جملة من النتائج التي نتجت عن قيام صلح الإمام الحسن عليه السلام، وثورة الإمام الحسين عليه السلام والتي تعد في عداد الانجازات العظيمة التي نجحت الثورة في تحقيقها:
1- تحطيم الاطار الديني المزيف الذي كان الأمويون وأعوانهم يحيطون به سلطانهم فقد أشاع الحزب الأموي انهم يحكمون الناس بتفويض إلهي، وأنهم خلفاء رسول الله حقاً، هادفين من وراء ذلك إلى أن يجعلوا من الثورة عليهم عملاً محظوراً. وان ظلموا وجوّعوا وشردوا المؤمنين، وان يجعلوا لأنفسهم باسم الدين، الحق في قمع أي تمرد تقوم به جماعة من الناس وان كانت محقة في طلباتها. وقد قاموا بتأمين الغطاءلذلك من خلال الاستعانة بطائفة كبيرة من الأحاديث المكذوبة على النبي صلى الله عليه وآلهوسلم. ومنذ ذلك اليوم، تحطم الإطار الديني المزيف الذي أحاط به الظالمون حكمهم الفاسد، فلم تعد لهذا الحكم حرمة دينية في نفوس المجتمع.
2- ايقاظ الامة ببيان الاثم المتمثل بخذلان الحق واهله عند كل نفس وفرد، وهذا الشعور الذي تحوّل إلى نقد ذاتي من الشخص لنفسه، يقوّم على ضوئه موقفه من الحياة والمجتمع، فكان التعبير الطبيعي للرغبة في التكفير عن الإحساس بالذنب والتقصير تجاه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الثورة على الظالمين في كل زمان ومكان.
3- خلق مناقبية جديدة للإنسان المسلم، وفتح عيني هذا الإنسان على عوامل مضيئة باهرة، فلقد كانت أخلاق الحسين عليه السلام وآله وأصحابه هي الضربة الموجعة والقاضية للحكم الأموي. فبهذه القيم وتلك المبادئ انتصر الدم الحسيني الطاهر على السيف الأموي.
4- بعث الروح الجهادية في الإنسان المسلم من اجل إرساء المجتمع على قواعد جديدة، ومن أجل رد اعتباره الإنساني إليه، فثورة الحسين عليه السلام حطّمت كل حاجز نفسي واجتماعي يقف في وجه الثورة، وهذا ما يفسّر ظاهرة الثورة على الظلم والظالمين، و لاسيما تلك التي ثارت ثأراً لكربلاء في وجه الأمويين وأعوانهم، فان هذه الثورات والحركات ما هي إلا نتاج ما بثّته ثورة الحسينعليه السلامفي عروق الناس من روح الثورة والتمرّد على الظلم والظالمين، وقضائها على روح التواكل والخنوع والتسليم للحاكمين.
5- صون الإسلام وإحياؤه بالنهضة الحسينية
6- منع الارتداد إلى الجاهلية، وبث روح التضحية وعدم الخوف: يقول الإمام الخميني في هذا المجال : "... ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهلي لأمثال أبي سفيان... الخ» و"لقد أفهمنا سيد الشهداءعليه السلام وأهل بيته وأصحابه أن على النساء والرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور، فقد وقفت زينب عليها السلام في مقابل يزيد وفي مجلسه وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيرا"ً...13
7- حفظ القرآن وجهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يقول الإمام الخميني: "لقد أثمرت شهادة سيد المظلومين وأتباع القرآن في عاشوراء خلود الإسلام وكتبت الحياة الأبدية للقرآن الكريم "...14
8- الانتصار بالتضحية: وعن السلاح الذي انتصر به الحسين عليه السلام يقول :"يعد شهر محرم بالنسبة لمدرسة التشيع الشهر الذي نحقق فيه النصر اعتماداً على التضحية والدماء"...15
1- مستدرك الحاكم : 3 / 166، وتأريخ ابن عساكر : ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، وإعلام الورى : 1 / 432
2- نهج البلاغة،ج، خطبة 74
3- بتصرّف عن مرتضى مطهري، من حياة الأئمة الأطهار، ص 50 وما بعد
4- المناقب لابن شهر آشوب : 3 / 163
5- عيون أخبار الرضا: 1 /67
6- سنن ابن ماجة:1/56، والترمذي: 539
7- جامع الترمذي: 541، ومستدرك الحاكم: 3 / 109
8- بحار الأنوار : 44 / 21 .
9- المصدر نفسه.
10- مقتل الحسين للمقرّم:156.
11- عليه السلام: 1 / 135.
12- أعيان الشيعة : 1 / 603.
13- المصدرنفسهنهضةعاشوراء ص56
14- المصدر نفسه
15- المصدر نفسه.