محاور الموضوع
1- معنى الشهادة والشهيد
2- قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد
3- القادة الشهداء أنموذج التضحية الحسينية
4- القوة المعنوية لحضور القادة في سوح الجهاد:
الهدف:
بيان أن بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم تضحيات كبرى مكافئة لها، وسموّ الأهداف تقتضي سموّ التضحيات وشرفها وهذا ما جسّده شهداء المقاومة الإسلامية من المجاهدين والقادة على امتداد سنوات الجهاد وسوحه
تصدير:
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "أشرف القتل موت الشهادة"1
معنى الشهادة والشهيد
اختُلف في أصل المعنى اللغوي المأخوذ منه لفظ الشهادة أو الشهيد، واختُلف في معناه أيضاً، فقيل هو شهيدٌ لأن ملائكة الرحمة تَشهده، أو هو شهيد لسقوطه على الأرض، وهي تسمى الشاهدة، أو لأن الله وملائكته شهودٌ له بالجنة، أو لأنه يشهد يوم القيامة على من قَتله، أو لأنه يَحضُرُ عند ربّه حياً، إلى ما هنالك من معانٍ تُقتبس من الفعل شَهِدَ ومعانيه المتعددة، وتُسقط على المصدر (الشهادة) أو على الاسم (الشهيد).
وأما المعنى الاصطلاحي للشهادة فهو: "القتل في سبيل الله عز وجل"، فكل من قُتل في سبيل الله – ضمن الشرائط المحدّدة فقهياً- هو شهيد، ويلحق بهم طائفة ممَّن نصَّت الروايات عليهم، ممن قُتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد. ويقترن معنى الشهادة بتضحية المرء بنفسه في سبيل الله، في كل موقف يراد منه الدفاع عن الدين لإعلاء كلمة الله.
قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد
لقد زخرت آيات الكتاب العزيز، و استفاضت نصوص السنّة الشريفة الواردة في الحديث عن فضل الشهادة، ومنزلة الشهيد في سبيل الله، نشير إلى نماذج منها:
الشهيد حيٌّ عند الله: قال الله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾2. و ﴿ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون﴾3
تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته عليه السلام بحب الشهادة: ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل"4، وعن علي عليه السلام "...فوالله إني لعلى حق وإني للشهادة لمحب"5
الشهادة في سبيل الله تمحو جميع الذنوب: إن الله تعالى يكرّم الشهيد في سبيله بتكفير جميع ما عليه من الذنوب التي بينه وبين الله تعالى، ويدل على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "الشهادة تكفّر كل شيء إلا الدين" و"أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدين" 6
الشهيد لا يصعق عند النشور: أكرم الله عز وجل الشهداء الذين أهرقوا دماءَهم ابتغاء مرضاته، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية: ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله﴾، مَنْ الذين لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: "هم شهداء الله"7.
تمنّي العودة إلى الدنيا للفوز بالشهادة: هل من أحد يدخل الجنة، ويرى ما فيها من النعيم، ثم يتمنى أن يعود إلى هذه الدنيا، المليئة بالهموم والغموم؟ نعم إنه الشهيد، فإن الشهيد في سبيل الله يسأل الله تعالى أن يردّه إلى الدنيا؛ ليقتل في سبيل الله مرة أخرى، لما يرى من فضل الشهادة، وكرامة الله عزّ وجل للشهيد، وفي ذلك روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد"8. وفي رواية: فإنه – أي الشهيد - يتمنّى أن يرجع فيُقتل عشرَ مرات لما يَرى من الكرامة.
القادة الشهداء أنموذج التضحية الحسينية:
إن بلوغ الأهداف الكبرى في الحياة يستلزم تضحيات كبرى مكافئة لها، ولا ريب أن سموّ الأهداف ونبل الغايات تقتضي سموّ التضحيات وشرفها ورقي منازلها، وإذا كان أشرف التضحيات وأسماها هو ما كان ابتغاء رضوان الله تعالى؛ فإن الذودَ عن حياض هذا الدين؛ والدفاع عن مقدَّساته يتبوّأُ أرفع درجات هذا الرضوان، ثم إن للتضحيات ألوانًا كثيرة؛ يأتي في الذروة منها التضحية بالنفس، وبذل الروح رخيصة في سبيل الله لدحر أعداء الله ونصر دين الله، وهذا ما جسّده شهداء المقاومة الإسلامية من المجاهدين والقادة على امتداد سنوات الجهاد وسوحه، ولاسيما القائد الجهادي الكبير (الحاج رضوان)، وسيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي، وشيخ شهدائها الشيخ راغب حرب، والشهيد القائد الحاج حسان اللقيس، وكوكبة الشهداء القادة في الجهاد الزينبي ضدّ التكفيريين حيث أغلى التضحيات في أشرف ساحات الجهاد، ولأن الجهاد - في ثقافتهم- بابٌ فتحه الله لخاصة أوليائه، ولأن الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله، ولأن الشهادة حياة كما حفظوا جيداً من قوله تعالى: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾9.
وهؤلاء هم الذين وصفهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "أفضل الشهداء الذين يقاتلون في الصف الأول ، فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا..."10
كيف لا وهم الذين باعوا مع الله وضحوا بأنفسهم في سبيله وهي أعلى أنواع التضحية، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾11.
القوة المعنوية لحضور القادة في سوح الجهاد:
إنّ أهل الإيمان الكامل هم أشجع الناس وأكملهم شجاعة هو نبيهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأئمتهم عليهم السلام . وقد عبّر الإمام علي عليه السلام عن شجاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإقدامه بقوله: "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشدّ الناس يومئذ بأساً"،12. وقال عليه السلام :"كنا إذا حُمي البأس ولَقِيِ القوم القومٍ اتّقينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه"13، وفي معركة أحد قاتل قتالاً بطوليًّا لم يقاتله أحد من البشر.
ويجب أن لا يغيب عن بال أحد ما لحضور القادة في الميدان مع المجاهدين من الأثر الكبير على المعركة والمجاهدين معاً، ومجريات الأحداث ونتائج المعركة شهادة كانت أو انتصاراً، وما للقيادة الشخصية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمعارك، ولوجوده الشخصي في ميدان الحرب من دلالات تشريعية وتربوية وروحية عميقة، رسّخت عبر التاريخ في قلوب المجاهدين والمقاومين، وأصبحت عنصراً فاعلاً في كل الانتصارات، ومن هذه المدرسة تخرّج القادة الشهداء والمجاهدون في المقاومة الإسلامية في لبنان، فكانت قوة المقاومة وثباتها، وأصبح دم الشهداء عنصراً حاسماً في النصر.
وهذا ما شاهدناه في مجاهدي المقاومة الإسلامية في لبنان بقيادتها ومجاهديها وشعبها، حيث جسّدت أقدس المعارك من خلال مواجهتها للعدوان الإسرائيلي والحرب التكفيرية على المقاومة، و كان السلاح الأقوى في هذه الحرب إلى جانب حضور القادة مع المجاهدين والناس الإيمان والإرادة والثبات والتوكّل على الله تعالى والطاعة له سبحانه، فالمجاهدون بحق كانوا رجال الله، وقد تولاهم الله بعنايته ورحمته وتوفيقه وتسديده، وقائدهم السيّد المُلهَم أعاد إلى الأذهان صوت محمد صلى الله عليه وآله وسلم بقيادته الإلهية الحكيمة، وشجاعة علي في خيبر، ولهذا أعلن باطمئنان ووثوق انتهاء زمن الهزائم وولادة زمن الانتصارات. قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾14. وهذا ما اعتبره الإمام الخميني قدس سره درساً كبيراً لنا جميعاً حيث قال: "الدّرس الكبير الذي يعطينا الشهداء الأعزاء و علينا أن لا ننساه أبداً هو أنه في مواقع الضّرورة علينا أن نفدي حياتنا وكل ما هو غال لدينا في سبيل إحياء القيم الإسلاميّة."
1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة،ج5، ص245.
2- سورة آل عمران، الآية169 .
3- سورة البقرة، الآية14.
4- النووي، شرح صحيح مسلم، ج13، ص22.
5- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحدي:6/100.
6- الإرشاد للمفيد 1،238.
7- سورة الزمر، الآية68.
8- صحيح البخاري، ج3،ص208.
9- سورة آل عمران،169
10- المتقي الهندي، كنز العمال، ج4،ص401.
11- سورة التوبة، الآية 111.
12- كنز العمال ج10،ص397 ومسند أحمد ج1 ص86
13- ابن كثير، السيرة النبوية، ج2،ص425
14- سورة الحج، الآية 40.