محاور الموضوع ألرئيسة:
1. تمهيد في معنى العيد
2. دلالات عيد الأضحى
3. ولاية الله
4. عدم التسليم لله يعني السقوط
5. التهرب من التكاليف الالهية
6. خاتمة:عيد الاضحى عيد للمضحين في سبيل الله تعالى
الهدف:اظهار معنى العيد ودلالات عيد الاضحى
تصدير الموضوع:عن أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله: "...وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو يوم عيد"
تمهيد
"سُميَّ العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدّد"1
فالعيد في اللغة من "العود" أي الرجوع، لذلك فذكرى الأيام التي تزول فيها المشاكل عن قوم أو مجتمع وتعود أيام الفوز والهناء الأول تكون عيداً. كذلك هي الأعياد الإسلامية فبعد شهر من طاعة الله في صوم رمضان، أو بعد أداء فريضة الحج العظيمة، يعود إلى النفس طهرها وصفاؤها الأولين الفطريين، ويزول التلوث عن الفطرة، فيكون العيد.
إننا نقرأ لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله: "وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو يوم عيد".2
وفي هذا إشارة إلى الموضوع نفسه، لأن يوم ترك المعصية هو يوم فوز وطهارة وعودة إلى الفطرة الأولى فيكون يوم فرح.
دلالات عيد الأضحى
يرتبط عيد الأضحى بدلالات ذات أثر بعيد في حياة المسلمين؛ لأنها ترتبط بأحداث التضحية العظمى التي استعد للقيام بها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حينما أقدم على التضحية بابنه إسماعيل L إثر رؤيا رآها، ورؤيا الأنبياء حق؛ لأنها وحي من الله، ولم يحُل بينه وبين إتمام التضحية إلا الفداء الذي بَعث الله به ليفتدي ابنه إسماعيل بعد أن اجتاز الامتحان بنجاح، وأخذ يشرع في تنفيذ الذبح بأنه استجابة لأمر الله سبحانه. ومَن هذا الابن؟ وما ظروف إنجابه؟ لقد رُزق به أبوه على كبر في السن، ولذلك فحينما نحتفل بعيد الأضحى المبارك فإنما نحيي هذه التضحية التي لم يعرف التاريخ لها مثيلاً، ولنتعلم أن المؤمن يضحي في سبيل عقيدته بأغلى ما لديه من أموال وبنين، وقد سجل المولى سبحانه هذا الأمر الجليل في كتابه العزيز إشادة بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، واستجابته لأمر الله، ورفعة لشأن ابنه إسماعيل الذي رضي بما أمر الله في شأنه، وقال: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾3.
وتقول الآيات من سورة الصافات مفصلة هذا الحدث الجلل:﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ*فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ*فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ*فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ*وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم﴾4.
ومن الدلالات ذات القيمة الكبرى التي ترتبط بهذا الموسم العظيم التضحية الأخرى التي اشترك فيها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وزوجه هاجر ورضعيهما إسماعيل حينما هاجر إبراهيم بهما إلى مكان البيت الحرام، وتركهما هناك بدون زاد ولا أنيس، وتحمُّل السيدة هاجررضي الله عنه ما تحملت حينما علمت أن هذا أمر من الله لما سألت إبراهيم عليه السلام: آلله أمرك بهذا؟ فلما أجاب بنعم، قالت في ثقة المؤمنة: "إذن لا يضيعنا". وقد لاقت وعانت من الشدائد ما عانت، وصبرت على الخطوب حتى أجرى الله لها زمزم لتشرب وتسقي وليدها، وما زال الملايين من الحجاج والمعتمرين على مدى الآلاف من السنين يشربون من زمزم، ويروون منها ظمأهم، ويتذكرون نعمة الله عليهم، وعلى أم العرب هاجر، وأبيهم إسماعيل، والمناسك التي يؤديها المسلم يوم الأضحى، وقبله، وبعده؛ إحياء لذكرى هذه التضحيات الجسام، وتذكيراً للمسلمين كي يعلموا ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾.
ولاية الله
إن النبي ابراهيم عليه السلام كان وليّاً عظيماً من اولياء الله الذي نجح في الاختبارات الالهية حتى جعله الله للناس إماماً. والولاية لله تعني التولي أي الطاعة والانقياد والخضوع والتسليم لأوامر الله تعالى وتكاليفه.
وولينا بالأصل الذي يجب ان نطيعه هو الله تعالى وبالتبع الرسول الاعظم وأهل بيته عليهم السلام.يقول تعالى ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾5.
إن التكليف الشرعي بالنسبة للمؤمن هو الهدف الذي يسعى دائماً إلى تحقيقه.وقد يكون التكليف الشرعي في بعض الأحيان مخالفاً لمزاج الإنسان وهواه، وهنا تكون الفرصة السانحة التي لا يحب الشيطان أن يفوتها، فيدخل على الخط ليحاول ثني الإنسان عن أداء هذا التكليف إما من خلال تثبيط عزيمته أو بتحريك هوى النفس الأمّارة بالسوء باتجاه رغباتها وبالتالي ترك التكليف.وفي هذه الحالة يكون الأمر ابتلاءاً وامتحاناً من الله تعالى لعبده، وهذا الامتحان من الله تعالى للعباد يختلف من شخص لآخر، وبحسب قدرة كل إنسان على التحمل، ولذا يختلف امتحان الأنبياء عليهم السلام عن امتحان سائر البشر لتفاوت القدرات بينهم.لقد كان التكليف الإلهي الذي اختبر به الله عز وجل خليله إبراهيم عليه السلام عظيماً، وعظيماً جداً إنه أمرٌ قد يسقط في الالتزام به الإنسان العادي والذي لم يصل إلى المقام الإيماني العظيم الذي وصل إليه النبي إبراهيم عليه السلام، فأي بشر يحتمل أن يذبح ولده فقط طاعة لله ولأن الله أمره بذلك دون أن يعرِّفه سرَّ ذلك.
هنا كان الموقف الكبير والقرار الذي لا مداهنة فيه، وهو الانقياد التام لأمر الله تعالى والطاعة والتسليم، فيقود ولدهُ نحو المذبح هذا الولد الذي جاءه بعد دعاءٍ استجابهُ الله تعالى له، ولكن إذا كان الله هو الذي أعطى فله كل شيء وعلى إبراهيم عليه السلام أن يطيعه.وتتجلى الطاعة عند إسماعيل عليه السلام هذا الفتى الذي خاطب أباه بالطاعة، مشهد رباني حدثتنا عنه الآيات الكريمة: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاء اللهُ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾6.
وكانت سنّة إبراهيم هذه في ذبحه للفداء أمراً إلهياً بالتضحية على كل من حجّ بيت الله الحرام تذكيراً لهذا الإنسان بالموقف العظيم لنبي من أنبياء الله العظام عليهم السلام لقد قصّ القرآن الكريم هذه القصة ليبين للمسلمين أهمية الطاعة للتكليف الإلهي والتسليم أمامه وأن على الإنسان أن لا يختلق المبررات لمخالفة أي تكليف طلبه الله تعالى منه.
عدم التسليم لله يعني السقوط
يُروى أن إبليس احتج على ربه ووجّه إليه أسئلة عديدة بعد أن رفض السجود لآدم وكان جواب الله جل وعلا: لو كنت يا إبليس صادقاً مُخلصاً في الاعتقاد بأني إلهك وإله الخلق ما احتكمت علي بكلمة لماذا؟ فأنا الله لا إله إلا أنا، لا أسأل عما أفعل والخلق كلهم مسؤولون.
ثم يعلق الشهرستاني على ذلك: "إن كل شبهة وقعت لبني آدم منذ بدء الخليقة حتى يومنا هذا، نشأت كلها من هذه الكلمة، لماذا؟ أو هي ترجع على حد تعبيره إلى إنكار الأمر بعد الاعتراف بالحق، والجنوح إلى الهوى في مقابل النص"7. هذه حال إبليس في اختلاق معاذير وتبريرات، وتساؤلات، لماذا؟ لماذا؟ وفي النهاية سقط إلى الهاوية، بعد أن كان طاووس الملائكة وزين العباد في العالم السماوي!
ويشبه إبليس في ذلك اليهود وقصصهم معروفة مع موسى وهارون عليه السلام، وقصة البقرة مشهورة حيث أمرهم موسى أن يذبحوا بقرة. لقد أمرهم الله بذبح بقرة ولم يطلب منهم أكثر من ذلك، ولكنهم لم يقنعوا وأخذوا بالتساؤلات، حتى أرهقوا موسى، وما كادوا ينفذون أمر الله تعالى. فشتان بين من يؤمر بذبح ابنه فيرضخ دون جدال وبين من يؤمر بذبح بقرة فلا يرضخ الا بعد التي واللتيا.
التهرب من التكاليف الالهية
ومن الناس من يكثر التساؤلات، فانظر على سبيل المثال إلى كثير من النساء المسلمات، اللآتي يتساءلن عن فلسفة الحجاب. هذا شيء حسن، معرفة فلسفة الحجاب وحكمته جيدة، ولكن ينبغي أن يسلمن للأمر الإلهي بالحجاب، وبعد ذلك فليسألن ما بدا لهن.وربما إذا أخذت تسرد لهن غايات الحجاب وحكمته أخذن في تبرير عدم التزامهن، وخرجن لك المخاريج.إذا قلت لهن: إن الستر يصون المجتمع من الفساد، قلن لك: ولكن الزمان قد تغير والحجاب عادة قديمة والعالم إلى تطور وتمدن، والناس قد وصلوا إلى القمر، وسيصلون قريبا المريخ، ولا نعلم متى سيصلون إلى مجرة أخرى غير مجرتنا.
خاتمة:عيد الاضحى عيد للمضحين في سبيل الله تعالى
هذا وقد توفق لهذا العيد في التاريخ أولئك المؤمنون المجاهدون المخلصون الذين ضحوا مع الرسول الاعظمP في بداية الدعوة الاسلامية في سبيل تأسيس دولة الحق والدفاع عنها بعد قيامها وشاركهم في مجد هذا العيد وفرحه المبدئي الثابت من سار على نهجهم وترسم خطاهم في معركة التحرير والتطهير القائمة فعلا بين المستضعفين والمستكبرين في العالم بصورة عامة وأبناء المقاومة الاسلامية في لبنان خاصة.واذا عمقنا النظر في التضحية وادركنا مفهومها العام ادركنا انها لايخلو منها أحد يكون له هدف في هذه الحياة ويسعى في سبيل تحقيقه وخصوصا اذا كان هدفا كبيرا له وزنه الذاتي والاجتماعي ولا يفرق في ذلك بين كونه هدفا ماديا يراد به تحصيل المال او معنوياً يتمثل بتحصيل العلوم والمعارف ونحوها من الاهداف المعنوية ـ لان كل شخص او مجتمع يرسم لنفسه هدفاً ويحدد غاية يحتاج لان يضحي براحته ويبذل ما يتناسب معها من الجهد والطاقة وبقدر ما يكون الهدف كبيرا يكون الجهد الذي يحتاجه كبيرا والتضحيات كبيرة، والى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله:
واذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
1-لسان العرب، ج 3، ص 319، ابن منظور الدمشقي.
2-نهج البلاغة، الكلمات القصار، الكلمة 428.
3-(الصافات: آية 100)
4-(الصافات: آية 100-107)
5-(المائدة: 56 )
6- الصافات، الآية: 102.
7-الشهرستاني، الملل والنحل، ص 7.