محاور الموضوع
توطئة
هل يرضى الإسلام بالتمايز والتفاضل
الصفات القيِّمية للتمايز
الهدف
بيان أن التمييز متحقق ولكن بصفات قيمَّية لا تكوينية
تصدير الموضوع:
"إن باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله"
توطئة:
إعتادت البشرية أن يتفاخر أبناؤها بعضهم على بعض وتحاول كل فئة أو ملَّة أو قبيلة أن تتمايز عن غيرها بنَسَب أو حَسَب أو لغة أو لون أو تكاثر إلى غير ذلك من الأسباب غير الموجبة التي تشبّث بها الجهلة وضعاف النفوس ليرفعوا من شأنهم على غيرهم شبهة ورياءً,ألم يعلموا أن التفاضل بغير أسبابه هو سقوط واندثار؟ وأول من فاضل وميَّز نفسه عن غيره هو إبليس ثم تبعه قابيل ومن ثم أورثاها أفرادَ البشرية, ومما لا يخفى على أحد أن الدافع لذلك هو التعزز بأصل الخلقة بحجة أفضلية النار على الطين والصلصال إلا إنه أخفى السبب الرئيسي وهو التكبَّر والحسد والتعصب. والجدير ذكره أن هذه الصفات هي السبب الرئيسي للوضع والخفض لكل من اتصف بواحدة منها.
ونحن لو فتشنا عن عوامل التفاضل والتمايز بين أفراد البشرية لوجدناها أنها تنتهي إلى إحدى الصفات الثلاث, ويمكن أن تجمع عوامل التمايز في أمور ثلاث:
1 ـ الجغرافية: كالانتساب إلى منطقة محددة.
2ـ التاريخ: كالانتساب إلى آباء وأجداد.
3ـ الأحوال: كالانتساب إلى لون البشرة أو لغة اللسان أو كثرة الأفراد.
وتشترك جميعها أنها خارجة عن قدرة الإنسان وسعيه, وهل يعقل أن يكون التمايز بين أفراد البشر بما هو خارج عن إرادته.
هل يرضى الإسلام بالتمايز والتفاضل؟
إذا كان المستند للتمايز أموراً تكوينية من أصل الخلقة أو أي واحدة من العوامل الثلاثة المذكورة, فإن الإسلام رفضها وذمّ المتمسكين بها ونهى عنها. ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه واله حيث قال: "إن ربكم واحد, وإن أباكم واحد, ودينكم واحد ونبيكم واحد ولا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر....." 1.
وكذلك روي أن النبي صلى الله عليه واله دخل البيت عام الفتح ومعه الفضل بن عباس وأسامة بن زيد ثم خرج فأخذ بحلقة الباب ثم قال صلى الله عليه واله: "الحمد للهِ الذي صدقَ عبده وأنجز وعدهِ وغلب الأحزاب وحده, إن الله أذهب نخوة العرب وتكبرها بآبائها وكلكم من آدم وآدم من تراب"2.
وكذلك عنه صلى الله عليه واله فقال: "أيها الناس إن العربية ليست بأب والد, وإنما هو لسان ناطق فمن تكلَّم به فهو عربي, ألا إنكم ولد آدم وآدم من تراب" 3.
وأما إذا كان المستند للتمايز هو القيم المقدورة لأي فرد فقد قبل الإسلام بها وحثّ عليها ووكَّدها.
الحاصل: الإسلام لم يرفض أصل التمايز والتفاضل وإنما رفض أسبابها ووسائلها فقَبِل منها ما اعتمد على القيم، ورفَض منها ما اعتمد على أمور تكوينية.
الصفات القيَّمية للتمايز:
ما يمكن إستفادته من القرآن الكريم أربع صفات رئيسية للتمايز وهي مؤيدة بالسُّنة الشريفة وسأشير إليها على نحو الاختصار وتشترك جميعها أنه بإمكان كل فرد السعي للوصول إليها والإتصاف بها.
الأولى: التقوى
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾4.
ومن السِّنة الشريفة ما رواه الشيخ المفيد في الإختصاص قال: "بلغني أن سلمان الفارسي(رض) دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه واله ذات يوم فعظَّموه وقدّموه وصدَّروه إجلالاً لحقه وإعظاماً لشيبته وإختصاصه بالمصطفى صلى الله عليه واله فدخل أحدهم فنظر إليه فقال: من هذا العجّمي المتصدّر فيما بين العرب؟ فصعد النبي صلى الله عليه واله المنبر فخطب فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط, لا فضل للعربي على العجّمي ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى"5.
الثانية: التواضع
إذا كان التواضع في غير منقصة وكذلك إذا كانت عن رفعة فهو أفضل الناس قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾6.
ومن السنة الشريفة ما عن النبي صلى الله عليه واله: "ثلاثة لا يزيد الله بهن الا خيراً: التواضع لا يزيد به إلَّا إرتفاعاً, وذلَّ النَّفس لا يزيد الله به إلا عزاً, والتعفف لا يزيد الله به إلا غناً"7.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إتَّضع ترتفع"8.
الثالثة: الجهاد في سبيل الله
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾9.
وقال ﴿فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾10.
ومن السَّنة الشريفة ما جاء في كتاب علي عليه السلام لمالك الاشتر "وأن ينصر الله سبحانه بيده وقلبه ولسانه فإنه جلَّ اسمه قد تكفّل بنصر من نصره واعزاز من أعزَّه"11.
الرابعة: العلم
قال الله تعالى ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾12.
وقال سبحانه وتعالى ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾13.
ومن السَّنة الشريفة عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام فقال: "العلم أصل كل حال سَنَّي, ومنتهى كل منزلة رفيعة"14.
وعن النبي صلى الله عليه واله: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً, وأقل الناس قيمة أقلهم علماً"15.
وعن علي عليه السلام: "يا مؤمن إن هذا العلم والأدب ثمن نفسك فاجتهد في تعلّمها, فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك"16.
وعن النبي صلى الله عليه واله: "إن فضل العالم على العابد كفضل الشمس على الكواكب وفضل العابد على غير العابد كفضل القمر على الكواكب"17.
وقال الشهيد الثاني في منية المريد "وجعل سبحانه وتعالى العلم أعلى وأشرف وأول منَّة امتنَّ بها على ابن آدم بعد خلقه وإبرازه من ظلم العدم إلى ضياء الوجود"
هذه الصفات الأربع تعتبر المستند المعتمد للتفاضل والتمايز بين الناس, والتفاضل يكون على نحو الأكرم بالتقوى والأفضل بالجهاد والأرفع بالعلم والأعز بالتواضع, ومن طلب واحدة منها بغير سببها فقد أضاع السبيل ووصل إلى المهلكة.
هذا ويضاف إليه أنه كلما اجتمع في الإنسان أكثر من صفة حتى إذا اجتمعت الصفات الأربعة فيه فيكون جامعاً لصفات الجمال وبلغ درجات الكمال وبذلك فهو أفضل الناس وأميزهم على الإطلاق.
وبما أن هذه الصفات هي صفات مشككة بمعنى أنها تشتد وتضعف في نفوس المتصفين بها, فإذا اجتمعت كلها وقد بلغت درجة الشرافة في أحد فيكون أكمل الناس وأشرفهم, وبذلك بلغ أهل البيت عليهم السلام تلك المقامات العظيمة والمباركة, ولأجل ذلك باهل بهم رسول الله صلى الله عليه واله وبسبب ذلك خاف أعداؤهم من مباهلتهم كما دَّل عليه ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام فقال: "إن نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه واله كان سيدهم الأهتم والعاتب والسيد.... فقالوا: إلى ما تدعونا؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه واله وأن عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث.....فقال رسول الله.....فباهلوني فإن كنت صادقاً أنزلت اللعنة عليكم, وإن كنت كاذباً أنزلت عليَّ؟ فقالوا أنصف, فتواعدوا للمباهلة, فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم ....إن باهلَنا بقومه باهلناه, فإنه ليس بنبيَّ, وان باهلنا بأهل بيته خاصَّة فلا نباهله, فإنه لا يقدم على أهل بيته إلا وهو صادق".
1-كنز, ح 5655
2-بحار, ج70ـ ص287
3-بحار, ج70ـ ص288
4-الحجرات, 13
5-مستدرك الوسائل, ج2ـ ص340
6-المائدة, 54
7-بحار, ج75ـ ص123
8-غرر الحكم
9-النساء, 95
10-شرح النهج, ج17ـ ص30
11-الزمر, 9
12-المجادلة, 11
13-بحار, ج2ـ ص32
14-بحار,ج1ـ ص164
15-بحار, ج1ـ ص180
16-بحار, ج2ـ ص19
17-تفسير نور الثقلين,ج1ـ ص 347