بسم الله الرحمن الرحيم
تصدير الموضوع:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾1.
الهدف
تسليط الضوء على مكانة القدوة وخطورتها، لا سيما في الأسرة والأولاد، خصوصاً، إذا كان ذلك من قبيل الوالد.
محاور الموضوع
1 ـ معنى القدوة.
2 ـ الاقتداء الحقّ هو بمن يستحقّ.
3 ـ الموقع المهمّ للقدوة.
4 ـ الأب قدوة بالطبع.
5 ـ كيف يؤثّر الآباء بأبنائهم؟
6 ـ الولد سرّ أبيه.
ـ معنى القدوة:
قال الخليل في كتاب العين: القدوة بفتح القاف، الأصل الذي انشعب منه الاقتداء، وبعض يكسر فيقول: قِدوة، أي: به يُقتدى، قال الكميت:
والجود من راحتيك قِدوته وكان حذواً في الشعر والخُطبِ 2
وقال في مادة "أسو": تقول: هؤلاء القوم: سوة في هذا الأمر، أي: حالهم فيه واحدة. وفلان يأتسي بفلان، أي يرى أنّ له فيه أسوة إذا اقتدى وكان في مثل حاله. انتهى 3
ننتهي في معنى القدوة إلى أنّ الذي يحذو حذو فلان، فهو يقتدي به، وأنّ الذي يقتدي بأمرك فهو يتأسى به، أي يتخّذه أسوة، فيصيران في الحال سواء، وأنّ القدوة والأسوة في معرض واحد.
ـ الاقتداء الحق هو بمن يستحقّ
ـ قد يصيب في الناس في اقتداء أشخاص ورموز وقد يخطئون. ولكن، من المفيد الإلفات إلى أنّ الأشخاص الذين تجتمع فيهم معالي الفضائل، ومكارم الأخلاق، ويكونون وسيلة فضلى للاتصال بالحق، هم أحقّ بأن يُتخذوا قدوة. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾4.
قال في الأمثل: "فإنّ النبيّ صلى الله عليه واله خير نموذج لكم في كلّ مجالات الحياة، فإنّ كلّاً من معنوياته العالية، وصبره واستقامته وصموده، وذكائه ودرايته، وإخلاصه وتوجّهه إلى الله... وعدم خضوعه أمام الصعاب والمشاكل، نموذج يحتذي به كلّ المسلمين"5.ثمّ يقول: إنه صلى الله عليه واله أسمى مقتدى، وأحسن أسوة للمؤمنين في كلّ الميادين... فإنكم تستطيعون بالاقتداء به واتباعه أن تصلحوا أموركم وتسيروا على الصراط المستقيم".ويقول تعالى في سورة الممتحنة: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾6.﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾7.
ـ الموقع المهم للقدوة:
لمّا كان الأشخاص الذين يقتدى بهم يمثّلون الأمثلة العليا للأفراد الذين يقتدون بهم، ولمّا كان معنى الاقتداء هو الاحتذاء والتأسي والتمثّل، يتبيّن لنا أنّ المقتدي يراقب كلّ ما يصدر عن المقتدى من قول أو فعلٍ أو موقفٍ أو حركة.من هنا، يظهركم للقدوة من تأثير في شخصية الأفراد وفي تحديد مسارات حياتهم وتوجَهاتهم. وكم يتعيّن على القدوة أن يكون مراقباً لنفسه، متحرّياً لفعل الصواب، مزايلاً لكلّ ما يعاب به، لما في ذلك من أثر بالغ على نفسه وعلى الأفراد المتأثّرين به؟ وكم يجب عليه أن يظهر حرصه على صلاح الآخر الذي يحذو حذوه ويتمثّل به؟!
ـ الأب قدوة بالطبع:
أول ما تقع عينا الولد على الوالدين، وأكثر الأشخاص الذين يؤثرون به هما الوالدان، لا سيما الأب. قال تعالى: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَد﴾8 وعادة ما يمثّل الأبوان، لا سيما الوالد، أمثولة للولد، وقدوة تقتدى، في كل ما يأتيه من فعل أو قول. لذلك، كان لا بد من الرّحمة بالنفس، والرفق بالولد. فإذا كان الرجل حريصاً على عاقبة أولاده، فَلْيُرِ أولاده ما يعينهم في الدنيا على آخرتهم. وقد قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾9. وهذا ممّا يؤكّد أنّ لفعل الأب تأثيراً على الولد كمثل تأثيره على ذاته، لما للولد من تفاعل مع فعله.وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام ما يؤكد هذا المعنى، حيث روي عنه قوله: "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم"10.
ولا يجدر بالوالد أن يكتفي بتأمين القوت والملبس والمسكن اللائق للنفس وللعيال، ويقنع بتوفير الغذاء الجسماني، دون بذل الجهد في سبيل ما ينجي في الآخرة ويصلح في الدنيا والحثّ على اكتساب الخيرات، ومن نافل القول إنّ الاهتمام بالعائلة وتربيتها تربية إسلامية صحيحة سيجعل أمر إصلاح المجتمع أسهل وأيسر، حيث إنّ العائلة والأسرة تمثّل النواة الأولى التي يتشكّل منها المجتمع.وحيث إنّ الأب يقع بين حبّه للولد والميل إلى إرضائه وتأمين رغباته وحاجاته، وقد جاء في الرواية "أنه لمّا خرج عثمان بن مظعون ومعه صبيٌّ يلثمه، قال له رسول الله صلى الله عليه واله : ابنك هذا؟ قال: نعم.
قال: أتحبّه يا عثمان؟ قال: إي والله، يا رسول الله، إني أحبّه.قال: أفلا أزيدك له حبّاً؟ قال: بلى، فداك أبي وأمي.قال: إنّه من يرضي صبيّاً له صغيراً من نسله حتى يرضى، ترضّاه الله يوم القيامة حتى يَرضى"11.
يظهر من الرواية، أنّ إرضاء الولد يشمل الابن مباشرة وأبناء الأبناء الصغار، وأنّ هذا ممّا يندب إليه الباري تعالى، بل ويجازي عليه. بل عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزَّ وجلَّ لَيَرحم العبد لشدة حبّه لولده"12.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ من حقّ الأولاد على أبيهم أن يؤدّبهم ويحملهم على ما يصلحهم في الدنيا، وينجيهم يوم القيامة، كما مرّ آنفاً، وفي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "وحقّ الولد على الوالد أن يحسّن اسمه، ويحسّن أدبه، ويعلّمه القرآن"13.
ـ كيف يؤثر الآباء بأبنانهم:
إنّ أشد السُّبل إلى التأثير في الآخر نصحاً وإرشاداً، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، يكون من مواقفه السلوك والمواقف والسيرة لتلك الأوامر والنواهي والإرشادات والنصائح.قال أمير المؤمنين عليه السلام: "... يأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه"14.
وقال عليه السلام: "وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنهي بعد التناهي"15.
ـ الولد سرّ أبيه:
إنّ شدة حبّ الوالد لولده تجعله يتعلّق به كثيراً، بل يراه في الدنيا فلذة الكبد وثمرة القلب. فعن رسول الله صلى الله عليه واله : "إنّ لكلّ شجرة ثمرة، وثمرة القلب الولد"16.لذلك يسعى الرجل ويحب أن تظهر الخصال التي يريدها، والآمال التي يصبو إليها، فيعقد الآمال فيها على ولده، وإذا حصل ذلك فهو من سعادة المرء. فعن الباقر عليه السلام: "من سعادة الرجل أن يكون له ولد يعرف فيه شبهه: خَلْقَه وخُلُقَه وشمائله"17.
1-التحريم، الآية: 6.
2-ترتيب كتاب العين، ج3، ص1450، مادة قدو قدي.
3- ترتيب كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، ج1، ص84، مادة أسو.
4-الأحزاب، الآية: 21.
5- تفسير الأمثل لآية الله العظمى مكارم الشيرازي، ج13، ص197.
6- نفس المصدر، ص198.
7-الممتحنة، الآية: 4.
8- الممتحنة، الآية: 6.
9-البلد، الآية: 3.
10-التحريم، الآية: 6.
11- الدر المنثور للسيوطي، ج6، ص244.
12-كنز العمّال للمتّقي الهندي، ح 459582.
13- الكافي للكليني، ج6، ص50، ح5.
14-نضيف نهج البلاغة د. لبيب بيضون، ص664.
15- نهج البلاغة، ج220، ص421.
16- نهج البلاغة، خ 103، ص201.
17-كنز العمّال، ح 45415.