محاور الموضوع
• قبس من حياة الرسول صلى الله عليه واله
• سياسة رسول الله صلى الله عليه واله في بناء المجتمع الوحدويّ
الهدف:
بيان الأُسس والإجراءات التي عَمل رسول الله صلى الله عليه واله من خلالها لبناء
وحدة المجتمع الإسلامي
تصدير:
روي عن رسول الله صلى الله عليه واله قوله: "يا أيُّها
النّاس إنّ ربّكم واحدٌ، وإنّ أباكم واحدٌ، ونبيكم واحدٌ، ولا فضل لعربي على عجمي،
ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلاّ بالتقوى"1.
1كنز العمال 3: 93 / 5655
قبس من حياة رسول الله صلى الله عليه واله:
ولادته وتسميته صلى الله عليه واله: تتحدّث المصادر التاريخية أنّ النبيَّ محمد صلى
الله عليه واله وُلد وهو يقول: "الله أكبر، والحمد لله
كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً".
وأما عن يوم ميلاده صلى الله عليه واله فقد ورد فيه روايتان: الأولى وهي المشهورة
عند الإمامية هو يوم الجمعة 17 ربيع الأول، والثانية: أنّه ولد صلى الله عليه واله
في 12 ربيع الأول.
واشتهر النبيّ صلى الله عليه واله بـ: اسمين: "محمّد" و "أحمد" وقد ذكرهما القرآن
الكريم، وروى المؤرّخون أنّ جدّه عبد المطلب قد سمّاه "محمداً"، وأجاب من سأله عن
سبب التسمية قائلاً: أردت أن يُحمد في السماء والأرض2. كما أنّ أُمه
آمنة سمّته قبل جده بـ: "أحمد".
كيف وصفه الله تعالى في القرآن الكريم؟
رسول التزكية والتعليم والتربية:
فقد حدّد الله تعالى وظيفته في القرآن الكريم بقوله تعالى:
﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ﴾3
رسول الرحمة: قال تعالى:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ﴾4.
الأسوة الحسنة وصاحب الخُلُق العظيم: قال الله تعالى:
﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ﴾5.
وقال تعالى:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾6.
في طاعته النجاح واجتماع القوة: فقد أمر الله بوجوب طاعته واحترامه، قال تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا
فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...﴾7
سياسة رسول الله صلى الله عليه واله في بناء المجتمع
الوحدوي:
1-العقيدة: ويراد منها تأسيس البنية
الإيمانية، والعقدية، والفكرية السليمة، التي تغرس في الإنسان الإيمان بالله
الواحد، والنبي والكتاب الواحد، والذي ينعكس ممارسة عقائدية عملية في مختلف
المواقف، وهذا ما نفهمه من حرص النبي صلى الله عليه واله في نظرته إلى الإنسانية
على تثبيت قواعد الوحدة بين أفراد الإنسانية جمعاء، فلا مائز لا من حيث الأجناس، أو
الألوان، بين أفراد البشرية، فالجميع من نفس واحدة، وطينة واحدة، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا..﴾8،
وحتى الاختلاف الشكلي أو الظاهري الموجود لجهة اللون أو اللغة ونحوها فهو آية من
آيات الله، قال تعالى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ
وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لِلْعَالِمِينَ﴾9.
ولهذا يمكن القول إن البعد الجغرافي القسري الذي تفرضه طبيعة الأرض، لا يلغي أو
يحرّف مبدأ التلاقي الإنساني بين جميع بني البشر، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ
ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾10
2-الأخلاق: الأخلاق هو العلم الذي يبعث الكمال
في النفس البشرية, وينمّي القوة والاستقلال في العقل البشري، وهو العلم الذي يساير
الإنسانية في اتجاهاتها، ويوجّهها عند حيرتها، ويأخذ بيد العقل عند اضطرابه، ويمده
بالقوة عند ضعفه، وفيما يلي بيان خلفيات بعض القيم والمبادئ الأخلاقية، وهي كثيرة
منها:
3- مبدأ التآخي الروحي: كان العصر الجاهلي
مسرحاً للمآسي والأرزاء، في مختلف مجالاته ونواحيه الفكرية والمادية. وكان من أبشع
مآسيه، ذلك التسيب الخُلقي، والفوضى المدمّرة والتناحر، والفتك والسلب، والتشدّق
بالثأر والانتقام. فلما أشرق فجر الإسلام، استطاع بمبادئه الخالدة، راح النبي صلى
الله عليه واله يبني ويربّي أمة مثالية يحكمها النظام، والأخلاق، والوحدة، والتعاون
والمحبة حتى تمكّن من تحقيق مبدأ المؤاخاة بأسلوب لم تحقّقه الشرائع والمبادئ،
وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسب، ووشائج الايمان تسمو على وشائج القومية
والقبلية، وغدا المسلمون أمة واحدة، مرصوصة الصف،بناءً على القاعدة القرآنية
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾11.
وأخرى يؤكّد نعمة التآلف والتآخي الإسلامي، بناءً على القاعدة القرآنية
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًاً﴾12.
مبدأ المودة والوئام والخدمة:
روي عن رسول الله صلى الله عليه واله: "ودُّ المؤمن
للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان ألا ومن أحبّ في الله وأبغض في الله وأعطىَ في
الله ومنعَ في اللَّه فهو من أصفياء الله"13.
وحثّ المسلمين على الاهتمام بعضهم بالبعض الآخر، فروي عنه صلى الله عليه واله قوله:
"من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم ومن سمع رجلاً
ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"14.
ذمّ العصبية ومنعها: العصبية هي مناصرة المرء مذهبه أو قومه، أو أسرته... فيما
يخالف الشرع، وينافي الحق والعدل. وهي من أخطر النزعات وأفتكها في تسيّب المسلمين.
ولا ريب أنّ العصبية الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر على الباطل،
والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهلية. فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه
واله: "مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَل
مِنْ عَصَبِيَّة بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ أعراب الْجَاهِلِيَّةِ"15.
وعن النبي الأكرم صلى الله عليه واله قوله: "لَيْسَ
مِنَّا مَنْ دَعَا إلى عَصَبِيَّة، وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّة،
وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّة"16. وفي حديث عن رسول الله
صلى الله عليه واله أنّه قال: "مَنْ تَعَصَّبَ أَوْ
تُعُصِّبَ لَهُ فَقَدْ خَلَعَ رَبَقَ الإيمان مِنْ عُنُقِهِ"17.
أصدق شاهد على واقعية الإسلام: كان سلمان فارسّياً، بعيداً عن الأحساب العربية، وقد
منحه الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وساماً خالداً في الشرف، فقال: "سلمان
منّا أهل البيت"18. وما ذلك إلا لسمو إيمانه، وتفانيه في
الله ورسوله.
الفقه والنظام الاجتماعي:
قام النبي صلى الله عليه واله بإعداد الأمة وتربيتها خير إعداد وتربية، ويستند
الإعداد النبوي للمجتمع الإنساني بدعوة الأمة إلى - بعد العقيدة الصحيحة - الالتزام
العملي بأحكامه الشرعية، وهذا ما يتجلى في النظام الإسلامي الفقه، الذي يمثّل
الجنبة القانونية والنظامية في الشريعة الإسلامية، التي تنظّم حياة الإنسان كفرد،
وكجزء من المجتمعفي مختلف المجالات، بلا فرق بين علاقته العبادية بالله تعالى من
خلال نظام العبادات، وبين علاقاته الأسرية داخل أسرته، وعلاقته الاجتماعية داخل
مجتمعه، أو معاملاته المالية والتجارية والكسبية المختلفة. فبناءً على قواعد الفقه
الإسلامي إنّ الحد اللازم لدخول الفرد في دائرة المسلمين ولتحقّق وحدة الأمة
المسلمة هو الإقرار بالشهادتين والالتزام بالحد المتفق عليه في الفروع كالصلاة
والصوم والزكاة والحج والجهاد. ولا يوجد مذهب من المذاهب الإسلامية المعروفة ينكر
الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد.
وأرست القواعد الفقهية قواعد التعامل والعلاقة بين المسلمين في الزواج والبيع
والشراء والقضاء... دون النظر إلى مذاهبهم التي ينتمون إليها. وأكثر من ذلك فقد
حرّم الإسلام بالشهادتين دم المسلم وعرضه وماله فمنع من الاعتداء عليه، روي عن رسول
الله صلى الله عليه واله: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: "لا
إله إلا الله، فإذا قالوها منعوا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها"19.
والملاحظ أنّ القرآن الكريم في تعبيره عن أداء حق الغير أو حق الجماعة، تارة يعبر
عنه بطلب الإحسان، كما في قوله تعالى:
﴿وأَحْسِن كَما أحْسَنَ اللهُ إليكَ﴾20،
وتارة أُخرى يعبّر عنه في صورة أمر آخر كقوله تعالى:
﴿وَأَوفوا الكَيْلَ إذا كِلْتُمْ وزِنُوا
بالقِسْطاسِ المُسْتَقِيم ذلكَ خيرٌ وَأحسَنُ تَأوِيلاً﴾21،
وقد يعبر عن ذلك في صورة النهي كقوله تعالى:
﴿وَلا تَأكُلُوا أَموَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بالباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إلى الحُكَّامِ لتأكُلوا فَرِيقاً مِنْ أموالِ النَّاسِ
بالإثم وأنتم تَعْلَمُون﴾22.
1-تاريخ اليعقوبي:
2ج،ص 8
2-السيرة الحلبية: 1ج،ص 128
3- الجمعة، 2.
4-الأنبياء، 107
5-الأحزاب، 2.
6-القلم، 4.
7-الأنفال، 46
8-النساء، 1
9-الروم، 22
10-الحجرات، 13
11-الحجرات: 10
12-آل عمران: 103
13-الفيض الكاشاني، الوافي،ج4،ص481
14-الفيض الكاشاني، الوافي،ج5،ص535
15-أصول الكافي، ج 2 ص 308 باب العصبيّة.
16-سنن أبي داود، ح 5121
17-أصول الكافي، ج 2، ص 308
18-المازندراني، شرح أصول الكافي، ج8، ص346
19-الطوسي، الخلاف،ج5،ص526
20-القصص، 77
21-الإسراء، 35
22-البقرة، 188