محاور الموضوع
1- مقدمة.
2- السلطة عند أمير المؤمنين عليه السلام حيثية طريقية وليست حيثية موضوعية.
3- ما يجب على الحاكم تركه.
4- خاتمة.
الهدف
بيان ما يجب أن يكون عليه متولي شؤون الناس ومتعلقاتهم.
تصدير الموضوع:
"من جعل ملكه خادماً لدينه انقاد له كلّ شيء"
مقدمـــــة:
بعد مضي ربع قرن من التجربة السياسية والإدارية التي مرت على الأمة الإسلامية عقيب
رحيل خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، أدركت أنه لا مناص أمامها ولا خلاص لها إلا
بالرجوع إلى من يقوّم سلوكها على الطريقة المثلى، ويعمل على تغيير وتبديل الثقافة
المتجذّرة على أساس الطبقية والعصبية والعرقية ليصلح الواقع الإداري ويبنيه على
أساس الكفاءات والخبرات.
ولا بد لمن يريد أن يقوم بهذه المهمة أن يتحلى بالصفات التالية:
أولاً: أن يعمل لله ولأجل مرضات الله تعالى فقط.
ثانياً: أن يكون صاحب معرفة وحكمة.
ثالثاً: أن يتحلى بصفة العدالة.
رابعاً: أن يكون صاحب قدرة ونفوذ.
خامساً: أن يتعاطى بحزم ولين.
سادساً: أن يحمل الناس على المحجّة البيضاء.
وبحق لا يوجد إلا حاكم واحد وقائد فارد، وسياسي رسالي، اسمه "علي بن أبي طالب"،
وبحق هو أحد تجليات قوله تعالى:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا
رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ
لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ
وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾1
السلطة عند أمير المؤمنين حيثية طريقيه وليست موضوعية:
لم تكن السلطة عند أمير المؤمنين عليه السلام ولو للحظة واحدة علة غائبة وحيثية على
نحو الموضوعية وإنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف وطريق يوصل الخلق إلى الحق.يقول عليه
السلام: "اللهم انك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء
من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن
المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك".2
ولأجل ذلك حينما رأى تراثه نهباً صَبَرَ على طخيةٍ عمياء، وفي الحلقى شجى، وفي
العين قذى، وطفق في صبره مدرسة لا يدخل إليها إلا مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان،
فضلاً عمّن يتخرّج منها.
وأما الناس فمنيوا في تخبط وشماس، ثم آلت امورهم إلى أن أقامت عليهم فئة يخضمون مال
الله خضمة الإبل نبتة الربيع، حتى ثارت لتغيير الواقع المعاش وبعد ذلك تحولت إلى
منقذها حيث تتجسد العدالة الإلهية. ويصف لنا هذا المشهد أمير المؤمنين عليه السلام
حيث يقول: "فما راعني إلا والناس كعرف الضبع3 إلي ينثالون4
من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي5 مجتمعين حولي كربيضة
الغنم.6"7
ما يجب على الحاكم تركه:
هناك ربط وثيق بين سلوك الفرد وما انطوت عليه نفسه من صفات ومعتقدات، اذ فعل المرء
لسان باطنه، ومهما حاول أن يعمل خلاف طبعه فسرعان ما يفتضح، فالظالم لا يمكن أن
يحكم بالعدل والمنسلخ عن الناس فلا يهتدي الطريق إلى خدمتهم، والجبان لا يثبت في
الميدان، ومن هنا فعلى الحاكم – وقبل ممارسة الحكم- التخلي عن كامل الصفات القبيحة
ثم التحلي بالصفات التي تؤهله للحكومة والإدارة.
رجلان لا يصلحان للحكم:
الرجل الأول: من وكله الله إلى نفسه حينما ترك ما أمره به وسار متباعداً عن منهجه،
تخلى عن ربه فهو لا يسد ثغراته، ولا يقيل عثراته، فهو مخذول مسلوب التوفيق والتسديد،
فلا يهتدي السبيل إلى آية محكمة أو سنة بينة فهذا أحد الرجلين هنا ابغض الخلائق إلى
الله سبحانه وتعالى. وفي حقه يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "إن ابغض الخلائق إلى
الله رجلان: رجلً وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة،
ودعاء ضلالة فهو فتنة لمن افتتن به، ضالّ عن هدي من كان قبله، فضلّ من اقتدى به في
حياته وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره رهن الخطيئة"8.
الرجل الثاني: الذي يجمع الجهل من هنا وهناك وهو ماض في غشّ الناس والتغرير بهم،
يتحرك بين الناس بعمى فلا يهتدي السبيل إلى مواضع الاصلاح بين الناس، واذا اكتنز
حظاً من العلم فمن غير طائل بحيث لو واجهته المسائل الصعبة لتكلم فيها بحشو لا
فائدة فيه فحكمه فيها واهنة كنسيج العنكبوت، فلو أصاب خاف أن يكون قد أخطأ وان أخطأ
رجا أن يكون قد أصاب وإلى هذا أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "رجل قمّش
جهلا... وقد سماه أشباه الناس عالماً وليس به... حتى اذا ارتوى من ماء آجن، واكتنز
من غير طائل... ضامناً لتخليص ما التبس على غيره فان نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها
حشوا رثا من رأيه ثم قطع به فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت،... تصرخ من
جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالاً ويموتون
ضلالاً "9.
ترك الانتقام:
اللطف بالناس والرأفه بهم مطلوب ولكن ليس على حساب القانون، والمعاقبة على الخطأ
والمخالفة غير مرفوض ولكن لا على أساس الانتقام والتشفي وإلا لصار عليهم سَبْعاً
ضارياً، هنا يقول علي عليه السلام: "واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم، واللطف
بهم، ولا تكونن عليهم سَبْعاً ضارياً تغتنم اكلتهم"10.
ترك الاحتجاب عن الرعية:
احتجاب الحاكم عن رعيته لا يزيد في شوق الناس اليه وإنما في ذلك مشقة عليهم وسبب
لتعطيل أعمالهم وخرس يصيب لغة التواصل بينهم فلا يجدون فيه الأمل لمداواة آلامهم
وبدلاً من أن يكونوا له ظهيراً فيتحولون له ظهريّاً، وإلى ذلك قال علي عليه السلام:
"أما بعد فلا تطوّلنّ احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق
وقلة علم بالأمور... فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح المحسن ويحسن القبيح"11.
خاتمة:
فعلى الحاكم أن يعلم أنه من الناس وفي الناس وإلى الناس وليكن شكره إلى الله تعالى
على نعمائه ببذل الخدمة لهم وبسط النعمة عليهم.
1- الحديد:25
2- م.ن ج2، ص 13.
3- الكثرة والازدحام.
4- يتتابعون مزدحمين.
5- خدش جانباه من الاصكاك.
6- الطائفة الرابضة من الغنم.
7- نهج البلاغة ج1، ص 35.
8- نهج البلاغة، ص44، رقم 17.
9- نهج البلاغة، ص43، رقم 17.
10- نهج البلاغة- عهده إلى مالك الأشتر، ص 562-عهد292.
11- المصدر السابق ص 583.