محاور الموضوع:
1- تمهيد مع الحديث عن تسميات الكعبة
2- مزايا الكعبة وفضائلها
3- منزلة الكعبة عند غير المسلمين
4- معجزات للكعبة
5- الخاتمة في عظمة المؤمن على الكعبة
الهدف:
اظهار فضل وأهمية البيت العتيق(الكعبة)
تصدير الموضوع:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ *فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين)1
تمهيد
إنّ الله تعالى باركَ وشرَّف أشخاصاً وأزمنة وأمكنة، فقد كرّم بني آدم على كثير مما خلق واصطفى منهم الأنبياء(عليهم السلام) والأئمة والأولياء لقربهم منه وطاعتهم وجهادهم فيه، وكرّم وبارك أزمنةً كشهر رمضان، وبارك أمكنة كالمساجد "بيوت الله" وشرّف منها مزيد تشريف الكعبة المكرَّمة والتي تحمل تسميات عدة:
فهي الكعبة: من مادة " كعب " أي بروز خلف القدم، ثم أطلق على كل بروز، والمكعّب كذلك لأنه بارز من جهاته الأربع. والظاهر أن تسمية بيت الله بالكعبة يرجع أيضاً، إلى ارتفاعه الظاهري وبروزه، كما هو رمز لارتفاع مقامه وعظمة مكانته.
وفي الرواية: سُئل النبي (صلى الله عليه وآله):"لأيِّ شيءٍ سُمّيت الكعبة كعبة؟" قال (صلى الله عليه وآله): "لأنها وسط الدنيا" 2.
وهي البيت العتيق: "العتيق" مشتقة من "العتق" أي التحرر من قيود العبودية، وربما كان ذلك لأن الكعبة تحررت من قيود ملكية عباد الله، ولم يكن لها مالك إلا الله، كما حُررت من قيد سيطرة الجبابرة كأبرهة. ومن معاني "العتيق" أيضاً الشئ الكريم الثمين، وهذا المعنى يتجسد في الكعبة بوضوح. ومن المعاني الأخرى للعتيق "القديم" يقول الراغب الأصفهاني: العتيق المتقدم في الزمان أو المكان أو الرتبة. وهذا المعنى أيضاً واضح بالنسبة للكعبة، فهي أقدم مكان يُوحَّد فيه الله. وبحسب ما جاء في القرآن إنّ أول بيت وضُع للناس. وعن الإمام الصادق (عليه السلام):"... وإنما سُمّي البيت العتيق لأنه أعتق من الغرق"3.
أي الغرق في زمن النبي نوح. وهي البيت الحرام: قال تعالى: جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس"4. سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن وجه تسميته بذلك فأجاب (عليه السلام):" لأنه حرَّم على المشركين أن يدخلوه"5.
وسُمّيت مكة التي تقع فيها الكعبة أمّ القرى: الروايات الإسلامية تصرّح بأنّ الأرض كانت في البداية مغطاة جميعها بالماء، ثم بدأت اليابسة تظهر بشكل تدريجي من تحت هذه المياه6. ثم تخبرنا الروايات بأن منطقة الكعبة كانت أول منطقة ظهرت من تحت الماء، ثم بدأت اليابسة بالإتساع من جوار الكعبة، ويعرف ذلك بدحو الأرض، عن الامام الرضا عليه السلام: " علة وضع البيت وسط الأرض أنه الموضع الذي من تحته دُحيت الأرض"7 وهكذا يتضح أنّ مكة هي أصل وأساس لجميع القرى والمدن على سطح الأرض، لذا فمتى قيل أمّ القرى ومن حولها فالمعنى سيشمل جميع الناس على سطح الكرة الأرضية8.
مزايا الكعبة وفضائلها
قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ *فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا... ) 9 انّ هذه الآية المباركة تشير الى مزايا عديدة للكعبة المشرفة:
1- أول بيت وضع للناس:
فالكعبة أول مركز للتوحيد، وأقدم معبد بُنِيَ على الأرض ليُعبد فيه الله سبحانه ويُوحَد، فلم يسبقه أيّ معبد آخر قبله، إنه أول بيت وضع للناس ولأجل خير المجتمع الإنساني في نقطة من الأرض محفوفة بالبركات، غنية بالخيرات، وضع ليكون مجتمع الناس، وملتقاهم. إن المصادر الإسلامية والتأريخية تحدثنا بأنّ الكعبة تأسست على يدي "آدم" (عليه السلام) ثم تهدمت بسبب الطوفان الذي وقع في عهد النبي "نوح" ثم جدد بناءها النبي العظيم "إبراهيم الخليل" (عليه السلام) فهي إذن عريقة عراقة التاريخ البشري. ولا شك أنّ اختيار أعرق بيت أسس للتوحيد من أجل أن يكون قبلة للمسلمين، أولى وأفضل من اختيار أية نقطة أخرى وأي مكان آخر.
2- مباركا:
" المبارك " يعني كثير الخير والبركة، وإنما كانت الكعبة المعظّمة مباركة لأنها تعتبر بحق واحدة من أكثر نقاط الأرض بركة وخيراً، سواء الخير المادي، أو المعنوي. وأما البركات المعنوية التي تتحلى بها هذه الأرض وهذه المنطقة من إجتماع الحجيج فيها، وما ينجم عن ذلك من حركة وتفاعل ووحدة، وما يصحبه من جاذبية ربانية تُحيي الأنفس والقلوب وخاصة في موسم الحج فمما لا يخفى على أحد. ولو أنّ المسلمين لم يقصروا اهتمامهم - في موسم الحج - على الجانب الصوري لهذه الفريضة بل أحيوا روحها، والتفتوا إلى فلسفتها، لاتضحت - حينذاك - البركات المعنوية، وتجلت للعيان أكثر فأكثر. هذا من الناحية المعنوية. وأما من الناحية المادية فإنّ هذه المدينة رغم أنها أُقيمت في أرض قاحلة لا ماءَ فيها ولا عشب، ولا صلاحية فيها للزراعة والرعي بقيت على طول التاريخ واحدة من أكثر المدن عمراناً وحركة، وكانت دائماً من المناطق المؤهلة – خير تأهيل - للحياة، بل وللتجارة أيضاً.
3 - هدى للعالمين:
إنّ الكعبة هدى للعالمين فهي تجتذب الملايين من الناس الذين يقطعون إليها البحار والوهاد، ويقصدونها من كل فجّ عميق ليجتمعوا في هذا الملتقى العبادي العظيم،الذي يحمل تأريخاً قديماً، يهدي الناس الى الله تعالى بما يكتنفه من أجواء روحية وثقافية. إنّ لهذا البيت من الجواذب المعنوية ما لا يستطيع أيّ أحد أن يقاومها ويصمد أمام تأثيرها الأخاذ.
4 - فيه آيات بينات مقام إبراهيم:
إنّ في هذا البيت معالم واضحة وعلائم ساطعة لعبادة الله وتوحيده، وفي تلك النقطة المباركة من الآثار المعنوية ما يبهر العيون ويأخذ بمجامع القلوب. وإن بقاء هذه الآثار والمعالم رغم كيد الكائدين وإفساد المفسدين الذين كانوا يسعون إلى إزالتها ومحوها لمن تلك الآيات التي يتحدث عنها القرآن في هذا الكلام العلوي. فها هي آثار جليلة من إبراهيم (عليه السلام) لا تزال باقية عند هذا البيت مثل: زمزم والصفا والمروة، والركن، والحطيم، والحجر الأسود، وحجر إسماعيل الذي يعتبر كل واحد منها تجسيداً حيّاً لتأريخ طويل، وذكريات عظيمة خالدة.
5 - ومن دخله كان آمنا:
لقد طلب إبراهيم (عليه السلام) من ربه بعد الانتهاء من بناء الكعبة، أن يجعل بلد مكة آمنا إذ قال: "رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا"10، فاستجاب الله له، وجعل مكة بلداً آمنا، ففيه أمن للنفوس والأرواح، وفيه أمن للجموع البشرية التي تفد إليه وتستلهم المعنويات السامية منه، وفيه أمن من جهة القوانين الدينية، فإن الأمن في هذا البلد قد بلغ من الاهتمام به واحترامه أن مُنع فيه القتال منعاً باتاً وأكيداً. وقد جُعلت الكعبة بالذات مأمنا وملجأ في الإسلام لا يجوز التعرض لمن لجأ إليها أبداً، وهو أمر يشمل الحيوانات أيضاً إذ يجب أن تكون في أمان من الأذى والمزاحمة إذا هي التجأت إلى هذه النقطة من الأرض. فإذا التجأ إنسان إلى الكعبة لم يجز التعرض له حتى لو كان قاتلاً جانياً، بيد أنه حتى لا تستغل حرمة هذا البيت وقدسيتها الخاصة، وحتى لا تضيع حقوق المظلومين سمح الإسلام بالتضييق في المطعم والمشرب على الجناة أو القتلة اللاجئين إليه ليضطروا إلى مغادرته ثم ينالوا جزاءهم العادل.
منزلة الكعبة عند غير المسلمين:
ثم انّ الكعبة مقدّسة معظّمة عند الأمم المختلفة فكان الهنود يعظمونها ويقولون إنّ روح سيفا وهو الأقنوم الثالث عندهم حلّت في الحجر الأسود حين زار مع زوجته بلاد الحجاز. وكان الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدّونها أحد البيوت السبعة المعظمة وربما قيل إنه بيت زحل لقِدَم عهده وطول بقائه. وكان الفرس يحترمون الكعبة أيضاً زاعمين أنّ روح هرمز حلّت فيها وربما حجوا إليها زائرين. وكان اليهود يعظمونها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم وكان بها صور وتماثيل منها تمثال إبراهيم وإسماعيل وبأيديهما الأزلام ومنها صورتا العذراء والمسيح ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضا كاليهود. وكان العرب أيضاً يعظمونها كل التعظيم وتعدّها بيتاً لله تعالى وكانوا يحجّون إليها من كل جهة وهم يعدّون البيت بناءً لإبراهيم والحجّ من دينه الباقي بينهم بالتوارث11.
معجزات للكعبة:
ولعظمة الكعبة عند الله تعالى ولكي يظهر شرفها باعتبارها منسوبة اليه أجرى معاجز واضحة تشير الى قيمتها، فمثلاً يروي صاحب أعلام القرآن أنّ تُبّعاً كان أحد ملوك اليمن الذين فتحوا العالم، فقد سار بجيشه إلى الهند واستولى على بلدان تلك المنطقة. وقاد جيشاً إلى مكة، وكان يريد هدم الكعبة، فأصابه مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه. وكان من بين حاشيته جمع من العلماء، كان رئيسهم حكيماً يدعى شامول، فقال له: إن مرضك بسبب سوء نيتك في شأن الكعبة، وستُشفى إذا صرفت ذهنك عن هذه الفكرة واستغفرت، فرجع تُبّع عما أراد ونذر أن يحترم الكعبة، فلما تحسن حاله كسا الكعبة ببرد يماني. وقد وردت قصة كسوة الكعبة في تواريخ أخرى حتى بلغت حد التواتر. وكان تحرك الجيش هذا، ومسألة كسوة الكعبة في القرن الخامس الميلادي، ويوجد اليوم في مكة مكان يسمى "دار التبابعة"12.
ومثل اخر معروف ومشهور ونزل فيه قران كريم:(بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ* أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ) 13.
فهذه المعاجز تبين أهمية هذا البيت الكبير. فالأعداء الذين استهدفوا هدم الكعبة، ونقل مركزية هذا الحرم الإبراهيمي إلى مكان آخر، قد واجهوا من العذاب ما أصبح عبرة للأجيال، مما زاد من أهمية هذا المركز المقدس. وتؤكد مشيئة الله سبحانه في جعل هذا الحرم آمِناً استجابة لدعوة إبراهيم الخليل (عليه السلام).
الخاتمة:
ولأجل ما تحمله الكعبة من عظمة واهمية فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) المولود في الكعبة المشرّفة حينما تلّقى الضربة السامة من اللعين الخاسر "عبد الرحمن بن ملجم" لم يقل سوى "فزت ورب الكعبة" فلقد اختصر خلق الله كله بمجراته وسمواته وأراضيه بالكعبة التي هي معلم من معالم الله ودليل على رعايته لأهل الارض.
والدليل على خطورة أمر الكعبة اعتراف أحد رجالات إنجلترا المعروفين -"كلودستون" الذي يعتبر من السياسيين المتفوقين في عصره- الذي قال أمام جمع من المسيحيين: ما دام اسم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يُرفع على المآذن، وما دامت الكعبة باقية وما دام القرآن يهدي ويوجه المسلمين، فلا يمكن أن تترسخ قواعد سياسة الإنجليز في الأراضي الإسلامية. ولكن رغم ذلك فان المؤمن أعظم حرمة من الكعبة، روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نظر إلى الكعبة فقال: "مرحباً بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله ؟! والله لَلمؤمن أعظم حرمة منك لأنّ الله حرّم منك واحدة ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء"14. وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "المؤمن أعظم حرمة من الكعبة"15.
فلنتق الله في المؤمنين.
1- آل عمران 96-97.
2- علل الشرائع، ط 1، ص 398، الشيخ الصدوق.
3- علل الشرائع، ط 1، ص 398، الشيخ الصدوق.
4- المائدة: 97
5- علل الشرائع، ط 1، ص 398، الشيخ الصدوق
6- (تؤيد النظريات العلمية الآن هذا المعنى)
7- بحار الانوار ج54ص64.
8- انظر: الامثل، مكارم الشيرازي،ج4،ص383
9- آل عمران، آية 96.
10- سورة إبراهيم، الآية 35.
11- انظر:الميزان في تفسير القران ج3 ص361
12- انظر:اعلام القرآن، ص 257 - 259 (بتلخيص).
13- سورة الفيل.
14- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 64، ص 71.
15- الخصال،الصدوق، ص 27.