بسم الله الرحمن الرحيم
• تصدير:
﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾1.
• الهدف:
تسليط الضوء على آفة عقوق الوالدين وبيان مصاديقها ومخاطرها، ثمّ بيان سُبُل مواجهتها.
• محاور الموضوع:
1 ـ برّ الوالدين واجب إلهي.
2 ـ برّ الوالدين من طاعة الله.
3 ـ في العقوق ضرّر عظيم.
4 ـ كيف نواجه آفة العقوق؟
5 ـ حقيقة العقوق.
6 ـ عاقبة العقوق.
7 ـ من أسباب العقوق.
ـ برّ الوالدين واجبٌ إلهي:
قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾2.
تؤكّد الآية، فيما خصّ موضوعنا، وجوب الإحسان إلى الأبوين من جهة، وعدم إيذائهما بأيّة صورةٍ من الصور. "ولو كان هناك كلمة أقلّ من كلمة "أفّ" لمثّل القرآن الكريم بها"3. هذا من جهة ثانية. ومن جملة الإحسان إليهما الدعاء لهما بحسن العاقبة وشمول الرحمة الإلهية لهما، والقيام بما يجسّد تفهّم بلوغهما هذه المرحلة من العمر، وما تقتضيه من تكثيف العناية بهما، هذا من الجهة الثالثة.
ـ برّ الوالدين من طاعة الله:
تربط الآية المذكورة الطاعة لله ببرّ الوالدين، فقال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. وهذا يبيّن أنّ في طاعته بعبادته وعدم عصيانه رضاً له، والبرّ بالوالدين طاعة له. بل أكثر من ذلك، فعن رسول الله صلى الله عليه واله : "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد"4.
وفيما خصّ الوالدة، فعنه صلى الله عليه واله : "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"5.
ـ في العقوق ضررٌ عظيم:
لم يكتفِ الإسلام بوجوب تأدّب الأولاد ـ الأبناء ـ ببرِّ الأبوين، إنّما بيّن أنّ ذلك ليس من الأدب المستحب، إنّما هو واجب لا محيص في التخلّف عنه، بل لا بد من الالتزام به كبقيّة الواجبات المؤكّدة. فعن الإمام الباقر عليه السلام : "ثلاث لم يجعل الله عزَّ وجلَّ لأحدٍ فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبرّ الوالدين برّين كانا أو فاجرين"6.
ثم بيّن الشرع الحنيف أنّ العقوق من كبائر الآثام، فعن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال في كتاب بعثه إلى أهل اليمن: "إنّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحقّ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين"7.
وإذا عرفنا أنّ ﴿الشرك لظلم عظيم﴾8. وأنّ ﴿اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾9 وأنّ ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾10. وأن ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ـ أي يفر من القتال في سبيل الله ـ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾11 إذا عرفنا أنّ عقوق الوالدين مقرونة بهذه الكبائر، أكبر الكبائر، يوم القيامة، فحالها كحال تلك الكبائر، أعاذنا الله جميعاً منهما.
ـ كيف نواجه آفة العقوق للوالدين؟
لمواجهة هذه الآفة، لا بدّ أولاً من تسليط الضوء عليها والتنبيه إلى حقيقتها، ثمّ بيان أسبابها، وبعد ذلك بيان نتائجها على الصعيدين الدنيوي والأخروي.
ـ حقيقة العقوق:
لا يظننّ أحدٌ أنّ العقوق إنّما يكون بسبب إيذاء الوالدين مع صلاح الوالدين وبرّهما بولدهما فقط؛ إنما بالعكس، فإنّ العقوق يحصل حتى مع ظلمهما له، فقد ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّ: "مَنْ نظر إلى أبويه نَظَرَ ماقتٍ وهما له ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة"12. أي ناظرٌ إليهما وهو مبغضٌ لهما "فالمقت بُغْضٌ من أمرٍ قبيح زكية"13.
ولكن، هل يقف الأمر عند نظرة البغض عند الظلم؟ كلاّ، ولكن ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله : "مَنْ أَحْزَنَ والديه فقد عقّهما"14. بل نظر إلى أبويه. بحدّة، حتى لو لم يحزنهما، فهو عقوق فعن الإمام الصادق عليه السلام : "من العقق أن ينظر الرجل إلى والديه فَيُحدّ النظر إليهما"15.
ـ عاقبة العقوق:
في سبيل مواجهة العقوق، وثني الأبناء عن هذا السلوك المدمّر، لا بدّ من بيان ما لذلك من نتائج تحبط الأعمال، وتلقي بصاحبها في مُرديات الأهوال.
أ ـ الآثار الدنيوية:
1 ـ الفقر والمذلّة:
عن الإمام علي الهادي عليه السلام : "العقوق يعقب القلّة، ويؤدّي إلى الذلّة"16.
2 ـ قلّة الولد:
عن الإمام الرضا عليه السلام : "حرّم الله عقوق الوالدين لما... يدعو من ذلك إلى قلّة النسل وانقطاعه..."17.
وعن الهادي عليه السلام : "العقوق ثُكْلُ مَنْ لم يُثْكَل"18.
3 ـ عدم التوفيق للطاعة:
عن الإمام الصادق عليه السلام : "الذنوب التي تظلم الهواء عقوق الوالدين"19.
وعن الرضا عليه السلام : "حرّم الله عقوق الوالدين لما فيه من الخروج من التوفيق لطاعة الله عزَّ وجلَّ... وإبطال الشكر"20.
ب ـ الآثار الأخروية:
1 ـ الشقاء:
عن الإمام الصادق عليه السلام : "عقوق الوالدين من الكبائر، لأنّ الله تعالى جعل العاقّ عصيّاً شقيّاً"21.
2 ـ لا تُقبل صلاته:
الإمام الصادق عليه السلام : "من نظر إلى أبويه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة"22.
عن رسول الله صلى الله عليه واله : "يقال للعاق: إعمل ما شئت، فإنّي لا أغفر لك"23.
من الجدير الإلفات إلى أنّ العقوبة للعاق ممّا يعجلّها الله في الدنيا، فما ذكرنا في الآثار الدنيوية نتائج للعقوق. ولكن، قد تكون هناك عقوبات أخرى يعلمها الله. وورد عن رسول الله صلى الله عليه واله : "اثنتان يعجلّهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين"24.
ـ من أسباب العقوق:
لا بد من بيان بعض أسباب العقوق، ليتمكّن الوالدان من اجتنابها، نذكر منها:
1 ـ عدم العدل في التعامل مع الأولاد:
عن رسول الله صلى الله عليه واله : "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبّون أن يبرّوكم"25.
وعنه صلى الله عليه واله : "إنّ لهم عليك أن تعدل بينهم، كما أنّ لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك"26.
2 ـ عقوق الأبوين لوالديهما:
الإمام الصادق عليه السلام "برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم"27 فإنّ مفهوم ذلك يقول: إن لم تبرّوا آباءكم لن يبرّكم أبناؤكم.
3 ـ عدم الإحسان للأولاد بالأدب والحقوق:
عن رسول الله صلى الله عليه واله "يلزم الوالدين من عقوق الولد ما يلزم الولد لهما من الحقوق"28.
وعن الصادق عليه السلام : "برّ الرجل بولده، برّه بوالديه" أي بر الولد بوالديه29.
1-الإسراء: 23 ـ 24.
2- الإسراء: 23.
3- فعن الصادق عليه السلام : "أدنى العقوق "أف" ولو علم الله عزَّ وجلَّ شيئاً أهون منه لنهى عنه"، الكافي للكليني، ج ، ص348، ح 1.
4-بحار الأنوار، للعلاّمة المجلسي، ج74، ص82، ح85.
5-كنز العمّال، للمتّقي الهندي، ح45439.
6- البحار، ج74، ص56، ح15.
7- الترغيب والترهيب، ج3،ص327، ح4.
8- لقمان: 13.
9- النساء: 48.
10- النساء: 93.
11-الأنفال: 16.
12-البحار، ج74، ص61، ح26.
13- كتاب "ترتيب كتاب العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي، ج3، ص1720، مادة "مقت".
14-كنز العمال، ح455372.
15- الكافي، ج2، ص349، ح7.
16- البحار، ج74، ص84، ح95.
17- البحار، ج74، ص74، ح66.
18-ن.م، ص84.
19- ن.م، ج74، ص74، ح66.
20- ن.م، ج74، ص74.
21-علل الشرائع للشيخ الصدوق، ص479، ح2.
22- حديث متقدّم.
23- البحار، ج74، ص80، ح822.
24- كنز العمال، ج45458.
25-كنز العمال، ح453482.
26- كنز العمال، ح45358.
27- البحار، ج74، ص65، ح31.
28- البحار، ج104، ص93، ح22.
29- كنز العمال، ح45417.