محاور الموضوع
توطئة
بحث فلسفي حول الزمان
دراسة عقلية
دراسة نقلية
1ـ على ضوء القرآن
2ـ على ضوء السنة
علاج الأئمة عليهم السلام
الهدف:
بيان أن الزمان ربما يتصف بالنحوسة والسعادة بسبب الحوادث الواقعة فيه وأما ذات
الزمان مجرد منها
تصدير:
﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي
الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا
إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾1
توطئة:
لا سبيل لنا إلى إقامة
البرهان على سعادة يوم من الأيام أو زمان من الأزمنة ولا نحوسته، والتجربة الكافية
غير متأتية لتوقفها على تجرُّد الموضوع لأثره حتى يعلم أن الأثر أثره وهو غير معلوم
في المقام.
ولِمَا مرَّ بعينه لم يكن لنا سبيل إلى إقامة البرهان على نفي السعادة والنحوسة كما
لم يكن لنا سبيل إلى الإثبات2 قال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "من
الناحية العقلية لا يعدّ اختلاف أجزاء الزمان من هذه الجهة محالاً، بأن يتصف بعضها
بالنحوسة والأخرى بالبركة والسعد، ولا نملك أي استدلال عقلي لإثبات أو نفي هذا
المعنى ولهذا نستطيع القول: إن هذا الأمر بهذا القدر شيء ممكن ولكنه غير ثابت من
الناحية العقلية".3
بحث فلسفي حول الزمان:
أشار الشيخ مصباح اليزدي
إليه بقوله: "الزمان أمر سيَّال وغير مستقرٍّ بشكل لا تقبل الاجتماع حتى
اللحظتين منه، ولابد أن يمرَّ جزء منه بالضرورة حتى يوجَد الجزء اللاحق، ومثل هذه
الكميَّة لا يمكن نسبتها إلى شيء إلا إذا كان بالذات سيَّالاً وغير مستقرّ، ولا
يوجد شيء بهذه الصورة إلا الحركة وقد نقل تعريف صدر المتألهين للزمان بقوله: الزمان
أمر ممتد ويقبل الانقسام إلى ما لا نهاية وهو من الكميات بأحد المعاني وبين الزمان
والحركة علاقة قريبة لا تقبل الانفصال، وكل حركة لا تتحقق من دون زمان، كما أنه لا
يمكن أن يتحقق زمان من دون وجود لون من الحركة والتغيرّ المستمر والتدريجي"4.
دراسة عقلية:
أولاً: إذا كان
الزمان أمراً سيّالاً وحركة تدريجية مستمرة وهو عبارة عن تلك الأنات غير القارة
ولأجل أن ينظم البشر أعمالهم بتقسيمها على الزمان عمدوا إلى تقسيمه إلى ألفيات
وقرون وعقود وسنوات وأشهر وأسابيع وأيام وساعات ودقائق وثواني ثم قسموا الثواني إلى
أجزاء هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن الحوادث الواقعة سواء كانت خيراً أم شراً وسواء
كانت متصفة بالنحوسة أم السعادة فمحال أن تحصل خارج عمود الزمان.
ثانياً: إذا كانت القطعة الزمانية التي حصلت فيها أية حادثة ومهما كان لونها
وشكلها وسنخها ينفعل الزمان بها ذلك أن الزمان صار معلولاً للحادثة وأما لو كانت
الحادثة أضحت شراً لأنها أصابت المدة الزمانية المحددّة فمعنى ذلك أن الزمان أمس
علة للشر وهذا مما لم يقله أحد على الإطلاق وهكذا بالنسبة للسعادة والخير فلا هو
بمعلول للزمان ولا الزمان معلول لفعل الخير.
الحاصل: الزمان مخلوق كأي مخلوق آخر وهو عبارة عن وعاء للحوادث الزمانية
ولكن العامل النفسي لدى الإنسان يجعله يتوجس خيفة من الزمان بسبب ما وقع فيه من
حوادث مؤذية للإنسان وينشرح صدره ويحصل له أنس للزمان الذي حدث فيه خير، فالأمر إذن
لا يتعدى العامل النفسي للإنسان ويشهد له أننا لو وقفنا أمام حادثة تاريخية فهي
مصدر خير وسعادة لفرد أو فئة أو لأمة ونفسها وتكون مصدر نحوسة وتعاسة وشر لأخرى
فعلى سبيل المثال يوم العاشر من المحرم فإنه يوم حزن وألم على أهل البيت عليهم
السلام ومحبيهم وشيعتهم ويوم عيد وفرح وسرور على بني أمية، فيوم العاشر بلحاظ
الزمان أصبح للفئتين بسبب ما حصل فيه من مأساة كربلاء وإلا فهو يوم كبقية الأيام
ويدل عليه أنه كان كذلك لو نظرنا إليه قبل سنة 61 للهجرة هذا كله من جانب عقلي.
دراسة نقلية:
أولاً: على ضوء
الكتاب:بالرجوع إلى القرآن الكريم نلاحظ أنه تحدث في عدة آيات شريفة عن أوقات تارة
وصفها بالنحوسة وأخرى وصفها بالمباركة فمن الصنف الأول ما جاء في سورة القمر حيث
قال: "إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في يوم نحس مستمر". وقال: "فأرسلنا
عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات"5 وفي ثالثة قال: "سخرها عليهم
سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً"6 هذه الآيات الشريفة تتحدث عن
العذاب الذي أصاب قوم عاد بتكذيبهم حيث أرسل عليهم الرياح الباردة لمدة سبع ليالي
وثمانية أيام واستمرت عليهم مطبقة ومغلقة الأحكام في يوم شديد الاحمرار في الأفق
وهو معنى النحس وهو عادة يطلق على النار المتوهجة الخالية من الدخان، وهذا العذاب
الذي أصابهم لابد من وقوعه في وعاء الزمان فلا العذاب معلول للزمان ولا هو علة له
نعم بسبب وقوع الحادثة فيه ربما يتصف الزمان به.
وهكذا فإن القرآن أشار إلى أزمنة أخرى ووصفها بالشرف والبركة كليلة القدر فباعتبار
أن ليلة القدر تنزل فيه الملائكة والروح فبسبب ذلك تتصف الليلة بها وأما أنات
الليلة بحد ذاتها وبغض النظر عما يحصل فيها فهي كبقية الليالي، ويدل عليه أن ليلة
القدر في كل سنة تصادف ليلة من ليالي الأشهر الرومية غير الليلة السابقة التي
صادفته وهكذا بالنسبة لليلة اللاحقة أي الليلة الرومية التي لم تعد تصادفها ليلة
القدر تتصف دائماً بأنها ليلة مباركة.
ثانياً: على ضوء السَّنة الشريفة: الروايات المتضمنة لنحوسة الأيام وسعادتها
كثيرة وهي من جهة السند فمنها الصحيح ومنها السقيم وأما من جهة الدلالة فمنها مؤيدة
لفكرة نحوسة الأيام ومنها معارضة ومنها ما يحتاج إلى التأويل لتنسجم مع إحدى
الطائفتين والجدير ذكره أن العامة يؤمنون بنحوسة الأيام وسعادتها وبناء عليه ربما
تحمل الروايات المؤيدة على التقية بعد معارضتها للروايات الرافضة لفكرة النحوسة
والسعادة.
من جملة الروايات:
روايات السعادة:
أول الشهر: لأن
الله خلق فيه آدم وكذلك يوم السادس والعشرين لأنه اليوم الذي ضرب فيه موسى البحر
فانفلق7، واليوم السابع ومن كل شهر لأن نوح قد ركب في السفينة ونجا من
الغرق8، ويوم النوروز وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على النبي صلى
الله عليه وآله وسلم وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
أمير المؤمنين على منكبيه حتى رمى أصنام قريش من فوق البيت فهشمها وهو اليوم الذي
أمر النبي أصحابه أن يبايعوا علياً بإمرة المؤمنين9.
روايات النحوسة:
سأل الشامي أمير المؤمنين
عليه السلام قال: "أخبرني عن يوم الأربعاء والتطير منه وثفله وأي أربعاء هو قال
عليه السلام: آخر أربعاء من الشهر وهو المحاق، وفيه قتل قابيل هابيل أخاه، ويوم
الأربعاء أرسل الله عز وجل الريح على قوم عاد"10.
اليوم الثامن من كل شهر هو يوم نحس، نزع عن آدم وحواء لباسهما وأخرجا من الجنة11
إلى غير ذلك من الروايات.
علاج الأئمة عليهم السلام:
المتأمل في روايات الأئمة
عليهم السلام يجد أنهم عليهم السلام استعملوا أساليب لمعالجة الحالات النفسية التي
كان يعيشها الناس ورؤيتهم لسعادة الأيام ونحوستها بأحد أسلوبين:
الأسلوب الأول: لم يعتمد الأئمة عليهم السلام أسلوب النهي عن الاعتقاد بذلك
وأنه لا واقع له بل أخذوا بأيدي الناس إلى التعلق بالله سبحانه وتعالى والتوكل عليه
من خلال التصدق ثم الخروج في اليوم الذي يعتقد الناس بنحوسته أو قراءة آية الكرسي
أو قراءة بعض الأدعية.
كما في الرواية عن الحلبي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "أيكره السفر
في شيء من الأيام المكروهة الأربعاء وغيره، قال: افتتح سفرك بالصدقة وأقرأ آية
الكرسي إذا بدا لك"12.
الأسلوب الثاني: أسلوب ردعي أي الردع والصدّ عن الاعتقاد بمثل ذلك منها ما
رواه "الحسن بن مسعود عن الإمام الهادي عليه السلام حيث قال: دخلت على أبي الحسن
علي بن محمد عليهما السلام وقد نكبت إصبعي، وتلقَّاني راكب فصدم كتفي، ودخلت في
زحمة فخرقوا عليَّ بعض ثيابي، فقلت كفانا الله شَّرك من يوم فما أشأمك؟ فقال لي:
"يا حسن هذا وأنت تغشانا ترمي بذنبك من لا ذنب له"، قال الحسن: "فأناب إليَّ
عقلي، وتبينت خطأي، فقلت يا مولاي: استغفر لي"، فقال: "يا حسن ما ذنب الأيام
حتى صرتم تتشاءمون منها إذا جوزيتم بأعمالكم"، قال الحسن: " أنا استغفر الله
أبداً وهي توبتي يا ابن رسول الله"، قال عليه السلام: "والله ما ينفعكم ولكن
الله يعاقبكم بذَّمها على ما لا ذم عليها فيه، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب
والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلاً وأجلاً"؟ قلت: بلى يا مولاي، قال: "لا
تعد ولا تجعل للأيام صنعاُ في حكم الله"، قال الحسن: "بلى يا ابن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم ".13 "
1- قران كريم / سورة
الحديد 22
2- تفسير الميزان, ج27ـ ص 71
3- تفسير الأمثل, ج17ـ ص 235
4- المنهج الجديد في تعليم الفلسفة, ج2ـ ص 146و148
5- السجدة, 16
6- الحاقة, 7
7- تفسير نور الثقلين, ج5ـ ص 105
8- المصدر نفسه, ج5ـ ص 61
9- بحار الأنوار, ج59ـ ص 92
10- تفسير نور الثقلين, ج5ـ ص 183
11- المصدر نفسه, ج5ـ ص 58
12- بحار الأنوار, ج59ـ ص 39ـ ح 7
13- بحار الأنوار, ج59ـ ص 2 عنه تحف العقول