عبادة السيدة فاطمة
"ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة "
محاور الموضوع
العبادة بمفهومها العام
العبادة بمفهومها الخاص
العبادة بمفهومها الأخص
كرامة لفاطمة عليها السلام
كرامة أخروية لفاطمة
الهدف
إظهار فضل فاطمة وكرامتها على الله تعالى لخلوص عبادتها
تصدير الموضوع
عن الحسن البصري: "ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة كانت تقوم حتى تورم قدماها"1.
تمهيد
اعتبر الاسلام أن طريق الكمال لا يسلكه الرجال فحسب بل للنساء فيه نصيب،"إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما"2
وكما أن في الرجال قدوات في العلم والعمل كذلك في النساء، ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"3
ومن القدوات النسائية المهمة فاطمة الزهراء عليها السلام، عن رسول الله صلى الله عليه واله: "... وإنها سيدة نساء العالمين فقيل: يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين"4.
العبادة بمفهومها العام
ان العبادة بمفهومها العام تعني الخضوع والانقياد والطاعة للمعبود، وقد كانت سيدتنا الزهراء عليها السلام بهذا المعنى العابدة لله تعالى، حتى كانت من المطهرين، يقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ 5 فهي من أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. ومن أسمائها التي أطلقها رسول الله عليها "الطاهرة".فهي الطاهرة المعصومة من الرجس والذنوب لذلك استحقت ان تكون أمّاً للأئمة الأطهار عليها السلام.
العبادة بمفهومها الخاص
ان العبادة بمفهومها الخاص تعني الالتزام بالرسوم العبادية التي شرّعها الله تعالى كالصلاة والصيام والحج., وهي وسيلة من وسائل القرب الى الله تعالى،وفي الحقيقة ان كل تشريعات الاسلام اذا ما التزم بها الانسان فانه سيقترب من الله سبحانه.عن سيدتنا الزهراء عليها السلام: "... فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، و الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، و الزكاة تزكيةً للنفس، و نماءً في الرزق، و الصيام تثبيتاً للإخلاص، والحج تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، و طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من الفُرقة (للفُرقة)، و الجهاد عزّاً للإسلام، و الصبر معونةً على استيجاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحةً للعامة، و برَّ الوالدين وقايةً من السخط، و صلة الأرحام مُنماةً للعدد، و القصاص حقناً للدماء والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة و توفية المكاييل و الموازين تغييراً للبخس، و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة و ترك السرقة إيجاباً للعفة و حرَّم الله الشرك إخلاصاً له بالرُّبوبية.فـ ﴿اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُون﴾ و أطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾6. وقد أبدعت سلام الله عليها في تبيان جوانب من فلسفة الأحكام من خلال عبارات قصيرة.
العبادة بمفهومها الاخص
ان مفهوم العبادة بالمعنى الاخص نعني بها الصلاة، وللصلاة فلسفة عظيمة منها ما ذكرته مولاتنا الزهراء عليها السلام، وأهم أمر تؤديه الصلاة هي وقاية الانسان من الوقوع في المحرمات، قال تعالى: ﴿.. ِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون﴾ 7.
ولذلك ورد في الاحاديث: "كن ورعاً تكن أعبد الناس وخير دينكم الورع". ولقد سارت مولاتنا على طريق العبودية منذ ولادتها، و هي على هذا الحال إلى أن فارقت روحها الحياة. جاء في قصة ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام و انعقاد نطفتها من ثمار الجنة و حضور النساء الأربع عند ولادته: "فولدت فاطمة عليها السلام فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة"8.
وعن الإمام الحسين عن أخيه الإمام الحسن عليه السلام قال: رأيت أمِّي فاطمة عليها السلام قامت في محرابها ليلة جُمعتها فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتَّضح عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتُسمّيهم، وتكثر الدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء. فقلت له: يا أمَّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني! الجار ثم الدار.وروى الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورَّم قدماها.
وعن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: وأمَّا ابنتي فاطمة فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبيَّ، وهي الحوراء الإنسية؛متى قامت في محرابها بين يدي ربها (جل جلاله) زَهَر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله (عز وجل) لملائكته: يا ملائكتي انظروا إلى أَمَتي: فاطمة، سيدة إمائي قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمَنت شيعتها من النار.. الخ.
وفي كتاب عدة الداعي: وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله. والنهج - بفتح النون والهاء - تتابع النَفَس.
والأحاديث في عبادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كثيرة، خاصة الأدعية التي كانت تناجي بها ربها.
كرامة لفاطمة عليها السلام
ان لأولياء الله كرامات لا تنكر فكلما تمحض الانسان لله كلما أعطاه الله الكرامة في الدنيا والاخرة وكلما عبده مخلصاً كلما أعطاه من العطايا، ولا ينبغي على المؤمنين انكار كرامات الاولياء، فان التاريخ يحدثنا عن ذلك، وسيّدتنا الزهراء عليها السلام كان لها كرامات لا تنكر، وهذا بعض ما ذكر من كراماتها، فعن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب عليها السلام ذات يوم ساغباً وقال: يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا، والذي أكرم أبي بالنبوة، وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاَّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذين؟ الحسن والحسين.فقال علي: يا فاطمة؟ ألا كنتِ أعلَمتِني فأبغيكم شيئ: فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحيي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه. فخرج علي بن أبي طالب من عند فاطمة واثقاً بالله بحسن الظن، فاستقرض ديناراً فبينما الدينار في يد علي بن أبي طالب عليها السلام يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم، فتعرَّض له المقداد بن الأسود، في يوم شديد الحر، قد لوّحته الشمس من فوقه، وآذته من تحته فلما رآه علي بن أبي طالب عليها السلام أنكر شأنه فقال: يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك؟
قال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي ولا تسألني عما ورائي!!فقال: يا أخي إنه لا يسعني أن تتجاوزني حتى أعلم علمك. فقال: يا أبا الحسن رغبة إلى الله وإليك أن تخلّي سبيلي، ولا تكشفني عن حالي!!!فقال له: يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك. فقال: يا أبا الحسن! أمَّا إذا أبيتَ! فو الذي أكرم محمداً بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاَّ الجَهْد وقد تركت عيالي يتضورون جوعاً، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموماً، راكباً رأسي، هذه حالي وقصتي!!فانهمرت عينا علي بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته فقال له: أحلفُ بالذي حلفتَ: ما أزعجني إلاَّ الذي أزعجك من رحلك، فقد استقرضت ديناراً، فقد آثرتك على نفسي.فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل مسجد النبي صلى الله عليه واله فصلَّى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه واله المغرب مرَّ بعلي بن أبي طالب عليها السلام وهو في الصف الأول فغمزه برجله، فقام علي متعقباً خلف رسول الله صلى الله عليه واله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلَّم عليه فردَّ رسول الله صلى الله عليه واله السلام، فقال: يا أبا الحسن هل عندك شيء نتعشاه فنميل معك؟
فمكث مطرقاً لا يحير جواباً، حياءً من رسول الله صلى الله عليه واله وكان النبي صلى الله عليه واله يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه وأين وجّهه، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد صلى الله عليه واله أن يتعشى تلك الليلة عند علي بن أبي طالب عليها السلام. فلما نظر رسول الله صلى الله عليه واله إلى سكوته فقال: يا أبا الحسن ما لَك لا تقول: لا. فأنصرف؟ أو تقول: نعم. فأمضي معك؟ فقال - حياءً وتكرماً -: فاذهب بنا!!
فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله يد علي بن أبي طالب عليها السلام فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة تفور دخاناً.فلما سمعت كلام رسول الله صلى الله عليه واله خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ عليها السلام، ومسح بيده على رأسها وقال له: يا بنتاه كيف أمسيت؟ قالت: بخير. قال: عشّينا، رحمك الله، وقد فعل.
فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي صلى الله عليه واله وعلي بن أبي طالب.. إلى أن قال: فقال علي له: يا فاطمة أنِّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشمّ ريحه قط، وما آكل أطيب منه؟؟قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه واله كفّه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالب عليها السلام فغمزها، ثم قال: يا علي! هذا بدل دينارك، وهذا جزاء دينارك من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.
ثم استعبر النبي صلى الله عليه واله باكياً، ثم قال: الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ويجريك - يا علي - مجرى زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً9.
كرامة أخروية لفاطمة
ولقرب الزهراء من الله تعالى أكرمها أيضا في الاخرة، فهي أول من يدخل الجنة، و قد ثبت من خلال رويات أهل السنّة المعروفة أنّ الرسول صلى الله عليه واله نسب هذه المنقبة إلى فاطمة الزهراء عليها السلام و لعدة مرّات.فعن الرسول الكريم صلى الله عليه واله: "أوّل شخص يدخل الجنة فاطمة عليها السلام "10.
وعنه صلى الله عليه واله: "أوّل شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه واله و مثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل"11.
مما يدل على ما نقله الامام عليّ بن أبي طالب عليها السلام عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال: "تحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة و عليها حلة الكرامة قد عجنت بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق فيتعجبون منها"و يضيف صلى الله عليه واله في آخر الحديث: "فتزف إلى الجنة كالعروس لها سبعون ألف جارية"12
و تروي عائشة عن الرسول الكريم صلى الله عليه واله: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد يا معشر الخلائق طأطؤا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمّد"13.
السلام عليك يابضعة رسول الله صلى الله عليه واله يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تُبعثين حيّة
1- بحار الأنوار ج 43 ص 84.
2- الاحزاب: 35
3- التحريم : 11
4- بحار الانوار ج 37 ص 85
5- الاحزاب: 32.
6- بحار الانوار ج 6 ص 208.
7- العنكبوت: 45.
8- ذخائر العقبي ص 44.
9- (كتاب البحار عن تفسير فرات بن إبراهيم)
10- ميزان الاعتدال، ج2، ص131.
11- كنز العمّال،ج6،ص219.
12- ذخائر العقبى، ص48.
13- تاريخ بغداد،ج8، ص141.