محاور الموضوع
1 ـ أسباب الحب.
2 ـ لماذا نحب علياً عليه السلام :
أولاً: أمر إلهي.
ثانياً: لأن الله ورسوله يحبان علياً عليه السلام.
ثالثاً: حبه حب لله ورسوله.
رابعاً: حبه من أصل الإيمان.
خامساً: للبركات المترتبة على حبه عليه السلام.
خاتمة وتنبيه.
مقدمة: أسباب الحب:
إنّ حب الناس لأي شيء تابع لما فطر عليه الإنسان من قابليته للإنجذاب نحو الكمال والجمال، والإنسان بطبعه عاشق الكمال والجمال وباحث حثيث عنه، فإذا وجده ركن إليه وتعلق به؛ ولم يطق البعد عنه ولذا فإذا تجسد الجمال والكمال في ذات ما انجذب إليها وتعلق قلبه بها لما تمثله هذه وما يمثله هذا الشخص من تحقق لما يراه جمالاً وكمالاً.
فكما ينجذب الإنسان إلى الكمال والجمال المجردين كذلك يعشق ويميل ويتعلق بالشخص الجميل والشخص الكامل.
بل لعل لقائل أن يقول محقاً إن الإنسان مغروز في نفسه إيمانه بوجود أشخاص تجسدت فيهم كل الكمالات بأرقى درجاتها ولذا فما على الإنسان إلا البحث عنهم.
لماذا نحب علياً عليه السلام :
بناءً على ما سبق فإن حب علي عليه السلام هو مقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها لأنّ شخصه الكريم، مجمع الكمالات الإنسانية؛ فحيث ما ألقيت عين قلبك، أو أعملت فكرك، أو ألقيت سمعك، وجدت كاملاً لم يفته لون كمال ولم يعيقه عن أسمى درجاتها شيء حتى صارت ذاته هي المعيار لكل كمال وكامل وحق له أن يقول: "ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير"1.
فأين من شجاعته شجاع وأين من بلاغته بليغ، وأين من زهده زاهد، وأين حكمته حكيم... حتى يعيا القلم عن البيان.
وثمة أمر آخر هو أنّ حبه عليه السلام من صميم المعتقد ومن مسلمات العقيدة ونستطيع أن نقول إن حبنا لعلي له أساس ومؤسسون وهي كما يلي:
أولاً: حب علي عليه السلام أمر إلهي:
فقد جعل الله رسوله محمداً صلى الله عليه واله أسوة وقدوة؛ فإذا كان الرسول صلى الله عليه واله مأموراً بأمر وقد علم أنه ليس من مختصاته فهذا يعني أنا مأمورون به كذلك عبر التأسي والإقتداء به صلى الله عليه واله. وقد أمر الله تعالى رسوله الأكرم صلى الله عليه واله كما جاء في ما وراه بريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "إن الله أمرني أن أحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم" فقالوا: من هم يا رسول الله؟ فقال: "علي منهم، علي منهم" يكررها ثلاثاً "وأبو ذر والمقداد وسلمان أمرني بحبهم"2... وواضح من خلال تكراره صلى الله عليه واله علي منهم ثلاث مرات مدى اهتمامه صلى الله عليه واله بهذا الأمر ومدى مطلوبيته، بل ولعل محبة الثلاثة الآخرين كانت فرعاً من محبته أمير المؤمنين عليه السلام لأنهم كانوا حقّ المحبين له وحق الشيعة له عليه السلام والذين ثبتوا على ولايته عليه السلام.
ثانياً: لأن الله ورسوله يحبان علياً عليه السلام :
وهذا وارد في جملة حوادث منها حديث الطائر حيث دعا الرسول صلى الله عليه واله ربه قائلاً: "اللهم ائتني بأحب الخلق إليك ليأكل معي هذا الطير"3 ويروي أنس أن الذي استجاب الله به دعاء نبيه هو علي عليه السلام رغم أنه حاول ردّه مرات ثلاث.
وكذلك يوم خيبر بعد فشل من فشل في فتح الحصن فقال رسول الله صلى الله عليه واله : "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار..."4.
فكان ذلك الفاتح الذي يحبه الله ورسوله علي بن أبي طالب عليه السلام.
ثالثاً: لأن حب علي عليه السلام حب لله وللرسول صلى الله عليه واله :
فقد جاء فيما روي أن محبة علي عليه السلام توصل الإنسان إلى محبة الرسول ومحبة الرسول صلى الله عليه واله توصل إلى محبة الله عزَّ وجلَّ.
فقد جاء عنه صلى الله عليه واله : "من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عزَّ وجلَّ"5.
رابعاً: لأن حب علي من أصل الإيمان:
بمعنى كونه من شروط التوحيد وفقاً لما جاء عن الإمام الرضا عليه السلام في حديث السلسلة الذهبية: "كلمة لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي" ثم قال عليه السلام : "بشروطها وأنا من شروطها"6.
روي بالإسناد عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه واله يقول: "لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن"7.
ومما روي أيضاً قوله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام : "لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"8.
ولذلك اتخذ أصحاب النبي من ذلك علامة للتمييز بين المؤمنين والمنافقين فعن أبي سعيد الخدري قال: "إن كنا لنعرف المنافقين ـ نحن معشر الأنصار ـ إلا ببغضهم علي بن أبي طالب"9.
وكذلك ما روي عن أبي ذر حيث قال: "ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلاة والبغض لعلي"10 ، وعنه صلى الله عليه واله : "هو مني وأنا منه حبه إيمان وبغضه كفر، محبه محبي ومبغضه مبغضي"11.
خامساً: للبركات والآثار الجمة التي تترتب على حب علي عليه السلام بينت الروايات آثار وبركات وفوائد حب الإمام علي عليه السلام في شتى نشآت وجود الإنسان فمنها في الدنيا:
1 ـ قضاء كل حاجة: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "من أحب علياً عليه السلام قضى الله له كلَّ حاجة"12.
2 ـ خير الدنيا والآخرة: قال رسول الله صلى الله عليه واله لرجل: "أحبب علي بن أبي طالب عليه السلام فإن حبه خير الدنيا والآخرة"13.
3 ـ استجابة الدعاء: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "ما من امرئ أحب علياً عليه السلام مخلصاً وسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه ولا دعا الله إلا لباه"14.
4 ـ النفع في الشدائد: قال الإمام علي عليه السلام : "والله ـ لا يحبنا عبد ـ أبداً ـ ولو كان أسيراً في الديلم إلا نفعه الله بحبنا"15.
5 ـ الهداية: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "من أحب علياً فقد اهتدى ومن أبغضه قد اعتدى"16.
6 ـ الأمن والإيمان: قال رسول الله صلى الله عليه واله لأمير المؤمنين عليه السلام : "من أحبك حف بالأمن والإيمان"17.
ومنها عند الموت وفي القبر:
1 ـ حسن العاقبة: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "يا علي من مات وهو يحبك ـ بعد موتك ـ يختم الله تعالى له بالإيمان، ومن مات وهو يبغضك ـ مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمله"18.
2 ـ لا حسرة ولا وحشة في القبر: قال صلى الله عليه واله لأمير المؤمنين عليه السلام : "ما لمحبك حسرة عند موته، ولا وحشة في قبره"19.
3 ـ ترحم ملك الموت عليه: قال صلى الله عليه واله : "إنّ ملك الموت يترحم على محبي علي بن أبي طالب عليه السلام كما يترحم على الأنبياء "20.
4 ـ الفسحة في القبر ودفع هول منكر ونكير: قال رسول الله صلى الله عليه واله : "من عرف علياً عليه السلام وأحبه بعث الله إليه ملك الموت كما يبعث إلى الأنبياء. وجنبه أهوال منكر ونكير وفتح له في قبره مسيرة عام"21.
5 ـ الراحة عند الموت: قال رسول الله صلى الله عليه واله لأمير المؤمنين عليه السلام : "يا علي ما بين من يحبك وبين أن يرى ما تقر به عينه إلا أن يعاين الموت"22.
6 ـ زيارة الأنبياء للمحب في قبره: قال صلى الله عليه واله : "من أحب علياً عليه السلام ومات على حبه صافحته الملائكة وزارته أرواح الأنبياء"23.
أما في الآخرة:
1 ـ قبول الأعمال وغفران الذنوب:
عنه صلى الله عليه واله : "ألا ومن أحب علياً قبل الله صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعاءه"24.
وعنه صلى الله عليه واله : "حب علي يأكل الذنوب كما تأكل النار الحطب"25.
2 ـ براءة من النار وأمان من العذاب:
قال صلى الله عليه واله : "ألا ومن أحب علياً كتب الله له براءة من النار... وأماناً من العذاب"26.
3 ـ الجواز على الصراط:
عنه صلى الله عليه واله : "لكل شيء جواز، وجواز الصراط حب علي بن أبي طالب"27.
4 ـ رضى الله والجنة: عن النبي الأكرم صلى الله عليه واله : "ألا ومن أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد رضي الله عنه ومن رضي الله عنه كافأه بالجنة"28.
خاتمة وتنبيه:
جاء في الحديث: "حب علي حسنة لا تضر معها سيئة"29.
على المؤمن والمحب لعلي عليه السلام الانتباه إلى ما يمكن أن يتطرق إليه الفهم الخاطئ لهذه الرواية ومن آثار ليس أقلها إغراء الإنسان بعدم المبالاة أمام التكاليف الشرعية والاستهانة بارتكاب الذنوب؛ لأن معنى الرواية كما قد ذهب إليه العلماء هو إما أن حب علي فيما لو استقر في قلب المؤمن حسنة لا يمكن أن تحبطها أي سيئات أخرى لأنه متصل بحقيقة الإيمان أو لأن حب علي عليه السلام يوجد نوراً في القلب كما في بعض المرويات وهذا النور يشكل حصناً يحمي الإنسان من الوقوع في الذنوب أو أنه يدعوه إلى الرجوع عن الذنب وعدم الإصرار والتوجه إلى الله بالتوبة، فحب علي عليه السلام سبب لتوفيق الإنسان للتوبة وقبولها منه.
أو أنّ الذي يحب علياً عليه السلام يرضى بكل خصائصه وميزاته، ويسر ويفرح بها، وهذا يجعل المحب لعلي يسعى لأن يكون محبوباً من علي عليه السلام ومرضياً منه ومعنى ذلك أن لا يفعل ما يسخطه عليه أو يبعده عنه، وهذا يعني أن يكون في سلوكه وتعامله راضياً بما يرضاه علي عليه السلام ويسخط مما يسخط علياً عليه السلام ؛ لأن هذا دأب المحب حقيقة مع حبيبه، وبالتالي فإن حب علي عليه السلام حينها سيكون رادعاً، بل مع الترقي يصبح عاصماً عن اقتراف الذنوب.
ولذا نتوجه بالدعاء إلى الله عزَّ وجلَّ أن يثبت قلوبنا على حب علي عليه السلام ويجعلها ترابط حيث يحب علي وتهجر كل ما يكرهه عليه السلام.
والحمد لله رب العالمين
1- نهج البلاغة، ج1، ص31.
2- المناقب، الموفق الخوارزمي، ص74.
3- المناقب، الموفق الخوارزمي، ص108.
4- الكافي، الكليني، ج8، ص351.
5- ينابيع المودة، القندوزي، الحنفي، ج2، ص155.
6- عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الاحسائي، ج4، ص94.
7- الغدير، العلامة الأميني، ج9، ص267.
8- الغدير، العلامة الأميني، ج3، ص184.
9- الغدير، العلامة الأميني، ج3، ص183.
10- موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، الريشهري، ج11، ص286.
11- بحار الأنوار، ج6، ص246.
12- فضائل الشيعة، ص5.
13- الدعوات، ص196.
14- أعلام الدين، ص136.
15- الاختصاص، ص82.
16- المواعظ العددية، ص62.
17- كشف الغمة، ج1، ص67.
18- الفضائل، ص139.
19- المناقب، ج3، ص237.
20- كشف الغمة، ج1، ص103.
21- مشارف الأنوار، ص61.
22- تأويل الآيات، ج2، ص485.
23- مشارف الأنوار، ص61.
24- تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، الأسترآبادي ، ص863.
25- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1ن ص136.
26- بحار الأنوار، المجلسي، ج7، ص222.
27- بحار الأنوار، المجلسي، ج39، ص202.
28- بحار الأنوار، المجلسي، ج7، ص222.
29- ينابيع المودة، القندوزي الحنفي، ج1، ص375.