محاور الموضوع
1- الأزمات التي تواجه المجتمع
2- كيف يواجه الناس الأزمات
3- منهج التضامن بين الناس في الإسلام
الهدف:
بيان البرنامج الإسلامي المتكامل للتضامن في كل الأزمات التي يمكن أن يبتلي بها الناس.
تصدير:
﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾1
مدخل:
الإسلام ليس منهج اعتقاد وإيمان في القلب فحسب، بل هو منهج حياة إنسانية واجتماعية واقعية، يتجسّد فيها الاعتقاد والإيمان ممارسةً عملية في جميع جوانب الحياة ومتطلّباتها الفردية والاجتماعية، وذلك على مبدأ التضامن والتراحم والتكافل والتناصح والمودة والإحسان والتضحية والإيثار، قال الله تعالى: ﴿وتعاونوا على البر والتقوى﴾2، وهذا ما يلزم الأفراد بالكثير من الواجبات تجاه بعضهم البعض كأفراد، وتجاه المجتمع ككيان اجتماعي يحتضن الجميع ، وأكثر ما يتجلى ذلك في الأزمات التي تواجه الناس.
الأزمات التي تواجه المجتمع:
تكثر الأزمات والمشاكل والمحن التي يمكن أن تواجه الأفراد والمجتمع البشري، وتنقسم إلى قسمين: "ما ينعكس على المجتمع ككل، وما يتأثّر به شرائح أو أفرد محدّدة". ولكل منهما مصاديق عدة منها:
1- أزمات اقتصادية: ناتجة عن ضعف حركة العمل الذي ينعكس سلباً على نسب الإنتاج ومداخيل المجتمع المالية، وتدنٍّى مستوى المعيشة، وتكثر حالات الفقر عند الكثير من الناس.
2- أزمات أمنية وعسكرية: ناتجة عن الحروب العسكرية والأمنية من بلد أو جهة على بلد آخر. فيبتلي الناس بالأزمات من الاعتداءات على الأنفس والأموال والممتلكات والأعراض.
3- أزمات اجتماعية: ناتجة عن ابتلاء المجتمع بأمراض فتّاكة وخطرة تنعكس بآثارها على كيانه وأفراده معاً، كالسرقة، وتعاطي المخدّرات، والقتل، وشيوع الفاحشة والزنا...
4- أزمات طبيعية(تكوينية :(ناتجة عن الكوارث الطبيعية التي تنعكس سلباً على حياة الناس حيث يفقدون أعزائهم وممتلكاتهم وتتضرّر حياتهم.
كيف يواجه الناس الأزمات؟
طبيعة الناس الذين يبتلون بالأزمات - من أي نوع كانت- أنّهم يحتاجون إلى من يقدّم لهم يد العون والمساعدة المعنوية والمادية، ويساهم في بلسمة جراحاتهم ويخفّف آلامهم، ما يعيد الطمأنينة والهدوء والاستقرار تدريجياً إلى حياتهم، ويُعتبر تضامن الناس مع بعضهم البعض في هكذا أزمات العنصر الأهم بين كل المعالجات، كونه يستند على الرابط الإنساني الذي يعتبر الرابط الأهم بين بني البشر في عملية التضامن.
وقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً للتضامن بين الناس في كل الأزمات التي يمكن أن يبتلي بها الناس.
منهج التضامن بين الناس في الإسلام:
يمكن إيجاز هذا المنهج في أمور ثلاثة:
1- قضاء حوائج الناس تكليف عام: لقد وضع الإسلام منهجاً متكاملاً في العلاقات بين البشر، يقوم على أساس مراعاة حقوق أفراد المجتمع وبث روح التعاون والخدمة المتبادلة بينهم، قال الله تعالى: ﴿إنّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاء ذي القُربى ويَنهى عَنِ الفَحشَاءِ والمُنكَرِ والبَغي يَعِظُكم لَعلَّكُم تَذَكَّرونَ﴾3. فالتقيد بهذا الأمر الإلهي يعصم الإنسان عن التقصير في حقوق الناس، ويدفعه للعمل الدؤوب في خدمتهم، وأداء مسؤوليته تجاههم، وقد حثّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل مسلم ليكون مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، من خلال الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم"4، ودعا الإمام الصادق عليه السلام إلى الالتصاق بجماعة المسلمين فقال: "من فارق جماعة المسلمين قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه"5 وحينما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي الأعمال أحبّ إلى الله، قال :"اتّباع سرور المسلم" قيل: يا رسول الله وما إتّباع سرور المسلم؟ قال: "شبعة جوعه، وتنفيس كربته، وقضاء دينه".6
وقد ورد في العديد من الروايات أن خدمة المؤمنين لبعضهم البعض وتعاونهم وترابطهم المادي والمعنوي أفضل من بعض العبادات المستحبة. عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "لقضاء حاجة امرئ مؤمن أفضل من حجة وحجة حتى عدّ عشر حجج..."7.
2- التكافل الاجتماعي: التكافل الاجتماعي جزء من عقيدة المسلم والتزامه الديني، وهو نظام أخلاقي يقوم على الحب والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عزَّ وجل، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادية؛ بل يشمل أيضاً المعنوية، وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد. روي عن أبي عبد الله عليه السلام :"والله لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون لأخيه مثل الجسد إذا ضرب عليه عرق واحد تداعت له سائر عروقه"8
وقد عُني القرآن بالتكافل ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيته، وسلوكه الاجتماعي، وليكون نظاماً لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، ونظاماً للعلاقات الاجتماعية، ومن هنا فإن مدلولات البرّ، والإحسان، والصدقة تتضاءل أمام هذا المدلول الشامل للتكافل.قال الله تعالى : ﴿يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾.9
وقد نفى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كمال الإيمان عن من يبيت شبعان وجاره جائع وهو يعلم: "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم"10. ولقد وضع القرآن أسساً نفسيةً وأخرى مادية، لإقامة التكافل الاقتصادي والاجتماعي بين أفراد المجتمع الإسلامي. ولعلَّ من أهمِّ الأسس النفسية هو إقامة العلاقات المادية والمعنوية على أساس الأخوّة، لقوله تعالى: ﴿إنّما المؤمنون إخوةٌ﴾11.
وجعل العدل وحفظ الحقوق من قيم الدين الأساسية، بل نُدب إلى عدم الاقتصار على العدل وهو إحقاق الحق، أو إعطاء كلِّ إنسان حقه من دون ظلم، وإنما الارتقاء إلى الإحسان، وهو التنازل له عن بعض الحقوق. ومن الأسس النفسية أيضاً، الإيثار، وهو تفضيل الآخر على النفس، من أجل إشاعة العفو والرحمة. ولهذا جعل الإسلام كل مسلم مسؤولاً في بيئته الاجتماعية، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"12، ودعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاهتمام بأمور المسلمين ومشاركتهم في آمالهم وآلامهم، فقال: " من أصبح لا يهتم بأُمور المسلمين فليس بمسلم "13
3- وجوب نصرة المظلوم في الإسلام: لقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنهم أفراد في مجموعة وأنهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنه جزء من الجماعة يحب للأجزاء الأخرى مثل ما يحب لنفسه. وإن انتماء المسلم للجماعة يترتّب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله عزّ وجلّ: "وعزتي وجلالي لأنتقمّنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمّنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره فلم ينصره" وقد أوصى الإمام علي عليه السلام ولديه الحسن والحسين عليه السلام بقوله: "وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عَوْناً" وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره..."14
وللتناصر أهمية عظمى في حياة الأمة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلامي مكشوفًا أمام أعدائه مُعَرَّضًا للهزيمة وعلى العكس من ذلك؛ فإن التزام أبناء المجتمع بنصر الله من ناحية ونصرة بعضهم البعض من ناحية أخرى، يؤدي حتمًا إلى فوز المسلمين بكل خير، وظهورهم على عدوهم تحقيقًا لوعد الله عز وجل: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾15. ولهذا اعتبرت النصرة من واجبات كل مسلم تجاه كل مسلم.
وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم مبينًا أن الجزاء سيكون من جنس العمل: "ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أخذ للمظلوم من الظالم كان معي في الجنة مصاحباً"16.
والحمد لله رب العالمين
1- سورة المائدة، الآية2 .
2- سورة المائدة، الآية2 .
3- سورة النحل، الآية 90
4- الكليني، الكافي، ج 2، ص 163.
5- الكافي،ج1، ص 405 .
6- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج16،ص356.
7- بحار الأنوار، ج71، ص284، ح4.
8- النوري، مستدرك الوسائل،ج9، باب وجوب أداء حق المؤمن.
9- سورة البقرة، الآية 215.
10- الكليني، الكافي، ج2، ص 668.
11- سورة الحجرات، الآية 10 .
12- بحار الأنوار، ج72، ص38.
13- الكافي، 2ج، ص 163.
14- الصحيفة السجادية الكاملة. دعاؤه بالتوبة، ص162.
15- سورة الحـج، الآية 40.
16- بحار الأنوار، ج75، ص359.