محاور الموضوع:
1-حدّ الجار
2-أهمية اختيار الجار
3-أنواع الجيران
4-حق الجار
5-آثار حسن الجوار
الهدف:
الحث على إكرام الجار وعدم أذيته وتبيين حقوقه
تصدير الموضوع
عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "مازال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه فمن قصّر في حقه عداوة أو بخلاً فهو آثم" .
شرح رسالة الحقوق، ج2، ص172.
تمهيد
لقد أولى الإسلام مسألة الجار والجوار أهمية كبرى حيث أوجب له حقوقاً وواجبات قد يعجب الإنسان من كثرتها وتحتاج منه إلى عناية حتى يتمرس عليها وما ذلك إلا حرصاً من الشريعة على إحياء روح الترابط بين أفراد المجتمع الإسلامي الواحد؛ وقد ذكر الله الجار في كتابه العزيز حيث قال: (وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ) 1.
وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمِّه"2.
ولشدة ما كانت الوصية بالجار تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "مازال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه فمن قَصرَّ في حقه عداوة أو بخلاً فهو آثم"3.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام وهو في لحظات عروج روحه إلى الملكوت الأعلى: "الله الله في جيرانكم فإنهم وصيّة نبيّكم"4.
وسنعرض فيما يلي حقيقة الجار، وحدّ الجوار، وأنواع الجيران، وبعض حقوق الجيران التي وردت في أحاديث الرسول والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.
حدّ الجار
عدَّ الدين الإسلامي الجار بمن يقرب من منزل الإنسان بأربعين داراً من كل الجهات، فعن النبي صلى الله عليه وآله: "أربعون داراً جار"5.
أي من الشرق والغرب والشمال والجنوب فكل أربعين داراً من هذه الجهات تكون دُوراً لجيران المسلم، ويتوجب على المسلم أداء حق الجار إليها.
أهمية اختيار الجار
عن الرسول صلى الله عليه وآله حين سأله أحدهم أين يشتر ي داره فقال له: "الجار قبل الدار"6.
وكثيرا ما يندم الإنسان على اختياره المكان لسكناه فعليه أن يتحرّى عن الجيران وتدينهم وأخلاقهم، فقد قال لقمان الحكيم في وصيته لولده: "يا بُنيّ حَمَلت الحجارة والحديد، فلم أرَ شيئاً أثقل من جار السوء"7.
أنواع الجيران
روي عنه صلى الله عليه وآله: "الجيران ثلاثة، فجارٌ له ثلاث حقوق، وجارٌ له حقان، وجار له حق واحد، فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق، فالجار المسلم القريب، فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام، والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم فله حق الإسلام وحق الجوار، والجار الذي له حق واحد، الكافر فله حق الجوار".
وهذا تنبيه منه صلى الله عليه وآله لنا في أن لا نتهاون حتى في مسألة الجار الكافر, وكلنا يعرف قصته مع جاره اليهودي الذي كان يرمي القمامة عند باب بيته صلى الله عليه وآله.
حق الجار
نستنتج من خلال مراجعتا لأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام أن للجار حقوقاً كثيرة نذكر بعضاً منها:
1- حفظه غائباً: ومعنى ذلك أن لا يتعرض له بالغيبة والنميمة مما يشوّه سمعته أمام الآخرين وقتله من الناحية المعنوية, وكذلك الدفاع عنه.فقد روي عن الإمام السجاد عليه السلام: "ولا تحرَّج أن تكون سِلماً له تَردّ عنه لسان الشتيمة"8.
وقد أوصى عليه السلام في رسالة الحقوق فقال: "وحقّ جارك حِفظه غائباً"9.
2- إكرامه حاضراً وشاهداً: أي إكرامه وتوقيره واحترامه وتقديره على أحسن الوجوه بمعاملته برحابة الصدر وبشر الوجه وأن لا تكون عليه ثقيلاً.
3-كف الاذى عنه: أذية المؤمن فضلاً عن الجار القريب من الكبائر بل من اكبر الكبائر ويكفي في ذمها ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "من آذى جاره فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله"10.
4- نصرته إذا كان مظلوماً:لا يشرع السكوت عن ظلامة الجار بل لا بدَّ من رفعها عنه وعدم ضياع حقه في حضرتك سواء كان مظلوماً في شأن ديني أو شأن دنيوي،قال إمامنا السجاد عليه السلام: " ونصرته إذا كان مظلوماً"11.
5- نصحه فيما يهمه: رُوي عن إمامنا السجاد عليه السلام قوله: "وإن علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه"12.
6- مواساته وإعانته عند الشّدة: فإن من حق الجار أن لا يسلّم جاره عند المصيبة الشديدة ويتركه للنائبات بل أن يقف إلى جانبه مؤازراً ومواسياً ومعيناً له بالنفس والمال وما وقع تحت قدرته.
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآاله: "وإذا مرض عدته، وإن مات تبعت جنازته، وإن أصابه خير سرّك وهنيّته، وإن أصابته مصيبة سائتك وعزّيته"13.
7- الصفح والعفو عنه: فيما لو صدرت منه إساءة أو زلّ في مقام أو عَثَرَ في حديث، وما أكثر ما يقع ذلك بين الجيران خصوصاً في المرافق العامة المشتركة بينهم كمواقف السيّارات أو مداخل الأبنية وما شاكلها، فإن المطلوب هو الصفح عنه والحلم معه حتى يرجع إلى رشده وصوابه وهو الأقرب للتقوى ودوام حسن الجوار.
وعليك ان تقبل عذره إذا جاءك معتذرا فإن رد العذر من لؤم النفس ويدل على تكبر فاعله وقد ورد في رسالة الحقوق، في حق الجار: "وتقيل عثراته وتغفر ذنبه"14.
8- إقراضه إذا طلب: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "وإن استقرضك أقرضته، وإن استعانك أعنته وإن احتاج أعطيته"15.
9- أن لا يتّبع عورته ولا يطلع على سره: فمن مكارم الإخلاق أن يرعى الإنسان خصوصية أخيه وجاره المسلم فلا يرسل بصره يميناً وشمالاً بحثاً عن أموره الشخصية والخاصة به، ولا يختلس النظر والسمع إلى داره بل يكون مصداقاً لقول الشاعر:
أعمى إذا ما جارتي برزت***حتى يواري جارتي الخدر
وعن الإمام السجاد عليه السلام: "ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه"16.
10-أن يستر عليه: وهذا ما بات واضحاً من خلال معرفة الحق السابق، فإن ذلك ثابتاً له، سواء كان العلم ناتجاً عن التتبع المذموم، أو من خلال الصدفة والاتفاق.
11 - أن يعوده إذا مرض: وفي عيادة النبي صلى الله عليه وآله، لجاره اليهودي كما تحدثنا الروايات كفاية.
12 - أن يشارك في التشييع والتعزية إذا مات او مات له عزيز، عن النبي صلى الله عليه وآله في تعداد حقوقه: "وإن مات اتبعت جنازته".
13- عدم البخل بالطعام والمواساة له: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "يا أبا ذر إذا طبخت مرقة فأكثر مائها وتعاهد جيرانك".
وقد قال الشاعر ذاكراً مكارم الجوار:
ناري ونار الجار واحدة
وإليه قبلي ينزل القدر
وقد روي عنه صلى الله عليه وآله: "وإن اشتريت فاكهة فأهد له منها وإلا فأدخلها سرّاً، لا يخرج ولدَك بشيءٍ يغيظون به ولده، هل تفقهون ما أقول لكم، لن يؤدي حق الجار إلا القليل ممن رحم الله"17.
آثار حسن الجوار
1- زيادة العمر: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "حسن الجوار زيادة في الأعمار" 18.
2- زيادة الرزق: فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الجوار يزيد في الرزق" 19.
3- عمران الديار: وعمران الديار زيادة البركة فيها والتوفيق لساكنيها وحصول الخير لديهم. فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الجوار يعمر الديار ويزيد في الأعمار"20.
خاتمة(حق الدعاء للجار)
وأخيرا ننهي كلمتنا بالدعاء مع إمامنا زين العابدين عليه السلام لجيرانه وأوليائه إذا ذكرهم: "اللهم صلّ على محمد وآله، وتولّني في جيراني ومواليّ العارفين بحقنا، والمنابذين لأعدائنا بأفضل ولايتك ووفقهم لإقامة سنتك، والأخذ بمحاسن أدبك في إرفاق ضعيفهم، وسدّ خلّتهم، وعيادة مريضهم، وهداية مسترشدهم، ومناصحة مستشيرهم، وتعهد قادمهم، وكتمان أسرارهم، وستر عوراتهم، ونصرة مظلومهم، وحسن مواساتهم بالماعون، والعود عليهم بالجدة والافضال، وإعطاء ما يجب لهم قبل السؤال، واجعلني اللهم أجزي بالإحسان مُسيئهم، وأعرض بالتجاوز عن ظالمهم، وأستعمل حسن الظن في كافّتهم، وأتولى بالبرّ عامتهم، وأغضّ بصري عنهم عفة، وألين جانبي لهم تواضعاً، وأرقّ على أهل البلاء منهم رحمة، وأسر لهم بالغيب مودةٍ، وأحب بقاء النعمة عندهم نصحا، وأوجب لهم ما أوجب لحامتي (أي: لخاصتي وقرابتي)، وأرعى لهم ما أرعى لخاصتي، اللهم صلّ على محمد وآله، وارزقني مثل ذلك منهم، واجعل لي أوفى الحظوظ فيما عندهم، وزدهم بصيرة في حقي، ومعرفة بفضلي حتى يسعدوا بي وأسعد بهم، آمين رب العالمين"21.
1-النساء:1
2-ميزان الحكمة،الحديث3008
3-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص172
4-ميزان الحكمة،الحديث3006
5-ميزان الحكمة،الحديث3028
6-ميزان الحكمة،الحديث3010
7-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص176
8-رسالة الحقوق،ج،2ص169
9-المصدر السابق.
10-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص178
11-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص169
12-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص169
13-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص175
14-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص169
15-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص175
16-المصدر السابق ص:169
17-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص175
18-شرح رسالة الحقوق،ج،2ص187
19-ميزان الحكمة،الحديث2999
20-ميزان الحكمة،الحديث3000
21-الصحيفة السجادية