بسم الله الرحمن الرحيم
محاور الموضوع:
1- اعتراف خصماء الامام الرضا عليه السلام بفضله
2- نبذة من بعض اخلاقه.
الهدف:
اظهار فضل الامام الرضا عليه السلام
تصدير الموضوع:عن المأمون العباسي يقول عن الامام الرضا عليه السلام:" ما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل - يعني الإمام علي بن موسى - على وجه الأرض"
حتى خصماؤه يعترفون بفضله
الإمام الرضا عليه السلام، هو ثامن الأئمة الاثني عشر، الذين نص عليهم النبي صلى الله عليه وآله. وقد أشاد الإمام الكاظم عليه السلام بولده الإمام الرضا، وقدمه على السادة الاجلاء من أبنائه، وأوصاهم بخدمته، والرجوع إليه في أمور دينهم، فقال لهم: " هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد صلى الله عليه وآله، سلوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم، فاني سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام يقول لي: إن عالم آل محمد صلى الله عليه وآله لفي صلبك، وليتني أدركته فإنه سمي أمير المؤمنين.."1.
وشخصية الامام أبي محمد الرضا عليه السلام هي ملء فم الدنيا في فضائلها، ومواهبها، وأخلاقها، وقد احتلت عواطف العلماء والمؤلفين والمؤرخين والشعراء في كل جيل وعصر، فأدلوا بجمل من الثناء والتعظيم على شخصيته.
وقد أشاد بشخصيته حتى أخصامه، فهذا المأمون العباسي يقول عنه:" ما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل - يعني الإمام علي بن موسى - على وجه الأرض"وفي مناسبة أخرى يقول في فضله:" ما بايع له المأمون - أي للإمام الرضا - الا مستبصرا في أمره عالما بأنه لم يبق أحد على ظهرها - أي على ظهر الأرض - أبين فضلا، ولا أظهر عفة، ولا أورع ورعا، ولا أزهد زهدا في الدنيا، ولا أطلق نفسا، ولا أرضى في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله منه، وان البيعة له لموافقة لرضى الرب"2.
وجاء في الوثيقة التي عهد بها بولاية العهد للإمام عليه السلام ما نصه: "فكانت خيرته بعد استخارته لله، واجهاد نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين - أي البيت العباسي والأسرة العلوية زادها الله شرفا - جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه من الدنيا، وتسلمه من الناس، وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطية، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتملا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده"3.
نبذة من بعض أخلاقه:
لقد كانت روح الإمام الرضا عليه السلام ملتقى للفضيلة بجميع أبعادها وصورها، فقد وهبه الله كما وهب آباءه العظام بكل مكرمة، وحباه بكل شرف وجعله علما لامة جده، يهتدي به الحائر، ويرشد به الضال، وتستنير به العقول..
انظروا ما يقوله إبراهيم بن العباس عن مكارم أخلاقه: "ما رأيت، ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا عليه السلام، ما جفا أحدا قط ولا قطع على أحد كلامه، ولا رد أحدا عن حاجة، وما مد رجليه بين جليسه، ولا اتكأ قبله، ولا شتم مواليه، ومماليكه، ولا قهقه في ضحكة، وكان يجلس على مائدته مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى آخرها، كثير المعروف والصدقة وأكثر ذلك في الليالي المظلمة ". هذه بعض مكارم أخلاقه التي شاهدها إبراهيم بن العباس.
وسنذكر لكم بعض خصاله و مكارم أخلاقه من خلال ما ذكر من سيرته:
التواضع
من معالي أخلاقه التواضع فانه وإن تقلد ولاية العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الاسلامية لم يأمر أحد من مواليه وخدمه في الكثير من شؤونه وانما كان يقوم بذاته في خدمة نفسه، ويقول الرواة: إنه احتاج إلى الحمام فكره أن يأمر أحدا بتهيئته له، ومضى إلى حمام في البلد لم يكن صاحبه يظن أن ولي العهد يأتي إلى الحمام في السوق فيشغل فيه، وانما حمامات الملوك في قصورهم. ولما دخل الامام الحمام كان فيه جندي، فأزال الامام عن موضعه، وأمره أن يصب الماء على رأسه، ففعل الامام ذلك، ودخل الحمام رجل كان يعرف الامام فصاح بالجندي هلكت، أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ فذعر الجندي، ووقع على الامام يقبل أقدامه، ويقول له متضرعا " يا بن رسول الله ! هلا عصيتني إذ أمرتك؟ ". فتبسم الامام في وجهه وقال له، برفق ولطف: " إنها لمثوبة وما أردت أن أعصيك فيما أثاب عليه"4.
وقال له رجل: والله ما على وجه الأرض أشرف منك أبا. فقال عليه السلام: التقوى شرفتهم، وطاعة الله احفظتهم. وقال له شخص آخر: " أنت والله خير الناس... " فرد عليه قائلا: لا تحاف يا هذا خير مني من كان أتقى لله عز وجل، وأطوع له، والله ما نسخت هذه الآية ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾5.
وكان الإمام عليه السلام كثير البر والاحسان إلى العبيد، وقد روى عبد الله بن الصلت عن رجل من أهل بلخ، قال: كنت مع الإمام الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوما بمائدة فجمع عليها مواليه، من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فأنكر عليه ذلك وقال له: " "ان الرب تبارك وتعالى واحد، والام واحدة، والجزاء بالاعمال..."6.
زهده
ومن أخلاق الإمام الزهد في الدنيا، والاعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد قال: كان جلوس الرضا على حصيرة في الصيف، وعلى مسح7 في الشتاء، ولباسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز الناس تزيأ8. ويقول الرواة: إنه التقى به سفيان الثوري، وكان الامام قد لبس ثوبا من خز، فأنكر عليه ذلك وقال له: لو لبست ثوبا أدنى من هذا؟ فأخذ الإمام عليه السلام يده برفق، وأدخلها في كمه فإذا تحت ذلك الثوب مسح، وقال عليه السلام له: " يا سفيان الخز للخلق، والمسح للحق..."9.
سخاؤه
وقد ذكر المؤرخون بوادر كثيرة من جوده واحسانه كان منها ما يلي:
1 - انه أنفق جميع ما عنده على الفقراء حينما كان في خراسان، وذلك في يوم عرفة فأنكر عليه الفضل بن سهل، وقال له: " إن هذا المغرم... " فأجابه الامام: " بل هو المغنم لا تحدث مغرما ما ابتغيت به أجرا وكرما"10.
2 - ووفد عليه رجل فسلم عليه، وقال له: أنا رجل من محبيك ومحبي آبائك، ومصدري من الحج، وقد نفذت نفقتي، وما معي ما أبلغ مرحلة، فان رأيت أن ترجعني إلى بلدي، فإذا بلغت تصدقت بالذي تعطيني عنك، فقال له: اجلس رحمك الله واقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا، وبقي هو وسليمان الجعفري، وحيثمة، فاستأذن الامام منهم ودخل الدار ثم خرج ورد الباب وخرج من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني، فقام إليه فقال عليه السلام له: خذ هذه المائتي دينار واستعن بها في مؤونتك ونفقتك، ولا تتصدق بها عني، وانصرف الرجل مسرورا قد غمرته نعمة الامام، والتفت إليه سليمان فقال له: " جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت، فلماذا سترت وجهك عنه.. ".
فاجابه عليه السلام: انما صنعت ذلك مخافة أن أرى ذل السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله " المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة، والمذيع بالسيئة مخذول... ".
أما سمعت قول الشاعر:
متى آته يوما لأطلب حاجة * رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه11.
3 - ومن سخائه أنه إذا أتي بصفحة؟ طعام عمد إلى أطيب ما فيها من طعام، ووضعه في تلك الصفحة ثم يأمر بها إلى المساكين، ويتلو هذه الآية فلا اقتحم العقبة ثم يقول: علم الله عز وجل أن ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل له السبيل إلى الجنة12.
4 - ومن بوادر جوده وكرمه أن فقيرا قال له: " أعطني على قدر مروتك..." فاجابه الامام: " لا يسعني ذلك.. " والتفت الفقير إلى خطأ كلامه فقال ثانيا:" اعطني على قدر مروتي..". وقابله الامام ببسمات فياضة بالبشر قائلا: " اذن نعم.. " وأمر له بمائتي دينار 13 ان مروءة الامام لا تعد فلو أعطاه جميع ما عنده فان ذلك ليس على قدر مروءته ورحمته التي هي امتداد لمروءة جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله.
5- ومن أحب الأمور إلى الإمام الرضا عليه السلام عتقه للعبيد، وتحريرهم من العبودية، ويقول الرواة: انه أعتق الف مملوك.
تكريمه للضيوف:
كان عليه السلام يكرم الضيوف، ويغدق عليهم بنعمه واحسانه وكان يبادر بنفسه لخدمتهم، وقد استضافه شخص، وكان الامام يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فبادر الضيف لاصلاحه فوثب الامام، وأصلحه بنفسه، وقال لضيفه: انا قوم لا نستخدم أضيافنا14.
هذا غيض من فيض مكارم أخلاق الإمام عليه السلام عسى أن تكون لنا قدوة نقتدي بها لنغير حياتنا نحو الأفضل.
1-كشف الغمة 3 / 107، أعيان الشيعة 4 / ق 2 / 100
2-البحار 12 / 63.
3-كشف الغمة 3 / 125 البحار 12 / 44.
4-نور الابصار ص 138
5-البحار 12 / 28
6-البحار 12 / 18.
7-المسح: الكساء من الشعر
8-عيون أخبار الرضا 2 / 178، المناقب 4 / 361.
9-حياة الإمام محمد الجواد ص 39.
10-حياة الإمام محمد الجواد ص 40
11-البحار 12 / 28.
12-البحار 12 / 28.
13-المناقب 4 / 361.
14-البحار 12 / 18