محاور الموضوع ألرئيسة:
1- ذكر اسباب الخوف من الموت
2- التهيؤ لساعة الموت
3- اهمية الاعتقاد الصحيح بالموت في حياة الأمم
الهدف:
الحثّ على ذكر الموت
تصدير الموضوع:
عن الامام علي عليه السلام: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه".
بين شغف الإمام بالموت وخوف الإنسان منه
ان الإمام علي عليه السلام في كلامه هذا يؤكد شغفه بالموت، والحال أننا نعرف أن الإنسان بشكل عام يخاف الموت ويبتعد عن ذكره،فما هو السرّ في شغف الأمير عليه السلام بالموت؟ نعرف ذلك من خلال معرفتنا لأسباب الخوف من الموت ففي الحقيقة إن للخوف من الموت أسباباً:
1- الخوف من الفناء والعدم
إن كراهة معظم الناس للموت وخوفهم منه لأجل أن الإنسان حسب فطرته التي فطرها الله سبحانه، وجبلّته الأصيلة، يحب البقاء والحياة، ويتنفر من الفناء والممات، وحيث إن في فطرة الإنسان هذا الحب وذاك التنفر، فإنه يحب ويعشق ما يرى فيه البقاء، ويحب ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة، ويهرب من العالم الذي يقابله. وحيث إن كثيراً من الناس لا يؤمن إيماناً يقينيّاً بعالم الآخرة، ولا تطمئنّ قلوبهم نحو الحياة الأزلية، والبقاء السرمديّ لذلك العالم، فإنهم يحبون هذه الدنيا، ويهربون من الموت حسب تلك الفطرة والجبلّة. كما إنّ أكثر الناس تنشدّ قلوبهم إلى تعمير الدنيا، وتغفل عن تعمير الآخرة، ولهذا لا يرغبون في الانتقال من مكان فيه العمران والازدهار إلى مكان فيه الدمار والخراب. وهذا ناتج من نقصٍ في الإيمان والاطمئنان. وأما إذا كان الإيمان كاملاً، فلا يسمح الإنسان لنفسه أن يشتغل بأموره الدنيوية المنحطة ويغفل عن بناء الآخرة.
2- الجهل بالموت
عن الإمام الجواد عليه السلام لما سئل عن علة كراهة الموت: "لأنهم جهلوه فكَرِهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عزّ وجل لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير ٌلهم من الدنيا، ثم قال: يا أبا عبد الله ما بال الصبي والمجنون يمتنع من الدواء المنقيّ لبدنه والنافي للألم عنه؟ قال عليه السلام: "لجهلهم بنفع الدواء، ثم قال: والذي بعث محمداً بالحق نبياً إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنهم لو عرفوا ما يؤدي إليه الموت من النعيم لاستدعوه وأحبوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات" وعن الإمام العسكري عليه السلام: دخل علي بن محمد عليهما السلام على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: "يا عبد الله تخاف من الموت لأنك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتسخت وتقذّرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أن الغسل في حمام يزيل ذلك كله أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك أو تكره أن تدخلَه فيبقى ذلك عليك؟ قال: بلى يا ابن رسول الله، قال: فذاك الموت هو ذلك الحمام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كل غمّ وهمّ وأذى، ووصلت إلى كل سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه ومضى لسبيله"
3- الخوف من العقاب
ومثل هذا الخوف يلاحق المذنبين المؤمنين بالآخرة، فيخافون أن يحين حينهم وهم مثقلون بالآثام والأوزار، فينالوا جزاءهم، ولذلك يودّون أن تتأخّر ساعة انتقالهم إلى العالم الآخر. عن الإمام علي عليه السلام:"لا تكن ممّن يكره الموت لكثرة ذنوبه، و يقيم على ما يكره الموت من أجله... يخشى الموت، و لا يبادر الفوت" عن أبي عبدِالله عليه السلام قال: "جاء رَجُلٌ إلى أبي ذَرٍّ فَقالَ: يا أبا ذَرٍّ ما لَنا نَكرَهُ المَوْتَ؟ فَقالَ: لأَنَّكُمْ عَمَّرْتُمُ الدُّنْيا وأَخْرَبْتُم الآخِرَةَ، فَتَكْرهُونَ أَنْ تُنْقَلُوا مِن عِمْرانٍ إلى خَرابٍ، فَقَالَ لَهُ: فَكَيْفَ تَرى قُدُومَنا عَلَى الله؟ فَقالَ: أمَّا المُحْسِنُ مِنْكُمْ فَكَالغَائِبِ يَقْدمُ عَلَى أهْلِهِ، وَأَمَّا المُسِيءُ مِنْكُمْ فَكَالآبِقِ يُرَدُّ عَلَى مَوْلاَهُ...." هذه الأسباب للخوف من الموت ـ خوف العدم والجهل بالموت وخوف العقاب - عالجها الإسلام حيث أحيا في القلوب الإيمان باليوم الآخر، وبذلك أبعد شبح الفناء والانعدام من الأذهان، وبيّن أن الموت انتقال إلى حياة أبدية خالدة منعّمة. ومن جهة أخرى دعا الإسلام إلى العمل الصالح والابتعاد عن عصيان الله تعالى، كي يبتعد الإنسان عن الخوف من العقاب. ومن هنا نعرف سرّ شغف الإمام علي عليه السلام بالموت فهو عارف بحقيقة الموت وما بعده، وهو المطيع لله الذي لم يعص الله تعالى طرفة عين أبداً وهو الشهيد بل شهيد المحراب الذي ضُرِّج بدمائه الطاهرة وهو بين يديّ الله يصلي، ولذلك قال حين ضربه اللعين ابن ملجم:"فزت وربِّ الكعبة".
التهيؤ لساعة الموت
وكوننا نحن مؤمنين بالحياة بعد الموت وأنه ليس فناءاً وأنه قنطرة نعبرها إما الى جنة وإما إلى نار كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الموت الموت ! ألا ولابدَّ من الموت، جاء الموت بما فيه، جاء بالروح والراحة والكرة المباركة إلى جنة عالية لأهل دار الخلود، الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم، وجاء الموت بما فيه بالشقوة والندامة وبالكرة الخاسرة إلى نار حامية لأهل دار الغرور، الذين كان لها سعيهم وفيها رغبتهم" وعن أمير المؤمنين عليه السلام:" و ما بين أحدكم و بين الجنة أو النار إلّا الموت أن ينزل به، و إن غاية تنقصها اللحظة، و تهدمها السّاعة، لجديرة بقصر المدّة، وإنّ غائبا يحدوه الجديدان: اللّيل والنّهار، لحريّ بسرعة الأوبة، وإنّ قادما يقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحق لأفضل العدّة، فتزوّدوا في الدّنيا من الدّنيا ما تحرزون به أنفسكم غدا " إذا كان الموت هكذا بهذه الخطورة والمصيرية ينبغي علينا أن نتهيأ لتلك الساعة التي لا مفرّ منها لأيّ أحد".
عن الإمام علي عليه السلام: "و بادروا الموت و غمراته، و أمهدوا له قبل حلوله، و أعدّوا له قبل نزوله" إن الإنسان الحكيم لا يغمض عينيه عن الأمور الخطيرة والمصيرية ولا يفعل كالنعامة التي تضع رأسها في التراب متوهمة أن الذئب الآتي إليها لن يفترسها! الإنسان الحكيم يتهيأ للإمور الخطيرة والمصيرية ولا ينساها ولا يتناساها لأنها لا تنساه. فالموت لا ينسانا وإن نسيناه أو تناسيناه "وكيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم"
اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً
يقول بعض الفلاسفة: "إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي"1.
فعلاً إن قول هذا المفكر صحيح وتؤيده الوقائع التاريخية، للتدليل على هذه الفكرة نعطيكم مثالاً واحداً.الأمة العربية قبل الإسلام أكثرها كان منكراً للحياة بعد الموت، يقول تعالى: ﴿وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدّهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون﴾2. ﴿أءِذا متنا وكنا تُراباً وعظاماً أءِنا لمبعوثون، أو اباؤنا الأولون﴾3.
فكيف كانت حياتهم؟ كانت حياتهم حياة جهلٍ وتخلّف وتبعيّة، ولكن عندما جاء الإسلام، وغيّر نظرتهم إلى الموت وما بعده، تغيَّر العرب تغيّراً جذرياً، فانطلقوا في الدّنيا بكل انشراح وقوّة وغيّروا مجرى التاريخ بعد أن كانوا هملاً لا يخافهم أحد.
فيتبين مما مر أن ذكر الموت والتفكر فيه وعدم نسيانه ضروري للفرد والمجتمع، فهو صمام أمان للفرد،ودفع للمجتمع للتغيير،فشتان بين من يحسب الموت فناء ومن يقطع بأن الموت حياة أخرى، فالأول جبان كما عليه اليهود.﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾4. ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾5، والثاني شجاع كما عليه أمير المؤمنين وأبناؤه في المقاومة الإسلامية،حيث يعشقون الموت موت الشهادة فهو أشرف الموت، وهم يسعون لأن يكون أنسهم بالموت كأنس الطفل بثدي أمه،وذلك بزيادة معرفتهم بالموت وما بعده وبطاعة الله وعبادته.
1- انظر: تغلب على الخوف، مصطفى غالب
2- سورة الجاثية، الاية/24
3- سورة الصافات، الاية/1716.
4- البقرة 96
5- الحشر14