محاور الموضوع
المقدمة، حقيقة الذكر
ـ شعبان شهر الذكر.
ـ مصاديق الذكر.
ـ عطاءات الله للذاكرين والمستغفرين في شعبان
الهدف
اغتنام فرصة شهر شعبان والتزود منه لشهر رمضان.
تصدير الموضوع
عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "شعبان شهري رحم الله من أعانني على شهري"
مقدمة: حقيقة الذكر
في جملة من أعد الله تعالى لهم المغفرة والأجر العظيم ذكر تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ﴾1.
وجعلها ختاماً لصفات جليلة وكريمة يحبها منها ما له علاقة بالانتماء إلى الدين ومنها ما له علاقة بحقيقة الاعتقاد ومنها ما له علاقة بالاستقامة والثبات كالصبر والصدق ومنها ما له علاقة بالعبادة من حيث كيفية أدائها كالخشوع ومنها ما له علاقة بالأخلاق الفردية أو الاجتماعية وغير ذلك.
وجعل صفة الذكر لله في آخر الصفات ربما يكون لمزيد الإهتمام بهذه الصفة أو لترتبها على ما قبلها وبالتالي تصبح هي المظهر النهائي لصفات الإسلام والإيمان والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والعفة.
وفي آية أخرى قال تعالى لأحد أنبيائه عليهم السلام: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾2.
حيث تبدو الصلاة وسيلة للذكر؛ ومن هنا فإن الذكر حقيقته هو التفات الإنسان إلى حضور الله وملاحظة هذا الحضور الذي من لوازمه التأدب بآداب هذا الحضور، فالذكر اللساني ذكر، وإنما الذكر هو حالة في قبال الإهمال والغفلة والنسيان والسهو وعدم المبالاة.
فالذكر لله تعالى على ما تقدم هو حالة من حالات القلب.
وله مصاديق كثيرة منها القرآن الكريم الذي من أسمائه الذكر الحكيم ومنها الرسول صلى الله عليه واله "ذكراً رسولاً" بل حتى أن الله تعالى أول ما أمر الرسول صلى الله عليه واله به أمره أن يبدأ القراءة للوحي بذكره تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾3.
ولأجل أهمية ومؤثرية الذكر أظهر تعالى مطلوبيته بألوانٍ شتى ليس أقلها أنه تعالى رضي من كل شيء بعدد مخصوص كخمس صلوات وصوم شهر واحد في السنة وحجة واحدة في العمر وأما في الذكر فطلب أن يكون كثيراً فقال عز من قائل: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ 4.
شعبان شهر الذكر:
إنّ لشهر شعبان خصوصية بين الشهور، تتأتى من جملة نواحٍ، منها أنه شهر رسول صلى الله عليه واله وأنه شهر فيه ولادة ثار الله الإمام الحسين عليه السلام وولادة الآخذ بثاره بقية العترة القائم عجل الله فرجه الشريف.
وفيه ليلة هي ليلة الخامس عشر منه تضاهي ليلة القدر فضلاً وأثراً وكذلك لأن شعبان مدخل لشهر الله ومنزل مهم قبل الدخول إلى شهر رمضان، وبالتالي شهر شعبان محطة للتزود من بركاته إذا أردنا أن نكون من أهل الكرامة على مأدبة الله الكبرى شهر رمضان، فبالعمل في شهر شعبان والتزود من مناهله يقبل علينا شهر رمضان وقد أزلنا كل ما يمنعنا من الاستفادة من أنواره وبركاته أو يقلل حظوظنا وبمعنى آخر فإن العاقل الحكيم والجاد يفترض به إذا ما علم أن الكريم فتح له باب خزائنه وأتاح له أن يعب منها يسعى جاهداً لتوسيع أوعيته وتنمية قابلياته وإلا كان ذا حظ قليل.
وأهم وعاء يفترض على الإنسان أن يسعى لتوسعته وتنقيته وإزالة المزاحمات منه هو القلب الذي قد يكون المانع من استفادته من العطاءات الرمضانية من خلال تلوثه بالذنوب، فلا بد من غسله وتطهيره بالاستغفار وقد يكون المانع من الاستفادة من هذه العطاءات تلون النفس وتزلزلها واضطرابها فلا بد من ما يثبت القلوب ويسكنها لتنعم وتلتذ بهذه العطاء ولا سبيل يفضي إلى الطمأنينة والسكون إلا ذكر الله فهو الذي يعطي النفوس والقلوب راحتها واستقرارها واطمئنانها ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾5.
وإذا كانت مهمة رسول الله صلى الله عليه واله التي كاد أن يذهب نفسه لأجل أدائها وتحقيق أهدافها الملخصة باخراج النفوس من الظلمات إلى النور، وأشد هذه الظلمات العمى والغفلة عن الله تعالى.
وقد جاء فيما روى صفوان الجمال عن الإمام الصادق عليه السلام: "... إن رسول الله صلى الله عليه واله كان إذا رأى هلال شعبان أمر منادياً ينادي في المدينة: يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا إنّ شهر شعبان شهري فرحم الله من أعانني على شهري"6 وبناءً على ما سبق فإن إعانة رسول الله صلى الله عليه واله تكون بايجاد ما يجعلنا قابلين لأن يأخذ بأيدينا أولاً ليخرجنا من الظلمات إلى النور وثانياً ليشفع لنا ويستنقذنا أخروياً. ولعل هذه الشفاعة هي الصورة الأخروية للأخذ بسنته واعانته على النفس خصوصاً في شهره شهر شعبان.
ولأجل هذه الخصوصية ورد استحباب صوم شهر شعبان لأن الجوع يساعد على إزالة الحجب وشهود الحضور الإلهي "أجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله"7.
مصاديق الذكر
ورد في السنة المباركة جملة من مصاديق الذكر كالتهليل، والاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه واله وآله الأطهار وكذلك الدعاء وتلاوة القرآن والصلوات.
فقد روي عن أبي الصلت وهو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام قال: "دخلت على الرضا عليه السلام في آخر جمة من شعبان فقال: يا أبا الصلت إن شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة فيه فتدارك ما بقي منه تقصيرك في ما مضى منه، وعليك بالإقبال على ما يعنيك وأكثر من الدعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله إليك وأنت مخلص لله عزَّ وجلَّ..."8.
عطاءات الله للذاكرين والمستغفرين في شعبان:
إن لذكر الله تعالى مطلقاً ثماراً كثيرة ومن أهمها كما ذكر في الروايات والآيات عناية الله تعالى كما في قوله تعالى:﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ والمعية الإلهية أنا جليس من ذكرني.
وبما أنه كما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه واله أنه أي شعبان: شهر شريف وهو شهري، وحملة العرش تعظمه وتعرف حقه... إلى أن قال صلى الله عليه واله: "وهو شهر العمل فيه مضاعف..."9.
فعلى ذلك الذكر في شعبان، أي ذكر، أجره مضاعف لكن روي أنه يستحب فيه التهليل فعن رسول الله صلى الله عليه واله:"ومن قال في شعبان ألف مرة لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون؛ كتب الله له عبادة ألف سنة، ومحا عنه ذنب ألف سنة، ويخرج من قبره يوم القيامة ووجهه يتلألأ مثل القمر ليلة البدر، وكتب عند الله صديقاً"10.
وكذلك فإن للإستغفار مطلقاً آثاراً ذكرتها الآيات والروايات منها سعة الأرزاق، الذرية، نزول المطر حين الجدوبة، الغنا من الفقر، قضاء الدين، إزالة الهموم إضافة إلى الوظيفة الأصلية للإستغفار وهي المغفرة من الله تعالى.
وللإستغفار في شعبان خصوصية وله صِيَغ مختلفة ولها جوائز إلهية فمنها:
1 ـ عن الإمام الصادق عليه السلام: من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم الرحمن الرحيم وأتوب إليه؛ يكتب في الأفق المبين، قيل: وما الأفق المبين؟ قال عليه السلام:" قاع بين يدي العرش فيها أنهار تطَّرِد (تجري) فيه من القدحان عدد النجوم"11.
2 ـ وعن الإمام الرضا عليه السلام:" من استغفر في شعبان كل يوم سبعين مرة كان كمن استغفر في غيره من الشهور سبعين ألف مرة، قال الراوي: فكيف أقول؟ قال عليه السلام: قل استغفر الله وأسأله التوبة"12.
3 ـ وعنه عليه السلام:" من استغفر الله تبارك وتعالى في شعبان سبعين مرة غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم"13.
4 ـ وعنه أيضاً:" من قال في كل يوم من شعبان سبعين مرة استغفر الله وأسأله التوبة؛ كتب الله له براءة من النار وجوازاً على الصراط وادخله دار القرار" وهناك رواية ذكرت أنه يحشر في زمرة رسول الله صلى الله عليه واله.
وبالمحصلة فإن على كل مؤمن عاقل حكيم اغتنام فرصة شهر شعبان والتزود منه لشهر رمضان وعدم التواني والتقصير وإلا فلات ساعة مندم.
1-الأحزاب / 35.
2- طه / 14.
3- العلق / 1.
4- آل عمران / 41.
5- الرعد / 28.
6- بحار الأنوار (المجلسي)، ج94، ص79 ـ 83.
7-جامع السعادات، النراقي، ج2، ص5.
8-وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص301.
9- الإقبال (السيد ابن طاووس، ج3، ص292.
10- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج7، ص380.
11- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج3، ص295.
12- وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج10، ص511.
13- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج3، ص294.
14- الأمالي، الشيخ الصّدوق، ص727.