محاور الموضوع ألرئيسة:
1. التعريف بالعلم المقصود في الحديث المصدر.
2. ذكر بعض أسباب العلم الالهي.
3. ذكر بعض موانع العلم الالهي.
الهدف: الحثّ على العلم الالهي والتعريف ببعض الأسباب والموانع.
تصدير الموضوع: عن الإمام الصادق عليه السلام:"...ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولاً في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك....".
بحار الأنوار / جزء 1 / صفحة 226
أنحاء العلوم
إنّ العلوم على نحوين:
الأول: كسبي تحتاج من الإنسان أن يُعمِل عقلَه وتجاربه ويبذل جهوده الفكرية لكي يصل إلى النتائج العلمية، وذلك مثل العلوم الطبيعية كالطب والهندسة ونحوهما.
الثاني: إلهامي توفيقي من الله سبحانه وتعالى، وهذا وإن كان يحتاج إلى أرضية عقلية، إلا أنه يحتاج في زيادته ونورانيته إلى الهام الله وتوفيقه،وكذلك يحتاج إلى بذل جهد روحي ورياضة روحية ومجاهدات نفسية و تزكية للقلب وتصفية للباطن.وهذا النوع من العلوم يسمى العلوم الإلهية التي توصل إلى الله ورضوانه وتقرب منه تعالى. وهذا العلم هو المقصود في حديث الإمام عليه السلام.
المزيد من العلم
ينبغي للإنسان المؤمن الطالب لله تعالى ورضوانه والقرب منه سبحانه أن لا يقنع بالمراتب الدنيا من الإيمان والعلم الذي يقرب من الخالق العظيم.فمهما كان الإنسان وبأي مرتبة هو فهو ناقص لا يبلغ الكمال المطلق، لذلك عليه أن يطلب من الله المزيد، فهذا رسول الله صلى الله عليه واله يطلب المزيد من العلم فكيف نحن الناقصون أليس من الأولى أن نطلب المزيد؟يقول سبحانه مخاطباً نبيّه: "وقل ربي زدني علماً" وعن رسول الله صلى الله عليه واله أنّه قال: "إذا أتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه عِلماً يقرّبني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه"1.
من أسباب العلم الإلهي
1-التقوى: من الأمور الأساس في التوفيق للمعرفة والقرب من الله تعالى التقوى والتي هي درجات،أولها فعل الواجبات واجتناب المعاصي.وكلما ترقّى الإنسان في مدارج التقوى كلما ترقّت روحه في مدارج العلم والقرب، وكلما تعرف إلى حقيقة العبودية. يقول سبحانه: ﴿اتقوا الله ويعلمكم الله﴾ ويقول سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانا﴾.
وفي آية أخرى يشير الله سبحانه إلى خطورة المعاصي التي تحجب القلب عن الله: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ 2. وعن رسول الله صلى الله عليه واله - لما قيل له: أُحبُّ أن أكونَ أعلم الناس قال عليه السلام:"إتقِ الله تكن أعلم الناس"3
2- العبادة بالمعنى الأخص: فإن الالتزام بالعبادات بالمعنى الأخص -إذ العبادة بالمعنى الأعم هي الخضوع والطاعة لله في جميع التكاليف - من صلاة وصوم وحج، تساعد على اجتناب المعاصي فتقرّب من الله، طبعاً بشرط إقامتها بشرطها وشروطها والحفاظ عليها والمداومة عليها. يقول تعالى في خصوص الصلاة: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون﴾4.
وقد أشار سبحانه إلى شرط فلاح المؤمنين وتقدّمهم الروحي والمعنوي وغيرهما بأن يأدوا الصلاة بخشوع وتوجه: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾5.
3- ذكر الله: وهذا ما أشارت اليه الاية: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ...﴾.
فالإنسان الذي يريد القرب من الله تعالى عليه أن لا يقتصر في ذكره لله على الذكر الواجب -الصلاة- بل عليه أن يُحضر الله دائماً على لسانه وفي قلبه وفي عمله،لكي تنجلي عن قلبه سحابة الغفلة.
4- خوف الله: هذا السبب وإن كان يرتبط بالتقوى ـ حيث إنه من خاف الله اتّقاه ـ إلا أننا ذكرناه لخصوصيته.
عن رسول الله صلى الله عليه واله : "لو خفتم الله حقّ خيفته لعُلِّمتم العلم الذي لا جهل معه"6. فعلى الإنسان المؤمن أن يشعر بحضور الله الدائم وبأنه يرى كل شيء, وبهذا يستشعر خوف الله فلا يعصيه.
5-غض البصر: عن رسول الله صلى الله عليه واله : "غضّوا أبصاركم تروْن العجائب"7.
6- العمل بما يعلم: فإذا علم الإنسان ما يقرّب من الله تعالى فعليه أن يلتزم به ويعمل بمضمونه. فإذا علم مثلاً أن تقوى الله تعالى تقرب منه فعليه أن يلتزم بهذه المعلومة لكي يتبين له بركاتها، وإلا لو لم يتقِ الله فإنه لن يقترب من خالقه،ولن يدخل النور والروحانية والصفاء والطمأنينة إلى قلبه.وإذا علم مثلاً أن غضّ البصر مهمّ في الارتقاء والمعرفة فعليه أن يطبق هذه المعلومة وإلا لن يتقدم في مجال الروحانية. بل من عمل بما يعلم ازداد في علمه الإلهي وفتحت له آفاق جديدة.فعن رسول الله صلى الله عليه واله : "من تعلّم فعَمِل, عَلّمه الله ما لم يعلم"8.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "من عمل بما يعلم علّمه الله ما لا يعلم"9. وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السلام في حديثه: "واطلب العلم باستعماله".
من موانع العلم الإلهي
كما أن هناك أسباباً تساعد على انبثاق العلم والنور الإلهي في القلب هناك موانع تمنع الإنسان عن الارتقاء في العلوم الإلهية، منها:
1-اتباع الهوى وطول الامل: يقول تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾10.
وهو أخوف ما يخافه علينا أولياء الله،عن أمير المؤمنين عليه السلام:"أيّها النّاس: إنّ أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: اتّباع الهوى و طول الأمل، فأمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة"11.
ولا غرو من خطورة اتباع الهوى فهو من صفات الشيطان، فهو يريد عبادة ربّه حسب هواه، لذلك تردّى الى الهاوية وابتعد عن القرب الالهي بعد أن كان طاووس الملائكة وبعد أن عبد الله آلاف السنين. عن الإمام الصادق عليه السلام: "أمر الله إبليس بالسجود لآدم، فقال: يا ربّ وعزتك إن أعفيتني من السجود لآدم لأعبدنّك عبادة ما عبدك أحدٌ قط مثلها، قال الله جل جلاله: إني أحبّ أن أُطاع من حيث أريد"12.
وكم نرى من الناس من يتصف بهذه الصفة حيث يريد ديناً حسب ما تشتهي نفسه، وكيف لمن يعبد هواه ويطيعه أن يرتقي الى الله. وقصة بلعم بن باعورا عالم بني اسرائيل شاهد على مدى خطورة اتباع الهوى، يقول سبحانه: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾13.
2- اتّباع الشهوات وحب الدنيا: إنَّ غلبة الشهوات على كيان الإنسان، يجعل هناك حجاباً عظيماً، بحيث يعطل العقل النوراني عن دوره، فلا يميِّز بين القبيح والحسن، فيبتعد عن الإلهامات والتوفيقات الإلهية.والمقصود بالشهوات ما ذكر في الآية الكريمة ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. فان الانغماس في حب الشهوات، يؤدي بالإنسان إلى حبّ الدنيا ونسيان الآخرة، مما يحجب الإنسان عن التماس الأنوار الإلهية.
3- ترك جهاد النفس: فإنَّ الإنسان الذي لا يربّي نفسه ولا يراقبها ويجاهدها ويحاسبها، سيقع في الذنوب، وبالتالي ستحجب عنه الرؤية الصحيحة ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾. أما من لم يجاهد نفسه فإنه سيفقد الهداية.
أللهم أعنا على معرفتك وألهمنا ووفقنا للمزيد من العلم والعمل الذي يقربنا منك، "واستفهم الله يفهمك".
1-ميزان الحكمة،ج3،ص2063.
2-المطففين: 14.
3-كنز العمال: 44154.
4-العنكبوت45.
5-المؤمنون1-2
6-كنز العمال: 5881
7-ميزان الحكمة،الري شهري،ج4،ص3289.
8-كنز العمال: 28661.
9-أعلام الدين: 301.
10-الجاثية23.
11-نهج البلاغة الخطبة41.
12-بحار الانوارج2ص262
13-الاعراف175-176.