محاور الموضوع
1- تمهيد: الامتحان الإلهيّ سنّة خالدة
2- لماذا الاختبار الإلهيّ؟
3- الاختبار الإلهيّ عامّ
4- طرق الاختبار
5- من عوامل التزلزل في الاختبارات
6- من عوامل الثبات في الاختبارات
الهدف:
الإلفات إلى أن الإنسان في هذه الدنيا تحت الاختبار الإلهي والتنبيه إلى
عوامل الثبات والتزلزل
تصدير الموضوع
عن الإمام الباقر عليه السلام:"المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه،
والمؤمن لا يستقل من دينه شيء". الكافي: 2 / 241 / 37.
الامتحان الإلهيّ سنّة خالدة
الاختبار والامتحان هي حقيقة وسنّة إلهية جارية على الناس في حياتهم الدنيوية، وهي
حقيقة كثيراً ما أشار لها القرآن الكريم.
يقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ
فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾1.
"يفتنون" مشتقّ من "الفتنة" وهي في الأصل وضع الذهب في النّار لمعرفة مقدار خلوصه،
ثمّ أطلق هذا التعبير على كلّ امتحان ظاهريّ ومعنويّ.
لماذا الاختبار الإلهيّ؟
أوّل ما يتبادر للذهن في هذا المجال هو سبب هذا الاختبار. فنحن نختبر الأفراد لنفهم
ما نجهله عنهم. فهل أنّ الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى مثل هذا الاختبار لعباده، وهو
العالم بكلّ الخفايا والأسرار؟!
والجواب: إنّ مفهوم الاختبار الإلهيّ يختلف عن الاختبار البشريّ.
اختباراتنا البشرية تستهدف رفع الإبهام والجهل، والاختبار الإلهيّ قصده "التربية"
وإيصال الإنسان إلى الكمال بإخراج الدفائن المكنونة فيه من أجل تفجير الطاقات
الكامنة، ونقلها من القوّة إلى الفعل، وبالتالي فالاختبار الإلهيّ من أجل تربية
العباد.
وهو يشبه عمل زارع خبير، ينثر البذور الصالحة في الأرض الصالحة، كي تستفيد هذه
البذور من مواهب الطبيعة وتبدأ بالنموّ، ثمّ تصارع هذه البذرة كلّ المشاكل والصعاب
بالتدريج، وتقاوم الحوادث المختلفة كالرّياح العاتية والبرد الشديد والحرّ اللافح،
لتخرج بعد ذلك نبتة مزهرة أو شجرة مثمرة، تستطيع أن تواصل حياتها أمام الصعاب.
ويقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في بيان سبب الاختبارات الإلهية: "... وَإِنْ
كَانَ سُبْحَانَهُ أعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ
الأَفْعَالُ الَّتي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوابُ وَالْعِقَابُ"2.
الاختبار الإلهيّ عامّ
نظام الحياة في الكون نظام تكامل وتربية، وكلّ الموجودات الحيّة تطوي مسيرة تكاملها.
من هنا فإنّ كلّ البشر، حتّى الأنبياء، مشمولون بقانون الاختبار الإلهيّ كي تنجلي
قدراتهم.
الامتحانات تشمل الجميع وإن اختلفت شدّتها وبالتالي تختلف نتائجها أيضاً، يقول
سبحانه: ﴿أَحَسِبَ
النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾3.
القرآن يعرض نماذج لاختبارات الأنبياء إذ يقول:
﴿وَإِذِ
ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ﴾4.
ويقول في موضع آخر بشأن اختبار النبيّ سليمان عليه السلام:
﴿فَلَمَّا
رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ.. ﴾5.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّ اللهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ
الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ،
وَإِغْلَاقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ،
وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ"6.
طرق الاختبار
إنّ اختبار الله تعالى للناس متنوّع ومتعدّد ولا يقتصر على الجانب السلبيّ، بل هناك
امتحان للناس في الجوانب الايجابية.
يقول تعالى: ﴿كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً
وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾7.
يروى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض فعاده قوم فقالوا له: كيف أصبحت يا أمير
المؤمنين؟ فقال: أصبحت بشرّ، فقالوا له: سبحان الله هذا كلام مثلك؟! فقال: يقول
الله تعالى: "ونبلوكم بالخير والشرّ فتنة. فالخير الصحّة والغنى، والشرّ المرض
والفقر، ابتلاءً واختباراً"8.
وعنه عليه السلام في قوله تعالى:
﴿أَنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾9:
"ومعنى ذلك أنّه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبيّن الساخط لرزقه
والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها
يستحقّ الثواب والعقاب"10. إذاً، فالامتحانات الإلهية تأتي بصور مختلفة:
فالجماعة الذين يعيشون في محيط ملوّث بالمفاسد والوساوس تحيط بهم من كلّ جانب، فإنّ
امتحانهم الكبير في مثل هذا الجوّ والظروف، هو أن لا يتأثّروا بتلوث المحيط وأن
يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.
والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر، يرون أنّهم لو صمّموا على ترك رأس
مالهم الأصيل "الإيمان" فإنّهم سرعان ما يتخلّصون من الفقر والحرمان لكنّ ثمن ذلك
هو فقدانهم للإيمان والتقوى والكرامة والحريّة والشرف، فهنا يكمن امتحانهم..
والجماعة الذين يعيشون حالات الحرب والخوف والمصائب والبلاءات والقتل والجراحات
والإعاقات والدمار، فان امتحانهم في صبرهم وصمودهم أمام الخوف والأهوال وثباتهم على
الحق كالجبال الراسية بل اشد رسوخاً.
وجماعة آخرون على عكس أُولئك غرقى في اللذائذ والنعم، والإمكانات المادية متوفّرة
لديهم من جميع الوجوه، ترى هل يؤدّون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم، أم سيبقون
غرقى في اللذائذ والغفلة وحبّ الذات والأنانية.
وعلى حدّ تعبير أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "والذي بعثه بالحقّ
لتبلبلنّ بلبلة، ولتغربلنّ غربلة، ولتساطنّ سوط القدر حتّى يعود أسفلكم أعلاكم
وأعلاكم أسفلكم"11.
من عوامل التزلزل في الاختبارات
حب الدنيا (بجاهها ومالها وشهواتها ) ونسيان الآخرة
من الأمور التي تسبب ضعف القلب وتزلزله عند البلاءات حبّ الدنيا،
ولطالما حذرنا الإسلام من هذا الداء، قال تعالى:
﴿كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾12،
"حب الدنيا رأس كل خطيئة"13، و "حب الدنيا رأس الفتن وأصل المحن"14،
و"حب الدنيا أصل كل معصية"15.
من عوامل الثبات في الاختبارات
العلم والمعرفة واليقين
على الإنسان المؤمن أن لا يقنع بما عليه من الإيمان والمعرفة واليقين،
فعليه ان يزيد من معرفته فيزداد تفقهاً في الدين، لكي يسير على بصيرة من أمره ولا
تمر عليه الشبهات، ولا يسقط في الامتحان. وفي قضية نبي الله إبراهيم عليه السلام في
قوله (وقَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي...). في الحديث، عن صفوان، "سألت
أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله لإبراهيم
﴿أَوَلَمْ
تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾16
أكان في قلبه شك؟ قال عليه السلام: "لا، كان على يقين ولكنّه أراد من الله الزيادة
في يقينه"..
إخلاص النيّة
وهنا شيء في غاية الأهمية لا بدّ من توفّره لكي يأمل الإنسان الخاتمة
الحسنة، وهو سلامة القلب وصلاح النيّة وخلوصها، فمن لم يخلص نيّته لخالقه عزّ وجلّ،
فإنّ الخطر يبقى محدقاً به...
التأسي
بالأنبياء وبرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام
وأولياء الله وما تحمَّلوه وصبروا عليه من بلاءات الدنيا، بذلك تهون علينا البلاءات
والتحديات. قال تعالى: ﴿لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ
وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾17
مراعاة القلوب وتفقّدها
إنّ الثبات عند الترغيب أو الترهيب يحتاج منّا إلى المراقبة الدائمة لنفوسنا
وأعمالنا، فلنراقب قلوبنا وسلوكنا ودرجة ورعنا عن محارم الله، ولنُشعِر أنفسنا
دائماً بهذا الخطر، فما الّذي يؤمننا، ومن الّذي أعطانا صك البراءة؟! فعند الامتحان
يكرم المرء أو يهان!
فكن مؤمناً حقّاً كالجبل الراسخ بل أشدّ رسوخاً فإن:"المؤمن أصلب من الجبل، الجبل يستقل منه، والمؤمن لا يستقل من دينه شيء" هكذا أوصانا إسلامنا وهكذا أوصانا الإمام الباقر عليه السلام.
1- العنكبوت: 2 3
2- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 93.
3- العنكبوت: 2.
4- البقرة: 124.
5- النمل: 40.
6- م. ن، الخطبة 123.
7- الأنبياء: 35.
8- الدعوات، قطب الدين الراوندي، ص 169.
9- الأنفال: 28.
10- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 18، ص 248.
11- نهج البلاغة، الخطبة 16.
12- ( آل عمران: 185 )
13- الكافي، ج2، ص130
14- غرر الحكم، 4870.
15- تنبيه الخواطر، ج2، ص122.
16- الأنعام:75
17- ( الأحزاب: 21 )