محاور الموضوع:
توطئة
ولاية النبي واسطة في ثبوت ولاية الله للإمام
أولو الأمر: الراد عليهم راد على الله
أمر الإمامة من تمام الدين
الإمامة خلافة الله
الهدف:
بيان أنه من خصائص الولاية الخلافة لله والنيابة عنه عز وجل.
تصدير الموضوع:
إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول
توطئة:
في هذه التوطئة أنقل كلاماً للسيد العلامة الطباطبائي صاحب كتاب تفسير الميزان حيث قال: كانت ولاية أمر المجتمع الإسلامي إلى رسول الله صلى الله عليه واله وافتراض طاعته صلى الله عليه واله على الناس وأتباعه صريح القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾1 وقال تعالى: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ﴾2 وقال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾3 وقال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾4 إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي يتضمن كلّ منها بعض شؤون الولاية العامة في المجتمع الإسلامي أو جميعها.
هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن عامة الآيات المتضمنة لإقامة العبادات والقيام بأمر الجهاد وإجراء الحدود والقصاص وغير ذلك توجه خطاباتها إلى عامة المؤمنين دون النبي صلى الله عليه واله كقوله تعالى: ﴿أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ﴾5 وقوله تعالى: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾6 ﴿وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ﴾7 ويستفاد من الجميع أن الدين صبغة اجتماعية حمله الله على الناس ولا يرضى لعباده الكفر، ولم يُرِدْ إقامته إلا بأجمعهم فالمجتمع المتكوّن منهم أمره إليهم من غير مزيّة في ذلك لبعضهم ولا اختصاص منه ببعضهم.
ومن جهة ثالثة لرسول الله صلى الله عليه واله الدعوة والهداية والتربية قال تعالى: ﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾8 فهو صلوات الله عليه المتعين من عند الله للقيام على شأن الأمة وولاية أمورهم في الدنيا والآخرة وللإمامة لهم ما دام حيا9ً.
هذه الولاية الثابتة لرسول الله صلى الله عليه واله على الناس وإدارته لأمورهم الدينية والدنيوية ثابتة للإمام علي عليه السلام بنص الغدير حيث قال صلى الله عليه واله: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه".
ولاية الرسول صلى الله عليه واله واسطة في ثبوت ولاية الله للإمام عليه السلام:
طاعة الله سبحانه وتعالى ثابتة بالدليل العقلي وما ذكر في القرآن والسّنة من أمرها فإنما هو إرشاد إلى حكمه، وأما طاعة الرسول وأولي الأمر فثابتتان بالدليل النقلي يقول الله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾10 وفي نص قرآني آخر يقول الله تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾11 إن الجمع بين هاتين الآيتين المباركتين يفيدنا كما هو واضح أن طاعة الرسول صلى الله عليه واله هي متعلق الأمر الإلهي كمتعلق أي أمر في القرآن مثل توحيده وعدم الشرك به أو الأمر بالإيمان بيوم القيامة أو الأمر بجميع فروع الدين إلى غير ذلك من الأوامر والنواهي، والأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه واله مطلقة بمعنى أنه يجب طاعته في كل شيء والردُّ عليه في أي أمر فهو ردٌّ على الله أولاً لأنه يصدق عليه إسقاط الأمر الإلهي بوجوب طاعة نبيه صلى الله عليه واله وثانياً يصدق عليه عدم طاعة رسوله ويدل عليه ما رواه في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل وفيه "وأَجْرَى فعل بعض الأشياء على أيدي من أصطفى من أمنائه فكان فعلهم فعله، وأمرهم أمره" كما قال: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾12.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: إن الله عزَّ وجلَّ أدّب نبيَّه على محبَّته فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ثم فوّض إليه، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾13.
ومن جملة ما آتانا به النبي صلى الله عليه واله بنص الغدير ولاية علي عليه السلام ، والنتيجة أن طاعة علي عليه السلام هي طاعة الله تعالى وأن طاعة الله تتحقق بأحد مصاديقها وهي طاعة علي عليه السلام وهذا ثابت ببركة طاعة رسول الله صلى الله عليه واله.
أولو الأمر الرادُّ عليهم رادٌّ على الله:
المتدبر في الآيات القرآنية المتضمنة لدور أولي الأمر يجد أنه قد عُبر عنه بصيغتين:
الأولى: الطاعة لهم وهي في طول طاعة الله ورسوله.
الثانية: الولاية لهم كذلك وهي في طول ولاية الله ورسوله.
وعندما يعود الإنسان إلى التفسير ويسأل ما هو المراد من الصيغتين؟
ففي الجواب يقال بالنسبة للطاعة فإنها جاءت بصيغة الأمر وهي جملة إنشائية ظاهرة في الوجوب وبما أن الخطاب موجه إلى المكلفين، فالنتيجة هو وجوب طاعتهم.
وأما بالنسبة للولاية فقد جاءت بصيغة الإخبار، والجدير ذكره أن الجملة الخبرية تأتي أحياناً اَكد من الجملة الإنشائية في توجيه التكليف.
وخلاصة ما يمكن قوله: إن هناك علاقة متبادلة بين الولي والمَولَّى عليه فعلاقة الولي مع المَولَّى عليه هي علاقة الولاية وأما علاقة المَولَّى عليه مع الولي هي علاقة وجوب الطاعة.
وأما أن المراد من أولي الأمر هم الأئمة الأطهار عليهم السلام فهذا ما اتفقت عليه الروايات عندنا وبعض روايات العامة منها ما نقله العلامة في الميزان عن مناقب ابن المغازلي الشافعي باسناده عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ...﴾ قال: نزلت في علي عليه السلام14.
ومن خلال قرن طاعتهم بطاعة رسول الله صلى الله عليه واله يتبين لنا أن مخالفة أولي الأمر هي مخالفة أولاً وبالذات لأمر المولى عزَّ وجلَّ بوجوب طاعتهم المقترنة بطاعة الرسول، وثانياً في عصيان ولي الأمر وأما الدليل على القرن بين طاعتهم وطاعة رسول الله، ما أمضاه النبي صلى الله عليه واله في جوابه لجابر حينما سأله بقوله: يا رسول الله عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
فقال صلى الله عليه واله: "هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين بعدي أولهم علي بن أبي طالب..." ثم سمّى الأئمة الاثني عشر عليهم السلام15.
ومما يزيده وضوحاً وبياناً ما جاء في مقبولة عمر بن حنظلة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام: "عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فقال عليه السلام ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منا، فإنما استخف بحكم الله وعلينا ردَّ، والراد علينا راد على الله والرادَّ على الله هو على حدَّ الشرك بالله..."16.
أمر الإمامة من تمام الدين:
إلغاء الإمامة بمثابة إلغاء العدل أو النبوة أو شيء آخر فيضحى الدين ناقصاً، ومع نقصانه لا تستقيم سعادة الإنسان في الدارين هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فمع إلغاء الإمامة يعني نقصان الصلاة والصوم والحج والزكاة وتعطيل الحدود والأحكام وإضعاف الثغور والأطراف ويدل عليه قول الإمام الرضا عليه السلام: "بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد والزكاة وتعطيل الحدود والأحكام واضعاف الثغور والأطراف". ولذا كانت الإمامة من تمام الدين وهي ثابتة بالنص الوارد عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: "إن الله عزَّ وجلَّ لم يقبض نبيه صلى الله عليه واله حتى أكمل الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء... وجميع ما يحتاج إليه الناس كمالاً"، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾17 وأنزل في حجة الوادع وهي آخر عمره صلى الله عليه واله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً﴾18 وأمر الإمامة من تمام الدين19.
الإمامة خلافة الله:
بعدما ذكرناه آنفاً من أن طاعة أولي الأمر واجبة وهي في طول وجوب طاعة الله والرسول صلى الله عليه واله وهكذا بالنسبة لولايتهم، وأن الراد عليهم رادٌّ على الله، معنى ذلك أنهم خلفاء الله في الأرض وأن لهم القيمومة على الناس والمؤتمنون على دينهم وحفظ نظامهم ومصالحهم ومما يزيده وضوحاً ما جاء في كلام مولانا الإمام الرضا عليه السلام حيث قال: "إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول، ومقام أمير المؤمنين وإرث الحسن والحسين، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أساس الإسلام النامي وفرعه السامي".
1-التغابن:12.
2-النساء:105.
3-الأحزاب:6.
4-آل عمران:31.
5-النساء:76.
6-البقرة:195.
7-المائدة:35.
8-الجمعة:2.
9-تفسير الميزان: الطباطبائي، ج2،ص129،130.
10-النساء:59.
11- النساء:80.
12-عنه تفسير الثقلين:ج1،ص521..
13-بحار الأنوار،917،ص3.
14-تفسير الميزان:ج6،ص22.
15-تفسير نور الثقلين:ج1،ص499.
16-من لا يحضره الفقيه:ج3، ص8،ج3233.
17-الأنعام:38.
18-المائدة:38.
19الفقيه:ج4،ص300/ والعيون، ج1، ص212/ والخصال:ص527.