محاور الموضوع
1.مقدمة
2.أصحاب البصيرة هم أصحاب القلوب الواعية
3. البصيرة واسطة بين الفكر والعلم
4. فقد البصر والبصيرة
5. البصير حقا !.
6. أفضل أصحاب البصائر
خاتمة
الهدف:
إن ينظر الإنسان إلى المواقف التي يتخذها أن تكون عن تفكر وتدبر.
تصدير الموضوع:
عن علي عليه السلام: "العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير من الطريق إلا بعدا"1.
مقدمة:
البصيرة هي البينة والدلالة التي يبصر بها الشيء على ما هو به والبصائر جمعها2. وقيل البصيرة للقلب كالبصر للعين3 فالبصيرة نور القلب به يَستبصر، كما أن البصر نور العين الذي به تُبصر، ومن المجاز: البصيرة: البيان، والحجة الواضحة، وقد ورد ذكرها في القرآن الكريم في عدة آيات شريفة بمعنى الحجج الباهرة على وحدانية الله سبحانه وتعالى وانتفاء الشريك عنه، وهي ضد العمى والنسبة بينهما نسبة العدم والملكة يوجدان فيمن له قابلية الإبصار.
وقد جمعتا في الآية الرابعة بعد المائة من سورة الأنعام وهو قوله تعالى ﴿قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾. وقد وصفت البصائر (الآيات والحجج) بالهدى والرحمة والغاية منها الهداية والإرشاد والتذكرة للناس وهم على خيرة من أمرهم إن شاءوا أبصروا بها وان شاءوا عموا عنها غير انه الأبصار لأنفسهم والعمى عليها، ولطالما ان المنتفع بها هم المؤمنون وباعتبار أخذهم بالبصائر وسلوك سبيلها فهم أصحاب بصيرة كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾4.. وكزيادة في البيان ماجاء في الرواية عن أبي عبد الله عليه السلام: "في قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ...﴾. ليس يعني من البصر بعينه ومن عمي فعليها ليس يعني عمى العيون إنما عنى إحاطة الوهم"5.
أصحاب البصيرة هم أصحاب القلوب الواعية:
البصيرة بما أنها من الكيفيات النفسانية فموطنها ليس الحواس الظاهرية وإنما القلب ومن هنا تحدد لنا بوصلة اتجاه الإنسان إما نحو الارتقاء حتى يعرج إلى مصاف الملائكة وإما يلج في ظلمات التيه الطيني فيغدو أضل من الأنعام. ويكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾6. وبناءً عليه فمن يملك قلباً واعياً فهو صاحب بصيرة وكلما كان المرء أكثر إدراكاً لتفاصيل الأشياء ولتفاصيل التفاصيل كانت البصيرة أكثر انبساطاً في نفسه وقلبه.
البصيرة واسطة بين الفكر والعلم
البصيرة ثمرة التفكر، فمن يسمع الأشياء من حوله ويبصر ما حوله وهكذا كل ما يأتي إلى النفس من منافذها وهي الحواس ثم يتأمل ويتدبر ويفكر فيها ثم يخلص إلى ما يوافق حكم العقل والشرع فيكون بصيراً وبذلك يحصل له اليقين الكاشف بحقائق الأمور، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في الآية الشريفة السادسة والأربعين من سورة الحج: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا﴾. ومن السنّة الشريفة ما جاء في كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "من اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم ومن فهم علم"7. وفي موضع آخر قال عليه السلام: "فإنما البصير من سمع فتفكّر ونظر فأبصر، وانتفع بالعبر ثم سلك جدداً واضحاً يتجنب فيه الصرعة في المهاوي"8.
فقد البصر والبصيرة:
من فقد بصره لا يخرج عن حدّ الإنسانية بل هناك من فقد بصره إلا انه يملك من العلوم والمعارف ما يبهر العقول، وأما فاقد البصيرة فهو أعمى القلب وبه يخرج من حيّز الإنسانية حتى لو تمتع بقوة البصر، وبعبارة أخرى فمن كان لهم أعين ولكن لا يعتبرون بما يرونه ولهم آذان ولكن ترفض كلمة الحق ولهم قلوب لاتنقاد إلى الحقيقة فليست موجودة حكماً وقد اصطلح عليهم القرآن الكريم: ﴿أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾. ويدل عليه ما جاء في مجموعة من الأخبار منها: "نظر البصر لا يجدي إذا عمي البصير"9. وجاء على لسان أمير المؤمنين عليه السلام: "ليست الرؤية مع الأبصار، فقد تكذب العيون أهلها ولا يغش العقل من استنصحه"10. ومن أخبار العامة: "ليس الأعمى من يعمى بصره، إنما الأعمى من تعمى بصيرته"11.
البصير حقا:
يجب أن يكون الإنسان المؤمن صاحب بصيرة في كل شؤون الحياة فلا يقنع نفسه بأنه صاحب بصيرة في الأمور الاعتقادية كقضية التوحيد والنبوة والإمامة وغير ذلك، فهذه قضايا أضحت من الأمور البديهية عند الإنسان المؤمن وهكذا بالنسبة لكل المسائل الواضحة التي لا تحتاج إلى المزيد من التأمل والتفكير والتدبر، ربما يقال بان البصير هو ذلك المرء الذي يواجه أموراً غامضة ثم يعمل على إزالة الشبهات من أمامه وينفذ بالاعتماد على الحجج والأدلة إلى النتيجة الصحيحة والسليمة وهذا ليس له ميدان محدد وحقل معين بل يجري في الأمور الاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية والإدارية وحتى في الشؤون الأسرية.ويدل عليه ماجاء عن مولانا علي عليه السلام حيث قال: "إني والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها ماباليت ولا استوحشت، واني من ظلالهم (ضلالهم) الذي هم فيه، والهدى الذي أنا عليه، لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، واني إلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج"12.
ومن القضايا التاريخية التي نقلت عن الزبير فاقبل على أم المؤمنين فقال: "يا أماه مالي في هذا بصيرة، واني منصرف، فقالت: يا أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب ؟ فقال أنها والله طوال حداد، تحملها فتية أنجاد"13.
أفضل أصحاب البصائر
أفضل أصحاب البصائر من تبصِّر عيوب نفسه ومن وعى التذكير وقِبله بعد أن سمعه. فعن مولانا الإمام الباقر عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾14، "هو اعلم بنفسه"15.
وعنهم عليهم السلام: "أبصر الناس من أبصر عيوبه واقلع ذنوبه"16. وعن علي عليه السلام: "ألا إن أبصر الأبصار ما نفد فيّ الخير طرفه، ألا إن اسمع الأسماع ما وعى التذكير وقبله"17.
خاتمة
إن إحدى أهم صفات أصحاب القائم - أرواحنا فداه - أنهم أهل البصائر كأصحاب الحسين عليه السلام في كربلاء ويدل عليه ماجاء في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام فقال: "قوم لم يمنّوا على الله بالصبر، ولم يستعصموا بذل أنفسهم في الحق، حتى إذا وافق وارد القضاء انقطاع مدة البلاء،حملوا بصائرهم على أسيافهم ودانوا لربهم بأمر عظيم"18.
1- تحرير الاحكام -الحلي - ج1-ص33
2- مجمع البان -ج7-ص154
3- تفسير الميزان -ج7-ص302
4- سورة يوسف -الآية 108
5- الكافي ج- ص.
6- الأعراف - آية 101
7- نهج البلاغة ج4-ص47
8- شرح نهج البلاغة - لابن ابي الحديد -ج9- ص158
9- ميزان الحكمة -ج1- ص422
10- شرح النهج -ابن ابي الحديد -ج19 -ص173
11- كنز العمال -ج122
12- نهج البلاغة -من خطبه - ج3- ص120
13- الاحتجاج - الطبرسي - ج3- ص120
14- سورة - آية
15- عوالي اللئالي - الاحسائي -ج3-ص82
16- ميزان الحكمة -ج1- ص423
17- شره النهج -ج3-ص 82
18- ينابيع المودة - القندوري - ص437