تمحيص المؤمنين في آخر الزمان
محاور الموضوع
1- معنى التمحيص
2- فلسفة تمحيص المؤمنين
3- أنواع التمحيص والبلاء.
4- الابتلاءات والامتحانات في زمان الغيبة الكبرى.
تصدير:
﴿وليمحّص الله الّذين آمنوا ويمحق الكافرين1﴾
الهدف:
بيان العلاقة بين تمحيص المؤمنين وارتقائهم في مدارج الخلوص والطهر, وأنّه كلما كان
البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل.
معنى التمحيص
يقال في اللغة: محّص الشيء محصاً ومحّصه تمحيصاً: خلَّصه من كلّ عيب، ومحص الذهب
بالنار: خلَّصه ممّا يشوبه ومن المجاز محّص الله التائب من الذنوب ومحّص قلبه
وتمحّصت ذنوبه. وحبل مَحِصٌ ومَحِيصٌ أَمْلَس أَجْرَدُ ليس له زِئْبِرٌ، ومَحِصَ
الحبلُ يَمْحَصُ مَحَصاً إِذا ذهب وبرُه حتى يَمّلِص، والمَحْصُ: خُلُوصُ الشيء.
وفي التنزيل: "وليُمَحِّصَ الله الذين آمنوا"؛ أَي يُخَلِّصهم، وقال الفراء: يعني
يُمحِّص "الذنوبَ عن الذين آمنوا"، و﴿وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ﴾ ليكشفه
ويزيله، أو ليخلَّصه من الوساوس، يقال: محّصته تمحيصاً، إذا خلَّصته من كلّ عيب.
ومحّص الله العبد من الذنب، إذا طهّره منه. ويقال في الدّعاء : "اللَّهمّ مَحِّصْ
عنّا ذنوبنا" أي أزل ما علق بنا من الذّنوب2
فلسفة تمحيص المؤمنين
هناك علاقة متقابلة بين تمحيص المؤمنين وارتقائهم في مدارج الخلوص والطهر، فالدنيا
للمؤمنين ليست بدار بقاء ومقام، إنّما دار تمحيص وامتحان
﴿أحسِبَ الناسُ أنْ
يُتركوا أنْ يقولوا آمَنّا وهُم لا يُفتَنونَ. ولَقد فَتَنَّا الّذين مِنْ قَبلِهم
فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الّذينَ صدقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبينَ﴾3.
فكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل، عن رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم : "ما أوذي أحد مثل ما أوذيت "4، وعن الإمام الصادق عليه
السلام: "إنّ أشدَّ الناس بلاءً الأنبياء ثمّ الّذين يلونهم ثمّ الأمثل فالأمثل"5.
التمحيص والابتلاء في كتاب الله
تعدّدت الآيات التي تحدثت عن التمحيص والابتلاء الذي وُعد به المؤمنون، أو الذي حلّ
بالأقوام السابقين نذكر منها:
قوله تعالى:
﴿الّذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن
عمل﴾6 .
﴿ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات
﴾7
﴿وليمحّص الله الّذين آمنوا ويمحق
الكافرين﴾8
﴿وليمحّص ما في قلوبكم، والله عليم بذات
الصدور﴾9.
أنواع التمحيص والبلاء:
البلاء على أنواع وأحوال :
فمرّة يكون للعقاب والنكال لما اقترفه المرء من الموبقات، فيبتلى بالأمراض
والعاهات، أو تلف الأهل والأولاد، وجار سوء وتنغيص اللذّات، أو تسلّط سلطان فيفرق
الأحباب ويشتّت الجماعات، قال أمير المؤمنين عليه السلام : "إنّ الله يبتلي عباده
عند الأعمال السيّئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات..10"
مشيراً إلى ما ورد في الذكر الحكيم:
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بشيء مِنَ الخوف والجوع
...﴾11 أو في قوله سبحانه:
﴿ولقد أخَذْنا آلَ فرعونَ بالسنينَ ونقصٍ من الثمرات
...﴾12.
ومرّة يكون البلاء تمحيصاً للذنوب ورفعاً للدرجات
﴿وليمحّص الله الّذين آمنوا ويمحق
الكافرين﴾13 عن الإمام علي عليه السلام :
"الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في
الدنيا بمحنتهم، لتسلم بها طاعاتهم ويستحقّوا عليها ثوابها"14.
وقال أيضاً: "ولكنّ الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد،
ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبّر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم،
وليجعل ذلك أبواباً إلى فضله"15.
فالأولياء الصالحون لن يكونوا مؤمنين إلاّ كما وصفهم الإمام الكاظم عليه السلام
مخاطباً: "حتّى تعدّوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أنّ الصبر عند البلاء
أعظم من الغفلة عند الرخاء"16.
وخلاصة الأمر: أنّ الله سبحانه يتعاهد عباده المؤمنين بالبلاء، كما يتعاهد المسافر
عياله بأنواع الهدايا والطرف ـ جاء عن أبي جعفر عليه السلام : "يا زياد إنّ الله
يتعهّد عبده المؤمن بالبلاء كما يتعهّد الغائب أهله بالهديّة، ويحميهالدّنيا كما
يحمي الطبيب المريض17. ولولا أن يرتاب بعض ضعاف النفوس لجعل الله"
﴿لمن يكفر
بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضّة ومعارج عليها يظهرون﴾18 ولهذا خصّ الآخرة خالصة
للمؤمنين ﴿قل هي للّذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم
القيامة﴾19، وأمّا الدنيا
فهم فيها مبتلون، ليسمع دعاء أحبّائه حين يمسون وحين يصبحون، وفي خلواتهم ـ مع
حبيبهم ـ يتناجون، وبالأسحار هم يستغفرون.
الابتلاءات والامتحانات في زمان الغيبة الكبرى :
يمكن جمع الابتلاءات التي يمحّص المؤمنون بها في زمن الغيبة الكبرى بالأمور
الآتية20:
1- مواجهة الشهوات والنوازع الشيطانية فتأثيرها أكبر في هذه الغيبة بسبب زيادة
الإغراءات الشيطانية والفساد الخلقي وتنوّع الانحرافات وتعدّدها.
2- سيادة الظلم والجور في الأرض وتعرّض الإنسان للضغوطات والاضطهاد والمصاعب بسبب
انحسار الإسلام بنظامه العادل عن المجتمعات البشرية.
3- مواجهة الفرد المؤمن لضروب التشكيك في وجود الإمام كلما طال الزمان وبالتالي
التشكيك في العقيدة ومن ثم سيطرة الحياة المادية على المجتمع.
فبعد كل هذه الابتلاءات والمصاعب والمحن يتكامل المؤمنون ويخرج الصفوة الذين يمكن
الاعتماد عليهم في قيام الدولة الإسلامية المهدوية وبقائها بالشكل المطلوب .عن
الإمام السجاد عليه السلام قال عن غيبة الإمام المهدي عليه السلام : " فيطول أمدها
حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت
معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلّم لنا أهل البيت"21.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:"والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن
الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر، فقام إليه جابر
بن عبد الله الأنصاري فقال : يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة ؟ قال صلى الله
عليه وآله وسلم : إي وربي ليمحّص الذين آمنوا ويمحق الكافرين"22.
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: " والله لا يكون ما تمدون إليه أعناقكم حتى
تميزوا وتمحصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثم قرأ قوله تعالى "
﴿الم أحسب الناس أن
يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون﴾23
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : "يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم إلا بعد
إياس، لا والله حتى يميزوا ولا والله حتى يمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد
من يسعد"24 .
1- أل عمران، 141.
2- الراغب الأصفهاني، مفردات القرآن، ص761.
3- العنكبوت، 2 -3.
4- الفيض الكاشاني، الوافي، ج2، ص235.
5- الكافي 2 / 252 ح 1،
6- هود، 7.
7- البقرة، 155.
8- أل عمران، 141.
9- آل عمران، 154.
10- نهج البلاغة ص 199ط 144
11- البقرة، 155
12- الأعراف، 130
13- أل عمران، 141.
14- البحار 67 / 232 ح 48
15- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 13 / 157.
16- البحار 67 / 237، ج 82 / 145 ح 30 وفيه ( أفضل من الغفلة ).
17- الكافي2 / 258 ح 28، البحار 67 / 221 ح 28.
18- الزخرف 43 / 33 وبدايتها ( ولولا أن يكون الناس اُمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر
بالرحمن .. ).
19- الأعراف 7 / 32
20- دلائل الإمامة ص 464، إثبات الهداة ج 3 ص 573.
21- دلائل الإمامة ص 247، إعلام الورى ص 433، تفسير العياشي ج 2 ص 32 ح 90.
22- الكافي ج 8 ص 50 ح 14، المحجة ص 116
23- بحار الأنوار ج 53 ص 60
24- سورة الفتح (25)