محاور الموضوع
الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه واله
البعثة إعجاز ودليل لتوحيد الله تعالى
الهدف من البعثة النبوية من خلال سورة الجمعة
البعثة العالمية
حذار من عودة الجاهلية
البعثة الجديدة ختام الجاهلية
الهدف
إظهار قيمة بعثة النبي محمد صلى الله عليه واله وأهميتها في التغيير الحضاري.
تصدير الموضوع
يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾. الجمعة: 2.
الأنبياء والنبي محمد صلى الله عليه واله
لقد بعث الله آلاف الأنبياء في مراحل تأريخية مختلفة وأماكن مختلفة من العالم وقاموا بمهامهم خير قيام في هداية البشرية ودعوا إلى التوحيد والعدل، وتميَّز من بينهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بأن أنزل الله عليهم كتباً سماويَّة مشتملة على الأحكام والقوانين الفردية والاجتماعية والتعاليم والوظائف الأخلاقية والقانونية الملائمة لظروفها الزمانية. ولكن هذه الكتب تعرّضت للتحريف ومنها ما اختفى وعاش الناس في ضلال لأنهم باتوا يأخذون دينهم من رهبانهم وأحبارهم وكتبهم مع ما فيها من تحريف، وأساطير، وتشويه صورة الأنبياء، والنيل من مقام الربوبية،حتى بعث الله سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء وأفضلهم في أكثر المناطق تخلُّفاً وانحطاطاً وظلماً وجهالةً أرسله إلى البشر كافة ليحمل لهم الكتاب الإلهي الخالد ليهديهم إلى سبيل الرشاد ويعلمهم المعارف الحقيقية ويقود البشر إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
يقول تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾1.
البعثة إعجاز ودليل لتوحيد الله تعالى:
بعد أن افتتح الحكيم سورة الجمعة بتنزيه ما في السماوات والأرض له بصفات الملك والقدوس والعزيز والحكيم,يتحدث عن بعثة الرسول صلى الله عليه واله والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بهذه الأسماء في إشارة لطيفة إلى علاقة البعثة بهذه الأسماء حيث يقول: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾. والملفت للنظر أن بعثة الرسول صلى الله عليه واله بهذه الخصوصيات تعتبر إشارة إلى عظمته عزّ وجل ودليل على وجوده إذ يقول:"هو الذي بعث في الأميين رسولا". وأبدع هذا الموجود العظيم بين أولئك الأميين.. "الأميين" جمع (أميّ) وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة فالآية تؤكد على أن نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الأميين الذين لم يتلقوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقانيتها، لأن من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص أميّ أيضاً، بل هو نور أشرق في الظلمات، ودوحة خضراء في قلب الصحراء، وهي بحد ذاتها معجزة باهرة وسند قاطع على حقانيته...
الهدف من البعثة النبوية من خلال سورة الجمعة
لخصت الآية الكريمة الهدف من بعثة الرسول صلى الله عليه واله في ثلاثة أمور: جاء أحدها كمقدمة وهو تلاوة الآيات عليهم، بينما شكل الأمران الآخران أي "تهذيب وتزكية النفس" و "تعليمهم الكتاب والحكمة"الهدف النهائي الكبير. نعم، جاء الرسول صلى الله عليه واله ليعطي الإنسانية ويعلمها العلم والأخلاق، لتستطيع بهذين الجناحين "جناح العلم وجناح الأخلاق" أن تحلق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه. ويمكن تلخيص أهداف البعثة على ضوء هذه الآيات وبحسب ما تقدم بأن النبي الأمي صلى الله عليه واله جاء في أميته لإثبات وجود الله ووحدانيته, وثانياً: لأجل تربية النفوس تربية ربانية تخرجهم من ظلمات الجاهلية وتعليمهم بما يعني تنمية العقول ولتتفتق القابليات الإنسانية والفكرية, وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "فبعثَ فيهم رسُلَه وَوَاترَ إليهم أنبياءَه ليستأدوهم ميثاقَ فطرته. ويذكِّروهم مَنسيَّ نعمته. ويَحتجّوا عليهم بالتبليغ. ويثيروا لهم دفائن العقول"2.
كل ذلك بواسطة أمرين الوحي والموحى إليه وضرب النموذج بالنبي الأمي للإشارة إلى أن الاستسلام للتربية الإلهية رفع الأميّ إلى مقام معلم البشرية الأكمل.
وتعبير "الضلال المبين" إشارة مختصرة معبرة إلى سابقة العرب وماضيهم الجاهلي في عبادة الأصنام. وأي ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذي يعبد فيه الناس أحجاراً وأخشاباً يصنعونها بأنفسهم ويلجؤون إليها لحل مشاكلهم وإنقاذهم من المعضلات. يدفنون بناتهم وهن أحياء ثم يتفاخرون بكل بساطة بهذا العمل قائلين: إننا لم ندع ناموسنا وعرضنا يقع بيد الأجانب. كانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفيق وصياح إلى جانب الكعبة، وحتى النساء كن يطفن حول الكعبة وهن عراة تماماً، ويحسبون ذلك عبادة. كانت تسيطر على أفكارهم مجموعة من الخرافات والأوهام، وكانوا يفتخرون ويتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. إلى أن جاء الرسول صلى الله عليه واله وأنقذهم وزكاهم وعلمهم وحقا إن تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضال يعتبر أحد الأدلة على عظمة الإسلام ومعاجز نبينا العظيمة.
البعثة العالمية:
ولكن لم يكن الرسول صلى الله عليه واله مبعوثاً لهذا المجتمع الأمي فقط، بل كانت دعوته عامة لجميع الناس، فقد جاء في الآية التالية "وآخرين منهم لما يلحقوا بهم". نعم، إن الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرسول ليتربوا في مدرسة الرسول صلى الله عليه واله ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنة المحمدية، كانوا - أيضاً - مشمولين بهذه الدعوة العظيمة. بناء على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرسول صلى الله عليه واله من العرب والعجم. جاء في الحديث أن الرسول صلى الله عليه واله بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرسول صلى الله عليه واله إلى سلمان وقال: "لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء".
وجاء في آخر الآية: ﴿هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة - أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي - يضيف قائلاً: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾. وهذه الآية في الحقيقة كالآية - 164 - في سورة آل عمران التي تقول: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾.
إن قيادة الرسول صلى الله عليه واله كانت نعمة للأمة كما أن مقام النبوة نعمة عظيمة لشخص الرسول الكريم صلى الله عليه واله. ولا نجد حاجة إلى القول بأن تعبير من يشاء لا يعني أن الله ينزل رحمته وبركاته بدون حساب وبلا سبب، بل إن المشيئة هنا مرادفة للحكمة كما وصف الباري نفسه في بداية السورة بأنه العزيز الحكيم. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في معنى هذا الفضل الإلهي: "فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بَعَثَ إليهم رسولاً، فعقد بملته طاعتهم وجمع على دعوته ألفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفّت الملّة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غارقين. وفي خضرة عيشها فكهين".
حذار من عودة الجاهلية
قال تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾3 وقد فسرها الإمام الباقر عليه السلام: "أي سيكون جاهلية أخرى" إشارة إلى عودة الجهل في تاريخ الإسلام، حتى إنه صلوات الله عليه قال في هذا الصدد: "بعثت بين جاهليتين، لأَخراهما شرَّ من أولاهما"4.
ومن العوامل لمثل هذا الرجوع القهقرى الاختلاف الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه واله: "ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها"5.
ومنها - وهو أخطرها طبعاً - زعامة أئمة الضلال، وهو ما قال فيه الرسول صلى الله عليه واله: "إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون"6.
ومعنى هذا أن في وجود أئمة العدل والحق ضماناً لاستمرار عصر العلم، أي عصر الإسلام الحقيقي، وبانعدام تلك الزعامة ينقلب المجتمع الإسلامي إلى ما كان عليه في الجاهلية الأولى.لقد تحققت هذه الواقعة المريرة في تاريخ الإسلام، وأضحت المجتمعات الإسلامية، بل مجتمعات العالم بأسرها، تتخبط في مستنقع الجاهلية الحديثة على الرغم مما أحرزته من تقدم باهر في مجال العلوم التجريبية.
البعثة الجديدة ختام الجاهلية
كان رسول الله صلى الله عليه واله قد قدم البشرى لبني الإنسان في أن لهذا العهد نهاية أيضاً، إذ ستنمحي كل مخلفات الجاهلية من العالم بأسره عند قيام إمام من آل محمد صلى الله عليه واله ، وهو المهدي عجل الله فرجه الشريف الذي سيضاء العالم كله بنور العلم الحقيقي بفضل زعامته وهدايته، ويطوى بساط الفساد من وجه المعمورة، وتسود العدالة كل الكون.
عن الفضيل بن يسار: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول الله صلى الله عليه واله من جهال الجاهلية. قلت: وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه واله أتى الناس وهم يعبدون الحجارة, والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتى الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله يحتج عليه به، ثم قال: أما والله ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر..7
والى أن يأتي عصر البعثة الجديدة علينا أن نمهّد لصاحب البعثة الجديدة وذلك بإطاعة علمائنا الربانيين وأبرزهم الولي الفقيه العالم الورع الزاهد الحكيم...
إلفاتة
أخي المبلّغ,لا تنس تذكير المصلّين بمشروع الأربعون صباحاً بإحياء صلاة الصبح يعقبها دعاء العهد في المسجد جماعةً يومياً لمدة أربعين صباحاً على أن يكون البَدء في يوم المبعث النبوي ّالشَّريف في 27رجب الأصب 1434هجري, الموافق 7حزيران2013م.
1- آل عمران: 164
2 - نهج البلاغة، ج 1، ص 23
3- الأحزاب:33
4- الأمالي الخميسية: 2 / 277.
5- كنز العمال: 1 / 183 / 929.
6- كنز العمال: 10 / 188 / 28986.
7- الغيبة للنعماني: 296 / 1.